الوديعة السعودية تنقذ تهاوي العملة اليمنية

يمنيات يحملن نقوداً قديمة في صنعاء (أ.ب)
يمنيات يحملن نقوداً قديمة في صنعاء (أ.ب)
TT

الوديعة السعودية تنقذ تهاوي العملة اليمنية

يمنيات يحملن نقوداً قديمة في صنعاء (أ.ب)
يمنيات يحملن نقوداً قديمة في صنعاء (أ.ب)

تراجع «الانهيار الجنوني» في سعر العملة اليمنية أمس، عقب الإعلان عن الوديعة السعودية التي تبلغ ملياري دولار. وفور تداول النبأ، بدأ سعر صرف الريال اليمني في صنعاء والمحافظات الأخرى بالتوقف عن التدهور الحاد الذي شهده بشكل متسارع خلال الأسبوع الأخير أمام العملات الأجنبية الأخرى، مسجلاً تحسناً تجاوز 15 في المائة خلال ساعات النهار الأولى، بحسب مصرفيين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدين أن الوديعة أنقذت العملة اليمنية من ذلك الانهيار.
وشوهدت أغلب شركات الصرافة وتحويل الأموال في صنعاء فاتحة أبوابها. وأكد إبراهيم، وهو مسؤول في شركة صرافة شهيرة وسط العاصمة اليمنية، أن تدهور سعر صرف الريال تراجع بشكل ملحوظ عقب إعلان نبأ حصول البنك المركزي على الوديعة السعودية.
وخلال جولة لـ«الشرق الأوسط» على عدد من متاجر الصرافة للسؤال عن سعر الصرف، أكد العاملون أن سعر الدولار تراجع إلى 460 ريالاً، بعد أن كان قد وصل أول من أمس إلى 530 ريالاً، وقال صرافون متجولون بعد ظهر أمس إنهم يشترون الدولار بسعر 480 ريالاً.
وتقول الحكومة الشرعية إن سبب انهيار العملة بهذا الشكل ناتج عن تجريف ميليشيا الحوثيين الانقلابية لاقتصاد اليمن منذ انقلابها على السلطة ونهبها احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة، البالغة نحو 5 مليارات دولار، إلى جانب تريليوني ريال من العملة اليمنية.
وكان الرئيس عبد ربه منصور هادي قد أمر بنقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر (أيلول) 2016، لكن بعد فوات الأوان، كما يقول مختصون في الشأن اليمني، إذ استنزفت الميليشيات الانقلابية الاحتياطيات لتمويل حروبها خلال عامين من الانقلاب، واستولت على السيولة من العملة النقدية المحلية في البنك المركزي، وعبثت بأرصدة الصناديق السيادية وأموال المتقاعدين المدنيين والعسكريين.
ومن شأن تهاوي سعر الريال اليمني إلى أكثر من 120 في المائة خلال 3 سنوات من الانقلاب أن يتسبب في كارثة إنسانية لجهة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وعجز ملايين الأسر الفقيرة عن توفير متطلبات المعيشة، خصوصاً أن نحو مليون موظف حكومي لم يتسلموا رواتبهم في صنعاء والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون منذ 16 شهراً على الأقل.
وفي غضون ذلك، وجه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي برقية يشكر فيها الملك سلمان بن عبد العزيز على توجيهاته بشأن الوديعة، فيما عقد مجلس الوزراء اليمني اجتماعاً في عدن برئاسة أحمد عبيد بن دغر في السياق ذاته، بحسب ما أفادت به وكالة «سبأ» الرسمية.
واعتبرت الحكومة اليمنية، في بيان أوردته «سبأ»، أن الوديعة السعودية «منحة كريمة تجسد المواقف النبيلة والأخوية لخادم الحرمين الشريفين، ووقوفه المستمر إلى جانب الشعب اليمني في مختلف الظروف، ومواقفه العروبية والقومية الأصيلة»، وقالت: «إن ملك الحزم والعزم، ومن خلال هذه المواقف، يوجه رسالة محبة وتضامن إلى الشعب اليمني الذي يطمئن مرة تلو أخرى أنه لن يواجه الظروف القاسية بمفرده، وأن الشقيق العربي الكبير يقف إلى جانبه، مثلما فعل دائماً».
وناقش الاجتماع الحكومي «جملة من القضايا والمعالجات الاقتصادية لوقف عملية تدهور سعر صرف الريال، وفِي مقدمتها إعادة تفعيل اللجان الأربع التي كان قد أقرها الرئيس هادي، لوضع المحددات العامة ومراقبة وتقييم الأعمال التي ستنبثق عن اللجان لتأمين الاستقرار الاقتصادي».
وشددت الحكومة الشرعية «على ضرورة وضع آلية شراكة واضحة مع التجار ورجال الأعمال والبنك ومراكز الصرافة، واتخاذ حزمة من الإجراءات الوطنية للحد من الممارسة اللامسؤولة لبعض المتاجرين بالعملة الوطنية، وعلى قيام البنك المركزي والمؤسسات المعنية والبنوك بتحمل المسؤولية وتفعيل دور الرقابة على الأموال».
بدوره، أكد البنك المركزي، في بيان أمس، تلقيه «تأكيداً بقيام الحكومة السعودية بإيداع ملياري دولار في الحسابات الخارجية للبنك لرفد احتياطياته بالعملة الصعبة، ودعم استقرار سعر صرف الريال اليمني». وقال محافظ البنك المركزي اليمني منصر القعيطي إن الوديعة السعودية ستحقق «فرصاً حقيقة للوفاء بالالتزامات الناشئة من النقد الأجنبي نتيجة للمعاملات التجارية بين الاقتصاد المحلي والخارجي لتغطية الاحتياجات المعيشية لليمن، وتنفيذ برامج الحكومة الهادفة لتوفير حاجات السوق المحلية من السلع والخدمات الأساسية».
وكانت السلع الأساسية في اليومين الأخيرين في مختلف أنحاء اليمن قد شهدت ارتفاعاً في الأسعار واكب انهيار العملة المحلية، كما رفض كبار التجار في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون التعامل بالريال، واشترطوا الدفع بالدولار أو ما يعادله من العملات الأجنبية، بالتزامن مع إغلاق شبه كلي لشركات الصرافة.
ويرى اقتصاديون يمنيون أن الوديعة السعودية الأخيرة ستساعد على استقرار العملة في المدى القريب، لكنهم يؤكدون أن إنقاذ الوضع الاقتصادي كلياً يتطلب أن تتخذ الحكومة إجراءات لتحسين عائدات البلاد من العملة الصعبة، عبر استئناف تصدير الغاز والنفط في مناطق سيطرتها، والتسريع ميدانياً بحسم المعركة مع الانقلاب الحوثي.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.