احتجاجات تعمّ إيران وأجنحة السلطة تتبادل الاتهامات

قوات الأمن تفرق تجمعات بالقوة ودعوات لمواصلة التظاهر ضد سلوك النظام الإقليمي وسياسته الاقتصادية

صورة تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر توجه قوات خاصة تابعة للشرطة لقطع الطريق على المتظاهرين في وسط كرمانشاه غرب ايران أمس
صورة تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر توجه قوات خاصة تابعة للشرطة لقطع الطريق على المتظاهرين في وسط كرمانشاه غرب ايران أمس
TT

احتجاجات تعمّ إيران وأجنحة السلطة تتبادل الاتهامات

صورة تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر توجه قوات خاصة تابعة للشرطة لقطع الطريق على المتظاهرين في وسط كرمانشاه غرب ايران أمس
صورة تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر توجه قوات خاصة تابعة للشرطة لقطع الطريق على المتظاهرين في وسط كرمانشاه غرب ايران أمس

أصبحت إيران على سطح صفيح ساخن بعدما اتسع نطاق المظاهرات الشعبية الغاضبة ضد تدهور الوضع المعيشي في مناطق واسعة من البلاد، أمس، ونزل عشرات آلاف من المتظاهرين إلى ميادين المدن الكبرى، مرددين هتافات تندد بسياسات النظام؛ تلبية لحملة يديرها ناشطون إيرانيون في شبكات التواصل الاجتماعي، وشهد بعض المدن مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن بعدما لجأت إلى العنف في تفريق المتظاهرين للحيلولة دون اتساعها، في حين تبادلت الأطراف السياسية الإيرانية الاتهامات أمس بشأن الجهة المسؤولة عن تحريض المتظاهرين.
وأشعلت مظاهرات اندلعت تحت شعار «لا للغلاء»، أول من أمس، في ثاني أكبر المدن الإيرانية مدينة مشهد وست مدن أخرى، شبكات التواصل الاجتماعي، ودعا ناشطون المواطنين الإيرانيين إلى الوحدة والخروج احتجاجاً على تدهور الوضع المعيشي، وفشل الحكومة في تنفيذ وعود رددها الرئيس الإيراني حسن روحاني، وغلاء الأسعار وتدهور الوضع المعيشي والسياسات الإقليمية للنظام.
وانضمت مدن طهران ورشت وقم، وأصفهان، وكرمانشاه، وسنندج، وشيراز، وخرم آباد، وهمدان، والمحمرة، وقزوين، والأحواز، وساري، وزاهدان، وقوتشان، وبيرجند إلى المظاهرات وفق مقاطع تناقلها ناشطون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وبخاصة «تليغرام».
وشهدت العاصمة طهران إجراءات أمنية مشددة، وتمركز قوات الأمن منذ أول ساعات الصباح في الطرق المؤدية إلى ساحتي وليعصر وآزادي، بعد دعوات من ناشطي المجتمع المدني للتجمع في تلك المناطق، وفق ما تناقلته مصادر إيرانية. وقال المساعد الأمني لمحافظ طهران، محسن نسج همداني، في تصريح لوكالة «إيلنا» الإصلاحية إن السلطات اعتقلت نحو 50 شخصاً كانوا بصدد التجمع في أحد ميادين طهران، وذلك في وقت حاولت وسائل الإعلام الرسمية أن تنفي وجود أي احتجاجات في العاصمة الإيرانية.
واتهم المسؤول الإيراني جماعات معارضة في الخارج بالوقوف وراء الدعوات بالتظاهر. وشدد على أنها مظاهرات «غير مرخصة»، ولوح باتخاذ الإجراءات الصارمة من قِبل الأجهزة الأمنية إذا ما استمرت دعوات التظاهر.
قبل ذلك، قال المدعي العام في مشهد، حسن حيدري: إن قوات الأمن اعتقلت أكثر من 52 شخصاً على خلفية المظاهرات التي شهدتها مدينة مشهد، وفق وكالة «فارس».
في هذا الصدد، قالت صحيفة «جوان» المنبر الإعلامي للحرس الثوري عبر موقعها الإلكتروني: إن متظاهرين خرجوا إلى قم وأصفهان في سياق الاحتجاجات التي شهدت البلاد. وقالت الصحيفة: إن الاحتجاجات في المدينتين استهدفت «السياسات الاقتصادية لحكومة روحاني». وأشارت الصحيفة إلى أن المتظاهرين في كل من أصفهان وقم «تراوح بين 500 و1000 شخص من المستثمرين المتضررين في مؤسسات مالية»، إلا أنها في الوقت نفسه قالت: إن المتظاهرين رددوا شعارات معادية للنظام.
ولم تختلف وكالة أنباء الحرس الثوري (فارس) في روايتها عن تقرير صحيفة جوان وقالت: إن المتظاهرين الغاضبين على إفلاس المؤسسات المالية رددوا شعارات حادة من دون الإشارة إلى طبيعة الشعارات. واتهمت وكالة «فارس» وسائل الإعلام الأجنبية بالسعي وراء تسييس المظاهرة وتحويلها من مظاهرة مطالب اقتصادية إلى مظاهرة سياسية.
كما انتقدت مواقف الحكومة الإيرانية، وقالت: إنها «حاولت أن تنسب الاحتجاجات إلى خصوم الحكومة».
وردد المتظاهرون هتافات مثل «الموت للديكتاتور» والشعب يتسول والمرشد يعيش حياة رغد و«الموت لروحاني»، وشعارات أخرى تندد بالسياسة الاقتصادية للحكومة، وتدخلات طهران الإقليمية وتكاليف دفع ثمنها المواطن الإيراني وترجمتها هتافات، مثل «لا غزة ولا لبنان، روحي تفتدي إيران» و «اترك سوريا وشأنها... فكّر في أحوالنا». كما ردد المتظاهرون شعارات تطالب بإطلاق سراح السجناء السياسيين، كما برزت شعارات تندد بوضع الحريات.
وتحدت وسائل تواصل الاجتماعي الإعلام الرسمي في نشر تفاصيل تطورات الشارع الإيراني، في حين اختصرت وسائل الإعلام الرسمية على نشر ما أدلى به المسؤولون أمس.
وأظهرت مقاطع نشرها ناشطون خروج أكبر المظاهرات في كرمانشاه ذات الأغلبية الكردية غرب البلاد، والتي تضررت مناطق واسعة فيها من زلزال بقوة 7.2 علي مقياس ريختر. ولجأت قوات مكافحة الشغب إلى العنف في تفريق المتظاهرين وسط المدينة، واستخدمت آليات رش المياه، والهروات، والغاز المسيل للدموع. وكانت مقاطع تظهر اشتباكات بالأيدي ورمي الحجارة بين متظاهرين وعناصر من الشرطة، أسفرت عن جرحى في صفوف الطرفين، وفقاً لشهود عيان.
كما أشارت تقارير إلى اعتقال عدد من المتظاهرين في كرمانشاه على يد قوات الأمن. في الاتجاه نفسه، قال شهود عيان: إن مدينة سنندج مركز محافظة كردستان شهدت نزول المتظاهرين إلى الشارع تضامناً مع مدينة كرمانشاه.
وأشارت وكالة «فارس» التابعة للحرس الثوري إلى حركة المتظاهرين وسط كرمانشاه، إلا أنها ذكرت أن عدد المتظاهرين «بلغ 300 شخص»، وذلك على خلاف ما أظهرت المقاطع المصورة.
ودعا ممثل المرشد الإيراني في مدينة مشهد، أحمد علم الهدي، قوات الأمن إلى اتخاذ إجراءات صارمة بعد خروج مئات المتظاهرين إلى الشوارع احتجاجاً على ارتفاع الأسعار مرددين شعارات مناهضة للحكومة. ونقلت «رويترز» عن علم الهدي قوله: إن «إذا تركت وكالات الأمن وإنفاذ القانون مثيري الشغب وشأنهم فإن الأعداء سينشرون تسجيلات وصوراً في إعلامهم ويقولون إن نظام إيران قد قاعدته الثورية في مشهد». وقال علم الهدى: إن عدداً قليلاً من الأشخاص استغل احتجاجات أمس الخميس (أول من أمس) على ارتفاع الأسعار لرفع شعارات مناهضة لتدخل طهران في نزاعات إقليمية. مضيفاً أن «بعض الناس خرجوا للتعبير عن مطالبهم، لكن فجأة رددت مجموعة لا يتعدى عددها الخمسين وسط حشد بالمئات هتافات مغايرة ومريعة مثل (اتركوا فلسطين) و(أضحي بحياتي في سبيل إيران وليس غزة أو لبنان)».
وقال النائب عن مدينة طهران محمود صادقي عبر حسابه في «تويتر»: «حتى لو كانت المظاهرات منظمة، يجب أن يكون المسؤولون في موقف المساءلة». مضيفاً: «يجب ألا نقبل نظرية المؤامرة بدلاً من المساءلة». وتابع: إن «خروج المظاهرات السلمية من الحقوق الأساسية للإيرانيين»، مطالباً الحكومة بـ«احترام الشعب وتنفيذ ميثاق الحقوق المدنية بالأفعال وليس عبر الشعارات».
وشكك نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري بدوافع المظاهرات، وشدد على أن «قضية الاقتصاد ذريعة لقضايا أخرى خلف الستار»، متهماً خصوم الرئيس الإيراني ضمناً بالوقوف وراء المظاهرات، في إطار تبادل الاتهامات بين أجنحة السلطة بالمسؤولية عن تحريك المظاهرات.
وقال جهانغيري: إن «الحكومة في حاجة إلى حلول تقدمها الأجهزة المدنية والنقابية والسياسية، وبخاصة النخب لإدراك القضايا المشتركة في مسار تطوير البلد». وانتقد الخلط بين النقد وإطلاق الشتائم وتشويه الآخرين»، مشدداً على أنها تلحق أضراراً بالبلد. وفي الوقت نفسه طالب النخب بتقديم الحلول المناسبة إلى الحكومة.
في سياق متصل، كشف نائب رئيس البرلمان الإيراني، علي مطهري، عن دعوات إلى استجواب الرئيس الإيراني حسن روحاني. بحسب ما نقلت وكالة «إيسنا» عن مطهري، فإن رئيس البرلمان علي لاريجاني «عرقل خلال الأيام الماضية مطالب برلمانية تطالب باستدعاء روحاني إلى البرلمان». وأضاف مطهري: إن إيران «تمر بأوضاع صعبة وفي أمس الحاجة إلى الوحدة في الوقت الراهن».
من جهة أخرى، أعلن موقع البرلمان الإيراني «خانه ملت» أن رئيسه علي لاريجاني يستضيف اجتماعاً ثلاثياً يضم رئيس القضاء صادق لاريجاني ورئيس الجمهورية حسن روحاني، الثلاثاء المقبل لبحث آخر التطورات الداخلية. وقالت مصادر إعلامية مقربة من الحرس الثوري: إن روحاني «ترأس أمس اجتماعاً أمنياً بحضور قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية» في طهران.
وحذر غلام علي جعفرزادة، رئيس كتلة «الولاية»، خيمة المحافظين في البرلمان، من تبعات زعزعة ثقة الشارع بالحكومة. وتتهم وسائل الإعلام مناصرة لروحاني خصومة باستغلال تدهور الوضع المعيشي للضغط على الرئيس الإيراني. وقال جعفرزادة إن من يريدون زعزعة ثقة الشعب بالحكومة «يجب أن يكونوا على علم أن الشعب لا يفرق بين الحكومة والسلطة والنظام». وأضاف: «كلنا نركب قارباً واحداً، ومن يثقب هذا القارب فإنه يؤدي إلى غرق الجميع».
من جانبه، قال رئيس الأركان محمد باقري: إن «فتنة 2009 سببت خيبة للأعداء في الوصول إلى أهدافهم الخبيثة». كما هاجم قادة الحركة الإصلاحية ميرحسين موسوي ومهدي كروبي، واصفاً إياهم بـ«الخونة». وأصدر الحرس الثوري أمس بياناً على موقعه الإلكتروني «سباه نيوز»، قال فيه: إن «البعض يحاول إزالة الحساسيات من ذاكرة الشعب على أمل فتن جديدة في المستقبل».



«الذرية الدولية»: إيران قبلت تعزيز إجراءات التفتيش في منشأة فوردو

مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي ونظيره الإيراني محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران منتصف نوفمبر 2024 (د.ب.أ)
مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي ونظيره الإيراني محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران منتصف نوفمبر 2024 (د.ب.أ)
TT

«الذرية الدولية»: إيران قبلت تعزيز إجراءات التفتيش في منشأة فوردو

مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي ونظيره الإيراني محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران منتصف نوفمبر 2024 (د.ب.أ)
مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي ونظيره الإيراني محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران منتصف نوفمبر 2024 (د.ب.أ)

وافقت إيران على تشديد الرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على منشأة فوردو الواقعة تحت الجبال، بعدما سرعت على نحو كبير تخصيب اليورانيوم بما يقترب من الدرجة المطلوبة لصناعة أسلحة.

وذكر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقرير سري لدول الأعضاء، أن إيران «وافقت على طلب الوكالة بزيادة وتيرة وكثافة تدابير الرقابة في منشأة فوردو لتخصيب الوقود، وتسهيل تطبيق هذا النهج الرقابي».

والأسبوع الماضي، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران ضاعفت وتيرة تخصيبها إلى نقاء يصل إلى 60 في المائة في منشأة فوردو، وهو مستوى قريب من 90 في المائة المطلوب لصنع الأسلحة النووية، ما اعتبرته القوى الغربية تصعيداً خطيراً في الخلاف مع إيران بشأن برنامجها النووي.

وأعلنت الوكالة أنها ستناقش الحاجة إلى إجراءات وقائية أكثر صرامة، مثل زيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وهي واحدة من منشأتين تصلان إلى هذا المستوى العالي من التخصيب.

وجاء في التقرير السري الموجه إلى الدول الأعضاء: «وافقت إيران على طلب الوكالة زيادة وتيرة وشدة تنفيذ إجراءات الضمانات في منشأة فوردو، وتساهم في تنفيذ هذا النهج المعزز لضمانات السلامة».

ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن لفوردو الآن إنتاج أكثر من 34 كيلوغراماً شهرياً من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المائة، مقارنة بـ5 إلى 7 كيلوغرامات كانت تنتجها مجتمعة في فوردو ومنشأة أخرى في نطنز فوق الأرض.

ووفقاً لمعايير الوكالة، فإن نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة تكفي نظرياً، إذا تم تخصيبها أكثر، لصنع قنبلة نووية. إيران تمتلك بالفعل أكثر من أربعة أضعاف هذه الكمية، بالإضافة إلى ما يكفي لصنع المزيد من الأسلحة عند مستويات تخصيب أقل.

وتؤكد القوى الغربية أنه لا يوجد مبرر مدني لتخصيب إيران إلى هذا المستوى، حيث لم تقم أي دولة أخرى بذلك دون إنتاج أسلحة نووية. فيما تنفي إيران هذه الادعاءات، مؤكدة أن برنامجها النووي ذو أهداف سلمية بحتة.