شهدت أزمة «مرسوم الضباط» العاصفة بين رئاستي الجمهورية والبرلمان منذ ما قبل نهاية العام الماضي، تصعيداً في المواقف بين الرئاستين عبر «حرب بيانات» بين رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري، بعدما عجزت الوساطات عن الوصول لمخارج للأزمة التي نشأت عن توقيع عون مع رئيس الحكومة سعد الحريري مرسوماً لإعطاء أقدمية لضباط، اعتبرها بري مخالفة للدستور، لأنها لا تحوي توقيع وزير المال.
وجدّد كل منهما التمسك بموقفه السابق، فكرّر عون دعوة المعترضين على المرسوم إلى الاحتكام للقضاء، وهو ما سبق لبري أن رفضه معتبراً أن الضعيف يلجأ إلى القضاء.
وفيما بدا أنه انسداد لأفق الحل، لا تزال مصادر الرئاسة الثالثة تعول على حراك رئيس الحكومة سعد الحريري، وتؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «في السياسة اجتراح الحلول والوساطات لا يتوقفان»، مشيرة إلى مستجدات قد تحصل خلال الساعات القليلة المقبلة. وفي حين لا تزال تتكتّم على تفاصيل المبادرة، تقول المصادر: «لا بد أن نصل إلى حل رغم كل ما يحصل، والحريري اعتاد على تدوير الزوايا ومعالجة الأمور، وهو يتولى هذه القضية للوصول إلى حل يرضي الطرفين».
ومع إصرار رئيس الجمهورية على أن الكلمة الفصل تبقى للقضاء، يوضح وزير العدل السابق إبراهيم نجار أن «المتضررين من أي قرار هم الذي يلجأون إلى القضاء، وفي قضية المرسوم من الصعوبة تحديد هؤلاء، إذ إن الجهة المتضررة من قرار منح الأقدمية للضباط هم بعض الضباط الذين يتولون مواقع تتأثّر سلباً من هذا القرار». ويشرح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «ربما الوحيد الذي بإمكانه المقاضاة هو وزير المالية علي حسن خليل، وهو الأمر الذي لا يزال مستبعداً انطلاقاً من أن الاعتراض هو سياسي أكثر منه قانوني، ولم تجر العادة في لبنان، كما في بقية الدول، أن يقاضي وزيرٌ، رئيس الجمهورية أو وزيراً آخر»، مذكراً كذلك بأن «وزير المال خلال العشرين سنة السابقة لم يكن في معظم الحكومات من الطائفة الشيعية، وبالتالي فإن الخلاف سياسي ميثاقي أكثر منه تقني، وبالتحديد حول أسلوب التعاطي وطريقة إصدار المرسوم».
ويضيف نجار: «أنه من الناحية القانونية المقاضاة تكون أمام مجلس شورى الدولة الذي سبق له أن قرّر في اجتهاد له حمل الرقم 22 أن وزير المال ليس له مرتبة أعلى من وزراء الحكومة الآخرين، لكن الموضوع يتجاوز النقاش التقني، كما اجتهاد مجلس الشورى، ويتعلق بالأعراف التي تفرض مشاركة الوزير المختص والمعني في التوقيع على أي مرسوم»، ويقول في الوقت عينه: «أنا على يقين أن هناك دراسات قانونية تم تحضيرها من أجل إعطاء رئيس الجمهورية التبريرات والتعليل القانوني لدعم موقفه».
وفي البيان الذي صدر عن مكتب رئاسة الجمهورية، أكد عون التزامه «الموافقة على الرأي الذي تصدره الجهات القضائية المختصة في شأن قانونية المرسوم الذي أصدره، ويقضي بمنح أقدمية للترقية لضباط 1994، حتى ولو كان مبطلاً للمرسوم ولاغياً له ولمفاعيله، لا سيما أن القضاء هو المرجع الصالح للبت في الخلافات الناشئة حول قانونية المراسيم والإجراءات الصادرة عن السلطة التنفيذية». وأعرب الرئيس اللبناني عن رغبته في أن يضع هذا الموقف «حداً للجدل القائم حول المرسوم، وتكون للجهات القضائية المختصة الكلمة الفصل»، مشيراً إلى أن «الجدل حول المرسوم أخذ في أحيان كثيرة منحى مغايراً للأصول لما يخدم المصلحة الوطنية».
وردّ بري على عون عبر مكتبه الإعلامي سريعاً، معتبراً أن «ما حصل ليس مجرد إشكالية قانونية في مرسوم يُطعن به أمام مجلس الشورى، إنما مخالفة صارخة لقاعدة دستورية تسمى (مداورة الأصول) بالالتفاف على اختصاص سلطة دستورية ومواد بمنتهى الصراحة والوضوح في الدستور ليس أقلها المادتان 54 و56»، مضيفاً: «إذا كان الأمر يتعلق بتفسير ما، فإنما الاختصاص فيه يعود فيه للمجلس النيابي دون سواه، الذي تمت المداورة في الأصول أصلاً على اختصاصه، وبعد وضع يده على الموضوع وقول كلمته فيه»، ليخلص إلى أن «إحدى الفضائل كما تعلم رئاسة الجمهورية المكرّمة هي تصحيح الخطأ إذا لم يكن بالإمكان العودة عنه».
حرب بيانات بين عون وبري على خلفية «أزمة المرسوم»
حرب بيانات بين عون وبري على خلفية «أزمة المرسوم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة