تحت رعاية الأمير عبد الله بن بندر بن عبد العزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة، وبتشريف الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي وكيل الإمارة للشؤون الأمنية، افتتحت في مدينة جدة، مساء يوم الاثنين الماضي، أعمال المؤتمر الإقليمي الثاني للسكري تحت شعار «معاً لنحمي مجتمعنا»، واستمرت ثلاثة أيام.
أشار الدكتور خالد عبد الله طيب، رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر، إلى مشاركة أربعة من المتحدثين الدوليين في هذا المؤتمر إلى جانب 28 متحدثا من داخل المملكة قدموا 28 بحثا ودراسة إلى جانب عدد 80 بوسترا طبيا علقت في صالات خاصة لاطلاع الحاضرين من ذوي الاهتمام على نتائج تلك الدراسات والبحوث. كما تم تقديم ورشتي عمل، الأولى حول كيفية التعامل مع القدم السكرية وتقرحاتها، والثانية حول التعامل الأمثل مع حالات التهاب المفاصل السكري الحاد. وأكد د. طيب على أن إقامة مثل هذه المؤتمرات وورش العمل العلمية سوف تلقي الضوء على مشكلة السكري ومواكبة المستجدات العالمية في مجال الوقاية والعلاج، وسوف تسهم في تقليل الإصابة بالمرض من خلال نشر التوعية الثقافية العلمية والصحية الحديثة.
وتحدث إلى «صحتك» رئيس المؤتمر الأستاذ الدكتور توفيق بن أحمد خوجة أمين عام اتحاد المستشفيات العربية ورئيس الجمعية السعودية للوبائيات، وأوضح في البداية أن هناك ما يقرب من نصف مليار شخص في العالم يعانون من مرض السكري حاليا، وأن البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط تتحمل 80 في المائة تقريباً من عبء مرض السكري.
وعزا أسباب تفاقم مشاكل السكري إلى التوسع الحضري السريع، والنظام الغذائي غير الصحي وأساليب الحياة المستقرة التي أسهمت على نحو متزايد في ارتفاع معدلات السمنة والسكري بشكل لم يسبق له مثيل.
السكري عالميا ومحليا
أوضح الدكتور عبد العزيز بن عبد الله التويم استشاري الغدد الصماء والسكري نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأطفال وأحد المتحدثين في المؤتمر، أن هناك حقائق مهمة وخطيرة حول تطورات داء السكري على المستوى العالمي. ووفقا لتقرير الاتحاد العالمي للسكري (International Diabetic Federation, IDF) لعام 2017 يمكننا أن نذكر الحقائق التالية، وهي على سبيل المثال:
* أولا: على المستوى العالمي، يوجد حاليا ما مجموعه مليون ومائة وستة آلاف طفل مصاب بالسكري في العالم. ويصل عدد الأطفال والأحداث (من الفئة العمرية من 0 إلى أقل من 20 سنة) الذين يشخصون سنويا بالسكري من النوع الأول نحو 132600 طفلٍ وحدثٍ. ويصل عدد الأطفال دون سن الـ15 الذين يشخصون بالسكري كل عام على مستوى العالم إلى 96 ألف طفل.
* ثانيا: في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك 38.7 مليون مصاب بالسكري لمن أعمارهم بين 20 و79 عاما بنسبة تتراوح ما بين 6.7 و12.7 في المائة باختلاف الدول، ويتوقع أن يصل هذا العدد إلى 82 مليونا بحلول عام 2045، وقد وصلت أعداد الوفيات بين المصابين من الفئة العمرية نفسها إلى 318 ألف حالة وفاة في عام 2017.
* ثالثا: في السعودية، هناك 35000 طفل وحدث (دون العشرين عاما) مصابون بالسكري في عام 2017، حيث تصل نسبة الإصابة بالسكري إلى 33.5 طفل من كل مائة ألف طفل سنويا، مقارنة بالدولة الأعلى إصابة في العالم وهي فنلندا (57) حالة جديدة سنويا لكل مائة ألف طفل. وهناك 3900 حالة سكري من النوع الأول للأطفال والأحداث دون سن العشرين سنة تشخص سنويا مقارنة بدول أخرى مثل أميركا (17100) حالة. ولذلك تعد المملكة الدولة السابعة عالميا بعد أميركا والهند والبرازيل والصين ونيجيريا وبريطانيا من حيث نسبة الإصابة بداء السكري عند الأطفال.
وأضاف د. التويم أن من المخيف والمحرج في هذا المرض أن هناك حالات كثيرة لأشخاص مصابين بالسكري، ولكن لم يتم اكتشاف إصابتهم بالسكري حتى الآن، ويصل عددهم إلى 16 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط.
عبء السكري
تحدثت في المؤتمر الدكتورة رجاء محمد الردادي استشارية الطب الوقائي والتعليم والبحوث الطبية نائبة رئيس اللجنة العلمية في المؤتمر، حول الأعباء الاقتصادية للسكري، وأوضحت أن الأعباء البشرية الناجمة عن مرض السكري لا تقتصر على الوفيات المبكرة وانخفاض جودة الحياة بسبب المضاعفات المرتبطة بالمرض، بل تتعداها لتشمل الآثار الاقتصادية الكبيرة على البلدان ونظم الرعاية الصحية، وفوق ذلك كله، الآثار التي تخلفها على المرضى المصابين بمرض السكري وأسرهم.
إن الإنفاق على مريض السكري يرتفع عاما بعد عام، فقد ارتفع من 232 مليار دولار أميركي أنفقت في جميع أنحاء العالم في عام 2007، إلى 727 مليار دولار أميركي في عام 2017 من قبل المرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و79 سنة، وهو ما يمثل زيادة نسبتها 8 في المائة مقارنة بتقديرات عام 2015. وعلاوة على ذلك، فمن المتوقع أن يستمر تنامي العبء الاقتصادي لمرض السكري ليصل إلى 776 مليار دولار أميركي بحلول عام 2045 (الفئة العمرية 20 - 79 سنة)، وهو ما يمثل نمواً بنسبة 7 في المائة.
الاعتلال العصبي السكري
إن من أهم ما ميز هذا المؤتمر تنظيم ورش عمل لأهم مشاكل ومضاعفات السكري على جسم المريض، وهي: الأولى عن كيفية التعامل مع القدم السكرية وتقرحاتها، والثانية عن التعامل الأمثل مع حالات التهاب المفاصل السكري الحاد (شاركوت) والاعتلال العصبي.
* يعتبر الاعتلال العصبي من المضاعفات التي غالباً ما تصيب مرضى السكري. ويمكن لتلف الأعصاب أن يكون كبيراً بحيث يسمح للإصابات أن تحصل دون أن يلاحظها المريض نفسه، مما يؤدي إلى التقرحات والالتهابات الخطيرة (القدم السكرية)، التي لا تتوقف إلا ببتر الجزء المصاب.
إن الاعتلال العصبي السكري هو اختلال في الأنشطة العادية للأعصاب في جميع أنحاء الجسم، ويمكن أن يحدث تغييراً في الوظائف اللاإرادية والحركية والحسية. ويعتبر الاعتلال العصبي المحيطي الشكل الأكثر شيوعاً من أشكال الاعتلال العصبي السكري الذي يؤثر على الأعصاب القاصية للأطراف ولا سيما القدمين، حيث تتغير الدرجة الأولى الوظيفة الحسية بشكل متماثل مما يسبب مشاعر غير طبيعية وخدرا تدريجيا يسهل تطوير القرحة (القدم السكرية) بسبب الصدمة الخارجية و-أو التوزيع غير الطبيعي لضغط العظام الداخلية.
* مرض القدم السكرية هو إحدى المضاعفات المزمنة الشديدة لمرضى السكري، ويتكون من آفات في الأنسجة العميقة المرتبطة بالاضطرابات العصبية وأمراض الأوعية الدموية الطرفية (PVD) في الأطراف السفلية. تتراوح نسبة انتشار اعتلال الأعصاب الطرفية السكري المسجّلة بين 16 في المائة إلى 66 في المائة.
إن عمليات بتر الأعضاء لدى المصابين بمرض السكري تزيد بـ10 إلى 20 مرة عن أولئك غير المصابين بالمرض. ويتم فقدان الطرف السفلي أو جزء منه بواسطة البتر الطبي كل 30 ثانية في مكان ما في العالم بسبب مرض السكري. وتزداد معدلات الإصابة بالقدم السكرية بسبب زيادة انتشار مرض السكري وارتفاع متوسط العمر. ويبلغ معدل حدوث تقرحات القدم لدى المصابين بمرض السكري نحو 2 في المائة، ويتعرض نحو 1 في المائة من المصابين بداء السكري من بتر الأطراف السفلى. وترتفع النسبة في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل.
وبعد البتر، يمكن المحافظة على الجزء المتبقي من الساق، وكذلك حياة المريض المصاب من خلال الرعاية والمتابعة الجيدة من قبل فريق رعاية القدم المتعدد التخصصات.
وعلى غرار المضاعفات الأخرى المرتبطة بمرض السكري، فإن الاستراتيجية الوقائية للإصابة بالقدم السكرية تتمثل في التحكم الكافي بالمرض، المتمثل بضبط نسبة السكر في الدم. فالإدارة الجيدة لمستوى الجلوكوز في الدم (HbA1c) بحيث لا يرتفع عن 7 في المائة يمكن أن يؤدي إلى خفض خطر البتر بنسبة 35 في المائة مقارنة مع الإدارة غير الحكيمة لمستوى الغلوكوز. ويجب على الأشخاص المصابين بمرض السكري فحص أقدامهم بانتظام، واستخدام الأحذية المناسبة ومعالجة أي أمراض غير تقرحية بشكل صحيح.
محاور ومشاركات
وتعليقا على تنامي نسبة الإصابة بداء السكري في المملكة مقارنة بدول العالم وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، أكدت الدكتورة أميمة بنت إبراهيم شعبوني رئيسة اللجنة التنظيمية للمؤتمر أن المؤتمر ركز على عدد من المحاور ذات الأهمية في الوقاية من داء السكري وتقليل التعرض لمضاعفاته ومنها: دور الرعاية الصحية الأولية وطب الأسرة، أنظمة الصحة العامة ودورها في الوقاية وعلاج السكري، مساهمة الخدمات المساندة (الصيدلة - التمريض - المختبرات - التغذية - التثقيف الصحي)، تفعيل التخصصات الصحية الأخرى في الرعاية الشاملة المتكاملة (الأسنان - العيون - الكلى - الصحة النفسية)، مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في الوقاية وعلاج مرض السكري، دور الجهات التشريعية والتنظيمية والمؤسسات والقطاعات الحكومية ذات العلاقة في الحد من انتشار مرض السكري، مساهمة وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز التدابير الوقائية والعلاجية وأنماط الحياة الصحية لمرضى السكري، وتعضيد تكامل خدمات القطاع الصحي الخاص مع الحكومي.
* استشاري طب المجتمع