«نأي جدّي بالنفس» في لبنان

رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)
رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

«نأي جدّي بالنفس» في لبنان

رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)
رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)

عدل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، اليوم (الثلاثاء)، عن استقالته، وأكد أن كل أعضاء الحكومة وافقوا على النأي بالنفس عن الصراعات في الدول العربية.
وصرح الرئيس الحريري في مستهل كلمته في جلسة مجلس الوزراء اليوم قائلاً: «نحن، كحكومة، مسؤولون أولاً وأخيراً عن حماية البلد من المخاطر التي تواجهه»، آملاً في أن تشكل هذه الجلسة «فرصة جديدة للتعاون وحماية لبنان ولا سيما أن المنطقة تغلي. وهذا الأمر يحتاج منا لأن نتحمل المسؤولية»، مؤكداً رفض السير وراء شعارات تستهدف جر الفوضى إلى لبنان.
ودعا الحريري إلى «العمل لتجنيب البلاد صراعات المنطقة والمحافظة على الاستقرار»، لافتاً إلى «ضرورة عدم التدخل في شؤون دول صديقة أو شقيقة أو التهجم عليها في وسائل الإعلام، وعلينا أن نضع مصالح لبنان واللبنانيين أولا، وأن نعلن قرارنا بالنأي بالنفس قولا وفعلا». وأكد أنه «إذا كنا نرفض أن تتدخل أي دولة في شؤون لبنان، فلا يجوز بالتالي لأي طرف لبناني أن يتدخل في شؤون الدول العربية، وخصوصا دول الخليج؛ إذ إن مصلحتنا تكمن في حماية علاقاتنا التاريخية مع كل الدول».
وأيد بدوره وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة النص المطروح: «لعل كل الأطراف الممثلة حول الطاولة تمتثل له أخيرا ولا تلحقه بالاتفاقات والتفاهمات والتسويات المهدورة، بما لوث المناخ السياسي، وهدد الوضع الاقتصادي، وعرض لبنان إلى مخاطر جمة».
واستخلص حمادة أن النأي بالنفس المقترح يعني بالنسبة للجميع الخروج من الصراعات الإقليمية وجودا وتسليحا وتدريبا وتحريضا.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي اللبناني علي الأمين أن البيان الذي أصدرته الحكومة اليوم كان متوقعا، ومن دوافعه الأساسية «التأكيد على نأي جميع الأطراف اللبنانية بنفسها قولا وفعلا، رغم أن التجارب السابقة لم تكن مشجعة ولا توحي بالثقة، ذلك بسبب فشل إعلان بعبدا سابقا، والذي ينص على تحييد لبنان عن المحاور الإقليمية، وهو ما عاد (حزب الله) وحلفاؤه ونقضوه بعد أسابيع من إقراره».
وأضاف الأمين لـ«الشرق الأوسط» أن بيان النأي بالنفس يمكنه النجاح في حال اعتمد جميع الأفرقاء في لبنان قرار إنشاء الدولة المستقلة، وشدد على «أن (حزب الله) لطالما اتخذ قرارات بمعزل عن الحكومة اللبنانية، ما أوصل الوضع في البلاد إلى ما هو عليه الآن».
وشرح الأمين أن هنالك قطاعا إقليميا واحدا يحاول إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة ويتجسد بالقرار الأميركي حول مسألة النفوذ الإيراني، حيث «إن أميركا تحاول ضبط نفوذ إيران في الشرق الأوسط بالسياسة فقط، وإبعادها عن العمل الميداني العسكري والميليشياوي التي تمارسه في عدة دول عربية».
وكانت مصادر وزارية قد أوضحت، أن رئيس مجلس النواب نبيه بري تولى التواصل مع «حزب الله»، وأن معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل كان على اتصال على مدار الساعة مع وزير الخارجية جبران باسيل، ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري والمعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل، للاطلاع على مضمون البيان الذي أدلى به الحريري اليوم.
وشدد وزير الدولة علي قانصو، بعد زيارته رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الأمس، على «أن الاستقرار السياسي يجب أن يكون أولوية عند الأفرقاء السياسيين، لأنه من دون هذا الاستقرار، فليس هناك استقرار اقتصادي أو مالي أو أمني». وقال: «نحن معنيون بالتضامن حول الورقة السياسية التي يفترض أن تحدد خيارات لبنان في هذه المرحلة، وأن ننطلق في مقاربة هذه الورقة من مصلحة البلاد العليا، وأن تكون علاقات لبنان مع الدول العربية متوازنة وعلى قاعدة احترام ميثاق جامعة الدول العربية».
كما أفاد عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي فريد الخازن لوكالة «أخبار اليوم» بأن «المؤشرات تؤكد أن الأجواء إيجابية، وهناك مسعى جدّي تؤيده كل الجهات، ويفترض أن يؤدي إلى نتيجة إيجابية تشكل مخرجاً للأزمة». وأكد أن «تحييد لبنان هو مصلحة للجميع وإن بقي الخلاف الداخلي حول بعض الملفات».
وبعد طي صفحة استقالة الحريري وتثبيت الموقف الوطني على ضرورة النأي بالنفس شكلا ومضموناً، سيحمل الرئيس الحريري بيان الحكومة الجمعة إلى باريس، حيث تناول أكثر من مصدر رسمي لبناني قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تسريع دعوة مجموعة الدعم الدولية للبنان على مستوى وزراء الخارجية، لينعقد الاجتماع في باريس يوم الجمعة المقبل، بعد أن كان ينوي الدعوة إلى هذا الاجتماع في أوائل السنة المقبلة.
وقال المصدر إن ماكرون قرر تقديم الموعد، نظراً لاقتناعه بالحاجة إلى مواكبة الجهود من أجل معالجة الأزمة السياسية في لبنان بعد الموقف العربي من تدخلات إيران في عدد من الدول العربية، واستخدامها «حزب الله» في هذه التدخلات.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.