نقلة نوعية نحو عصر «السائح الرقمي»

توظيف التقنيات الحديثة في «وجهات السياحة الذكية»

ستسمح تقنية الواقع المعزز بتوفير تجارب اندماج كامل
ستسمح تقنية الواقع المعزز بتوفير تجارب اندماج كامل
TT

نقلة نوعية نحو عصر «السائح الرقمي»

ستسمح تقنية الواقع المعزز بتوفير تجارب اندماج كامل
ستسمح تقنية الواقع المعزز بتوفير تجارب اندماج كامل

الجميع اليوم يستخدمون الإنترنت قبل إقدامهم على السفر، وخلال وبعد سفرهم، بهدف تحميل تطبيق يساعدهم في التعرف على وجهة معينة، وكذلك بالطبع لنشر صور الرحلة عبر «فيسبوك» و«إنستغرام». وقد أحدثت ثورة المعلومات نقلة نوعية في الطريقة التي يحضر فيها الناس لرحلاتهم، وفي أسلوب تمضيتها.

سياحة رقمية

خلال السنوات العشر الماضية، شهدنا نشوء وتطور سائح رقمي أكثر استقلالية ومتطلبات ومتعدد المصادر، يبحث عن خدمات خاصة تشمل خيار الاتصال الدائم بالإنترنت.
هذه الشروط جميعها تتطلب نشوء أعمال وخدمات متصلة بالسفر تلبي حاجات المستهلك الجديد الذي يعتمد على التقنية الرقمية. وتشمل هذه الأعمال العروضات وتوفير الخدمات وتجديد الوجهات لتفادي التكرار. إن ما نشهد عليه اليوم هو ولادة نموذج جديد كلياً من السياحة، يمكن تسميته نموذج «الوجهة السياحية الذكية»، قادر على تحقيق استدامة أكبر على الصعيدين الاقتصادي والبيئي.
ومع تزايد الاعتماد على النزعات والاتجاهات الاجتماعية التي تسهل المبيعات والمشاركة مع أشخاص يتمتعون باهتمامات مشتركة، تشهد الممارسات القائمة في عالمنا اليوم كثيراً من الفوضى. في كل يوم، تظهر شركات جديدة تنسخ عمل الآخرين، أو تتحول إلى نماذج أصغر، أو حتى نسخة جديدة عن شركات أخرى.
ولا شكّ أن الابتكار والتكنولوجيا قد غيرا قواعد اللعبة، إذ بات السائح اليوم مسؤولاً (عبر البحث واختيار الرحلات والمنتجات والخدمات، والتخطيط السريع للرحلات، والتواصل والآراء، إلخ)، وأصبحت التكنولوجيا جهة المورد التي يجب أن تتأقلم مع طلبات الزبون لمعلومات دقيقة وقابلة للمقارنة، وأسعار مناسبة، وتجارب سفر متنوعة وحقيقية.
هذه التغييرات تؤثر على القطاعين السياحيين العادي والفاخر، حسب دراسة نشرها «مؤشر السفر الفاخر» في كلية «آي إي» للأعمال. وتعتمد «وجهات السياحة الذكية» على الابتكار والتكنولوجيا وسهولة الوصول والاستدامة. وقد بدأ «سيجيتور»، أحد أقسام وزارة السياحة في إسبانيا، عام 2012 بتطوير هذا المبدأ للمساهمة في إيصال البلاد إلى الريادة في مجال السياحة المستدامة، وكان السباق في نشر معايير الترخيص لتعريف الوجهات الذكية. ويفتح هذا النموذج الجديد الباب لآلاف من فرص العمل في جميع أنحاء العالم. كما تعمل دول أخرى أيضاً، من بينها المكسيك (كوزوميل، وتيكيلا) والأرجنتين (بوينس آيرس) وغيرهما في القارة الأميركية، على وضع استراتيجيات سياحية تتضمن مكونات ذكية.

تقنيات سياحية

تساهم التقنيات الجديدة المرتبطة بإنترنت الأشياء، والبيانات الكبيرة والمفتوحة، والذكاء الصناعي، والعملة الرقمية، والواقع الافتراضي، في تمهيد الطريق أمام ممارسات جديدة، ووسائل جديدة ومبدعة لجذب الزبائن والحفاظ عليهم. ويمكن القول إن عالم التسويق والمبيعات وبرامج الولاء دخل عصر التحليلات المستمرة وجمع المعلومات.
ويصبح الذكاء السياحي حقيقة منذ اللحظة التي يبدأ فيها المستهلك بتحليل البيانات. وسيتيح مزيج من المسافرين المدعّمين بالمعلومات والتقنيات المحمولة للقطاع فرصة تطبيق استراتيجيات تسويق وترويج مبتكرة تجذب عواطف المستخدمين وحاجاتهم الشخصية بشكل مباشر.
وتسمح نظم الذكاء الصناعي، المتوفر اليوم عبر برامج التواصل الآلي والبيانات الضخمة والتعلم المتعمق بتحليل المعلومات الشخصية الخاصة بالمستخدم، بسرعة فهم توقعاته، ومكان وزمان حصوله عليهم، وكيف يمكننا أن نوفر له هذه الخدمات بأكبر فعالية ممكنة.
وفي الوقت الحالي، ستسمح تقنية الواقع الافتراضي قريباً للمستهلكين بتوفير تجارب اندماج كامل حتى يتمكن الزبائن من اختبار تجربة سفرهم بشكل مباشر عبر هاتفهم الذكي أو في وكالات السفر، مما يحتم على العاملين في مجال السياحة أن يبدؤوا بتدريب فرق عملهم على كيفية التعامل مع التحول الرقمي وإدارته.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».