قصص حب درامية حقيقية، جديرة بالبحث والتحري، وليست سينمائية من تأليف أديب أو سيناريست شهير. وعلى الرّغم من أنّ وقائعها جرت بعيداً عن كواليس التصوير، فإنّها شبيهة بالقصص الخيالية التي ساقتها السينما المصرية على مدار عقود طويلة، منذ زمن أفلام الأبيض والأسود.
كانت تلك القصص تشغل بال الجماهير والصحافة، وكانت محل نقاشات واهتمام كبير على المستوى الشعبي، لا سيما أن أطرافها من نجوم السينما والفن والغناء والموسيقى. وأخيرا صدر في مصر كتاب «أقاصيص العشق... أجمل قصص الحب بين المشاهير»، للكاتب الصحافي محمد رفعت، عن دار «الدار للنشر والتوزيع»، الذي يضم بين دفتيه مجموعة من أجمل قصص الحب بين مشاهير الفن والأدب والسياسة.
في البداية يقول محمد رفعت، مؤلف الكتاب، لـ«الشرق الأوسط»: «بينما كنت أبحث عن أجمل قصص الحب والعلاقات الرومانسية بين المشاهير المصريين القدامى، فُوجئت بإحساس غريب جداً لم أكن أتوقعه حينما نبتت في رأسي فكرة الكتاب، وكان خليطاً بين الحسرة والحزن الشديد على قصص الحب العظيمة التي انتهى معظمها بمأساوية وأحياناً كارثية».
رفعت أجاب عن السؤال الصعب: لماذا يفشل الحب ويموت؟ بقوله: «تعدّدت الأسباب والنتيجة واحدة»، موضحاً: «نستطيع أن نعرفها بأنفسنا من بين ثنايا تلك القصص... ونعرف أيضاً لماذا كانت قصة حب الشاعر الراحل كامل الشناوي للمطربة الرائعة نجاة، سببا مباشرا في وفاته، ولماذا طلب المفكر والأديب الراحل محمود عباس العقاد، من صديقه الرسام صلاح طاهر، أن يرسم لوحة تعبر عن تورتة جميلة يلتف حولها الذباب، ومن كان يقصد بتلك الصورة... أو كيف كان يغازل الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي، معظم نجمات الوسط الفني اللاتي كنّ يعالجن عنده، ولماذا كتب رائعة الأطلال التي يعدها البعض أجمل ما غنّت كوكب الشرق أم كلثوم، في وصف الفنانة زوزو حمدي الحكيم التي لعبت دور (رَيَّا) في الفيلم الشهير (ريا وسكينة)».
ومن أطرف قصص الحب التي ساقها الكتاب، قصة حب توفيق الحكيم، حيث روى الكاتب الصحافي الكبير الراحل مصطفى أمين، قصة حب وزواج توفيق الحكيم وشريكة عمره، فيقول: «كانت تناقش كل مقالاته... ولم يلبث أن أحسّ توفيق أنّها تراه الرجل الوحيد في العالم... وكانت ترى فيه كل الأساطير التي كتبها... فأدمن توفيق زيارة صديقه ضابط الجيش... وأحسّ أنّ شيئاً خطيراً يتحرك في أعماقه كالوحش الكاسر... حاول أن يمنع نفسه... يسترد كبرياءه كعدو النساء... وكان يفشل في كل مرّة، ويكاد يبكي على عرشه الذي اهتزّ بشدّة أمام الآنسة (سيادات)».
طلبها للزواج ليرضي قلبه، ووضع 15 شرطا قاسيا لتوافق عليها العروس قبل زفافهما... قال لها الحكيم: «لي شروط للزواج... ألا يعرف أحد أنّنا تزوجنا لأنّني أريد أن يبقى هذا الزواج سراً لا تعرفه إلا أسرتك، وألا ينشر هذا الزواج في الصُّحف لا تلميحاً ولا تصريحاً، وأن أسافر وحدي إلى الخارج من دون أن يكون لك الحق في السفر معي، ولا نستقبل ضيوفا في بيتنا سواء من الرجال أو النساء، وألا أصحبك في نزهة أو رحلة، وأن يكون مصروف البيت (200) جنيه لا تزيد مليما واحدا، وألا أكون مسؤولا عن مشاكل البيت والخدم، وأن تكون مشاكل كل الأولاد من اختصاصك، وألا تطلبي مني سيارة، وأن تعامليني كطفل صغير لأنّ الفنان طفل صغير يحتاج إلى الرعاية والاهتمام، وأن يكون بيتنا هادئا بلا ضجيج أو خناقات أو أصوات تزعجني لأتفرغ لكتابة ما أريد... وأن ينام كل منا في حجرة مستقلة ولا تتدخلي في عملي».
وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها الكاتب الكبير، أن وافقت الجارة الحسناء على كل شروطه. أعلنت استسلامها أمام كل طلباته، ورفعت الراية البيضاء لتوهمه أنّه انتصر ووصل إلى عاصمة الأعداء! وزُفّت إلى توفيق الحكيم الذي كان يكبرها بعشرين سنة. ومع الوقت، ألغت بنفسها كل الشروط التي وضعها الحكيم قبل الزواج، وكان الحكيم في غاية الرضا وهو يتنازل عن شروطه شرطاً بعد شرط.
- رضوى ومريد البرغوثي
في السياق نفسه، ألقى مؤلف الكتاب الضوء على قصة حب رضوى عاشور والشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، عندما قالت رضوى في إحدى كتاباتها: «كان أول لقاء لنا على سلم جامعة القاهرة، حيث كان يلقي على أصدقائه إحدى قصائده، فانتبهت له وشعرت بكلماته تختارني، وكنت أكتب الشعر أيامها، ولكن بعد أن سمعت قصائد مريد، تركت الشعر، لأنّه أحق بأهله وذويه».
وبدأت العقبات تواجههما منذ البداية عندما رفض أهل رضوى ارتباطها بالشاب الفلسطيني، لكن كل اعتراضات والدها المحافظ سقطت، حينما التقى بالشاب ووجد في داخله كل الحب والمسؤولية تجاه ابنته الصغيرة.
ومرّت علاقة رضوى ومريد بكثير من المحطات الصعبة، لعلّ أصعبها على كليهما حينما أُبعد البرغوثي عن مصر في فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات، بسبب اعتراضه على زيارة السادات لإسرائيل، وظل ممنوعاً من الدخول لمدة 17 سنة، وهو ما أحدث تشتّتاً كبيراً لأسرتهما، ولم تملّ على الرغم من البعد والصعوبات؛ بل ظلت متماسكة من أجله.
ويتابع الكاتب: «ظلت رضوى عاشور، حتى مماتها، تشعر بالخجل في حالة إثارة ما يتعلق بقصة حبها لمريد، فتتورد وجنتاها وتعجز عن الكلام وتحاول أن تخفي خجلها الواضح بابتسامة رقيقة كأنّها ما زالت تلك الفتاة العشرينية التي وقعت في حب زميلها بالجامعة».
- حب الفرسان
وعن قصة حب يوسف السباعي وزوجته يقول المؤلف: «كان يوسف السباعي هادئاً بطبعه وحساساً ورقيقاً، أخد قوة دفع روحانية من تشجيع (دولت) له، بعدما قرأت أول قصة كتبها وهي باسم (تبَّتْ يدا أبي لهب وتبّ)، وكان لا يزال تلميذاً في الثانوية عندما قابلته وقالت له: (أعجبتني قصتك جداً... ليتك تتجه إلى الأدب لأنّ أسلوبك جميل، ومن الممكن أن تنجح وتصبح أديباً)، ولم يخيب ظنونها إلا (شيئا واحدا)، حينما اتجه إلى الكلية الحربية؛ إذ كان مصمما على الالتحاق بهذا السلك».
وكان فارس الرومانسية يوسف السباعي دوماً العون لحبيبته وابنة عمه، حتى قبل خطبتهما رسمياً، فقد كانت لا تجيد الرسم، وكان يساعدها في رسم الموضوعات المدرسية التي تُطلب منها.
التحق يوسف بسلاح الفرسان، وتمت خطبتهما لمدة عامين، وطوال تلك الفترة كان يأتي إلى حبيبته ممتطياً جواده ومرتدياً ملابسه العسكرية المملوءة بالنياشين، تماماً كفارس الأحلام على حصان أبيض، ولكنّها لم تكن مثل باقي الفتيات، فلم تنشغل مطلقا بتلك المظاهر الرقيقة قدر انشغالها وإيمانها به حبيبا وأديبا.
وتزوج العاشقان، وهنا تكشف لدى دولت جانب خفي من حبها ليوسف، فقد كانت تخاف عليه بشدة، وتهرع إليه إذا وجدته واقفاً في شرفة المنزل وتمسك بملابسه خوفاً من سقوطه، لذلك سمّاها، ضاحكاً، «مخضوضة هانم»، كما كانت ترفض تماماً سفره بالطائرة، وفي إحدى المرات سافر من دون أن يخبرها، وعلمت بذلك من الجرائد بعد عودته، فانفجرت بالبكاء متسائلة: «ماذا لو سقطت الطائرة؟!».
- نهاية حزينة
إلى ذلك سلط كتاب «أقاصيص العشق» الضوء أيضا، على نهاية حب حزينة، وهي قصة حب الملحن والمطرب منير مراد، والفنانة سهير البابلي. مراد الولد الشقي والملحن والمغني والممثل ومقلد الفنانين وصاحب أطرف المونولوجات الفنية، بدأ حياته الفنية مساعدا للإخراج مع توجو مزراحي وأنور وجدي، ثم تدرج في عالم التلحين والغناء، وكانت الموسيقى المميزة تجري في دمه، فأحدث تغييرات على الألحان التقليدية، واستعان به كبار الفنانين مثل عبد الحليم حافظ وشادية لتلحين أشهر أغنياتهما، وكان تركيزه الكبير على فنّه وألحانه الموسيقية، حتى تعرف على الفنانة سهير البابلي، وأحبها حباً شديداً جعله يقدم على تغيير ديانته من اليهودية إلى الإسلام للزواج بها.
وفقاً للكتاب الجديد، فإن المؤرخ الفني وجيه ندا برّر الزواج بقوله: «اقترنت سهير بمراد لعشقها التمثيل ورغبتها الجامحة في الوقوف أمام عبد الحليم حافظ، وهو ما فعله زوجها، ولكنّها كانت ترغب في البطولة لأنّها شعرت بنجوميتها على المسرح، ولترحيب حليم بها وتنبؤه بمستقبل فني كبير، وكادت تصل لدور مهم في فيلمه الجديد (البنات والصيف)، لولا تدخل المخرج فطين عبد الوهاب الذي كان له رأي آخر، وزجّ سهير بدور غير واضح، وقد رضخت لهذا التعسف، ولكنّها تشاجرت مع زوجها ولامته لأنّه لم يكن جدّياً بطلبه دور البطولة لها من صديقه، فكان الانفصال والطلاق لمدة عام، ثم عادت إليه وشاركت عبد الحليم في فيلم آخر هو (يوم من عمري)، بدور صغير. كما لحن منير (ضحك ولعب وجد وحب) و(بأمر الحب)، فتأكدت من سذاجتها التي صورت لها أنّ منير قادر بصداقته أن يصل بها إلى البطولة، فشعرت بأنّ زوجها لا يحبّها. وقد شكّل حب المعجبين بها غيرة منير مراد طيلة زواجهما الذي استمر أكثر من عشر سنوات، لم ينجبا خلالها، فكان الطلاق الثاني حتمياً».
كتاب جديد يوثق قصص الحب بين المشاهير في مصر
المؤلف لـ«الشرق الأوسط»: أصبت بالحزن الشديد بسبب النهايات المأساوية
كتاب جديد يوثق قصص الحب بين المشاهير في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة