بوتين يوجه رسائل حازمة إلى الغربيين بشأن سوريا

مصادر أوروبية لـ «الشرق الأوسط»: موسكو اليوم أقل استعدادا مما كانت عليه للتوصل إلى حل

بوتين يوجه رسائل حازمة إلى الغربيين بشأن سوريا
TT

بوتين يوجه رسائل حازمة إلى الغربيين بشأن سوريا

بوتين يوجه رسائل حازمة إلى الغربيين بشأن سوريا

أغلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باب النقاش حول سوريا قبل أن يبدأ لقاءاته الرسمية في العاصمة الفرنسية باريس التي دعته للمشاركة في احتفالات الذكرى السبعين لإنزال الحلفاء على شواطئ النورماندي. وعلى الرغم من استبعاده عن «قمة السبع» في العاصمة البلجيكية والأوروبية بروكسل بسبب قضمه شبه جزيرة القرم وللدور الذي تلعبه روسيا في زعزعة استقرار أوكرانيا، كان بوتين الحاضر الغائب، فعاد أمس وسيعود اليوم إلى قلب الحدث عبر ثلاثة اجتماعات قمة رئيسة مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند ومع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
بوتين استبق لقاءاته الفرنسية، التي جرى اثنان منها أمس في باريس، الأول مساء مع كاميرون والثاني ليلا مع هولاند في قصر الإليزيه على مائدة عشاء هو الثاني الذي تناوله هولاند بعد عشائه الأول مع نظيره باراك أوباما في أحد مطاعم باريس الشهيرة، بحديث صحافي متشدد خص به القناة الأولى في التلفزيون الفرنسي وإذاعة أوروبا رقم واحد. ومع أن اللقاء دار في غالبيته حول أوكرانيا وعلاقات روسيا مع الغرب التي شهدت تدهورا حادا في الأشهر الثلاثة الأخيرة، اغتنم بوتين المناسبة لتوجيه رسائل حازمة إلى الغرب بشأن الملف السوري.
الرسالة الأولى أراد منها بوتين تخويف الغرب بتحذيره من أن سوريا يمكن أن تتحول إلى «أفغانستان جديدة». وللبرهنة على نظريته، يؤكد بوتين أن المعارضة المسلحة التي لا يميز بين مكوناتها «تنتمي إلى منظمات مرتبطة بـ(القاعدة)»، مضيفا أن هذا الأمر «يعرفه الجميع». وخلاصته أن سوريا «يمكن أن تتحول إلى شيء يشبه أفغانستان جديدة بحيث تصبح تهديدا بما في ذلك لأوروبا أيضا». والخلاصة الضمنية التي يتوصل إليها الرئيس الروسي هي أن مصلحة الغرب تقضي بأن يتوقف عن دعم المعارضة إذا أراد حماية نفسه. وبالطبع يعي بوتين أن معضلة الجهاديين الأوروبيين الذين يعودون من سوريا مصدر قلق كبير للبلدان الأوروبية التي اجتمع وزراء داخلية سبع من دولها أمس في لوكسمبورغ بحثا عن توثيق التعاون ولبلورة خطة تمكنهم من تلافي تكرار حادثة الاعتداء على المتحف اليهودي في بروكسل يوم 24 مايو (أيار) الذي أوقع أربعة قتلى وارتكبه مواطن فرنسي من أصل مغاربي يدعى مهدي نموش. ويفيد تقرير مخابراتي أوروبي أن أعداد الجهاديين من المواطنين الأوروبيين أو المقيمين في البلدان الأوروبية (فرنسا، بلجيكا، هولندا، وبريطانيا تحديدا) يقارب الثلاثة آلاف بينهم نحو 700 فرنسي.
وتتمثل الرسالة الثانية لبوتين بالقول إن الخطر الأول يمكن أن يفضي إلى تهديد ثان هو «تفكيك سوريا كما حصل في السودان والعراق» مع تحميل الغرب سلفا مسؤولية ذلك بسبب دعمه للمعارضة. ومعنى تفكيك سوريا هو بالطبع غياب الدولة وترك الباب سائبا أمام المنظمات التي يصفها النظام السوري وكذلك روسيا بـ«الإرهابية». لذا، فإن الطريق إلى تلافي كارثة كهذه الرسالة الثالثة هو بقاء النظام السوري الذي يلعب، بحسب المنطق الروسي، دور الحصن المنيع بوجه الإرهاب والمنظمات الجهادية. ويقول بوتين: «نتمنى المحافظة على السلطة الشرعية ويتعين علينا في مرحلة لاحقة أن نفكر بالطريقة التي يمكن من خلالها إصلاح المجتمع لجعله أكثر إنسانية». وفي السياق عينه، عد بوتين أن انتخاب الأسد شرعي وسلطته شرعية، مكررا الموقف الذي عبرت عنه وزارة الخارجية الروسية التي رأت أول من أمس، أن «شرعية الاقتراع لا يمكن إنكارها، كما أنه ليس ممكنا تجاهل رأي ملايين من السوريين الذين انتخبوا رغم التهديدات الإرهابية واختاروا العمل لمستقبل بلادهم».
إلى ذلك، تقول مصادر دبلوماسية أوروبية رفيعة المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن روسيا هي اليوم «أقل استعدادا مما كانت عليه في الماضي للمساعدة على إيجاد حل سياسي في سوريا» لثلاثة أسباب رئيسة على الأقل: الأول، أنها ترى أن النظام تجاوز نقطة الخطر الأمر الذي يعكسه ترشح الأسد للانتخابات التي كانت معروفة النتائج سلفا وإغلاقه بذلك نهائيا فصل محادثات جنيف والحل السياسي والمرحلة الانتقالية. والثاني، أن موسكو أقل رغبة اليوم في «مساعدة الغرب» مما كانت عليه في أي يوم مضى بسبب أزمة أوكرانيا والعقوبات المفروضة على كبار المقربين من الرئيس بوتين. والثالث أنه تعي كم أن الغرب متخوف من الجهاديين وأن تحذيراتها أخذت تلقى آذانا غربية صاغية.
بيد أن المنطق الروسي يفترق كثيرا عن المنطق الغربي العربي ومنطق المعارضة السورية، إذ إن كل هذه الأطراف لا ترى في انتخاب الأسد إلا مهزلة وأن نتيجتها الأولى هي التمديد للصراع واستمرار الحرب وإغلاق الباب أمام حل يستوحي بيان جنيف الصادر في يونيو (حزيران) 2012. ومع أن كاثرين آشتون رأت أنه يتعين البحث عن «أفكار جدية» للحل السياسي، إلا أن حلا يبقي الرئيس السوري في السلطة لم يكن مقبولا في الأمس ولا يبدو أنه أصبح مقبولا اليوم حتى وإن انتخب الأسد بنسبة كاسحة وفق النتائج الرسمية. ولذا، فإن السؤال اليوم يدور حول «الرد» الذي سيكون من المعارضة ومعها المجموعة الأساسية لأصدقاء الشعب السوري قادرة على القيام به بعد التطورات الأخيرة وحول ما إذا كانت ستفي أخيرا بالوعود التي أغدقتها على رئيس الإتلاف الوطني خلال جولته الأخيرة الأوروبية - الأميركية.



روسيا تشيد بمواقف ترمب وتَحمِل على أوروبا

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
TT

روسيا تشيد بمواقف ترمب وتَحمِل على أوروبا

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)

أشاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأحد، بهدف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، «المنطقي» لإنهاء الحرب في أوكرانيا، لكنه حَمَل على القوى الأوروبية التي احتشدت حول كييف، واتهمها بالسعي إلى إطالة أمد الصراع.

وقال لافروف إن الولايات المتحدة لا تزال تريد أن تكون الدولة الأكبر قوة في العالم، وإن واشنطن وموسكو «لن تتفقا أبداً على كل شيء، لكنهما تتفقان على التحلي بالنهج العملي حينما تتطابق المصالح». وذكر لافروف أن نموذج العلاقة بين الولايات المتحدة والصين هو النموذج الذي ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين موسكو وواشنطن لإنجاز كثير من «الأمور ذات المنفعة المشتركة» دون السماح للخلافات بالتحول إلى حرب. وأضاف لصحيفة «كراسنايا زفيزدا» العسكرية الروسية، وفقاً لنص نشرته وزارة الخارجية: «دونالد ترمب براغماتي (شخص عملي)... شعاره هو المنطق السليم. وهذا يعني، كما يمكن للجميع أن يروا، التحول إلى طريقة مختلفة لإنجاز الأمور». وتابع قائلاً: «لكن الهدف لا يزال جعل (أميركا عظيمة مرة أخرى)»، في إشارة إلى الشعار السياسي لترمب، مضيفاً: «هذا يعطي طابعاً حيوياً وإنسانياً للسياسة. ولهذا السبب من المثير للاهتمام العمل معه».

طفل يجلس على دبابة روسية مدمرة وسط العاصمة الأوكرانية كييف الأحد (أ.ب)

أوروبا «وراء مآسي العالم»

وكانت روسيا قد غزت أوكرانيا في 2022 بآلاف القوات؛ مما تسبب في أكبر مواجهة بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة.

وتحدث ترمب إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 12 فبراير (شباط) الماضي، وقال إنه يريد أن يذكره التاريخ بوصفه «صانع السلام»، لكنه غيّر تماماً السياسة الأميركية بشأن حرب أوكرانيا. وقال لافروف إن المكالمة مع بوتين كانت بمبادرة من ترمب. وقال ترمب الأسبوع الماضي إن الصراع قد يتحول إلى حرب عالمية ثالثة، مشيراً إلى أنه تحدث إلى بوتين في «مناسبات عدة» وأنه يعتقد أنه سيكون هناك اتفاق سلام في أوكرانيا.

ودخل ترمب يوم الجمعة هو ونائبه جي. دي. فانس في مشادة كلامية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي داخل المكتب البيضاوي. واتهم ترمب زيلينسكي بعدم احترام الولايات المتحدة، وقال إنه يخسر الحرب وإنه لم تتبقَّ لديه أي أوراق. وسارع زعماء أوروبيون إلى الدفاع عن زيلينسكي.

لكن لافروف انتقد أوروبا، قائلاً إنه على مدى 500 عام مضت، كانت أوروبا هي المحرك لـ«كل مآسي العالم» سواء «الاستعمار، والحروب، والحملات الصليبية، وحرب القرم، ونابليون بونابرت، والحرب العالمية الأولى، وأدولف هتلر». وأضاف لافروف: «والآن، بعد ولاية (الرئيس الأميركي السابق جو) بايدن، جاء أشخاص يريدون الاسترشاد بالمنطق السليم... يقولون بشكل مباشر إنهم يريدون إنهاء جميع الحروب، ويريدون السلام».

كما رفض لافروف المقترحات الأوروبية لإرسال فرقة من قوات حفظ السلام الأوروبية، وقال إن روسيا ليست لديها ثقة بأوكرانيا بعد انهيار «اتفاقيات مينسك»، التي كانت تستهدف إنهاء حرب انفصالية من قبل الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا. وقال لافروف إن الأوروبيين لا يستطيعون توضيح الحقوق التي سيتمتع بها الناطقون بالروسية بموجب خطط قوات حفظ السلام الأوروبية، مضيفاً أن روسيا لا تحب فكرة دعم الأوروبيين زيلينسكي. وتابع: «الآن يريدون أيضاً دعمه بحرابهم في شكل وحدات حفظ سلام. وهذا يعني أن الأسباب الجذرية لن تختفي».

«انسجام مع رؤيتنا»

كما قال الكرملين، في تصريحات بُثت الأحد، إن التحول الكبير الذي شهدته السياسة الخارجية الأميركية تجاه روسيا تماشى إلى حد كبير مع رؤيته. وأكد المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، لمراسل من التلفزيون الرسمي في مقابلة مسجلة: «الإدارة الجديدة تغير بسرعة جميع إعدادات السياسة الخارجية. وهذا ينسجم إلى حد كبير مع رؤيتنا». وأضاف: «لا تزال الطريق طويلة؛ لأن هناك أضراراً جسيمة لحقت بالعلاقات الثنائية بأكملها. لكن إذا تواصلت الإرادة السياسية، للرئيس بوتين والرئيس ترمب، فإن هذا المسار يمكن أن يكون سريعاً وناجحاً للغاية». وأدلى بيسكوف بهذه التصريحات الأربعاء، لكنها نُشرت الأحد.