«غوغل» تحتفي بأول طبيبة هندية مارست المهنة في القرن الـ19

ناضلت من أجل الحصول على حق المرأة في التعليم وساهمت في حظر زواج القاصرات

TT

«غوغل» تحتفي بأول طبيبة هندية مارست المهنة في القرن الـ19

خصصت شركة «غوغل إنديا» مؤخراً رسماً يظهر به أول طبيبة هندية وناشطة نسوية تمارس الطب في الهند خلال الحقبة الاستعمارية في القرن التاسع عشر، التي ظلت تعمل حتى بلوغها التسعين من العمر. تم تصوير الدكتورة روكماباي في ذلك الرسم الملون وهي ترتدي السماعة الطبية حول عنقها، وشعرها معقوص، بينما تحيط برأسها هالة على خلفية تظهر بها مستشفى صاخبة للنساء، وثلاث مريضات، وممرضتان، وعربة صغيرة عليها عقاقير وزهور، بينما تحقن ممرضةٌ مريضة، وتقرأ المريضة الأخرى، وتتحدث الثالثة مع ممرضة.
ولدت روكماباي، وهي امرأة قوية ومثابرة عام 1864، وحصلت على شهادة الطب من إنجلترا في وقت لم تكن حتى النساء الإنجليزيات فيه متحمسات للحصول على شهادات جامعية. إضافة إلى ذلك كانت قصتها نموذجاً نادراً لامرأة أثبتت قدرتها على النضال من أجل الحصول على حق المرأة في التعليم، وساهمت في حظر زواج القاصرات، ليس في الهند خلال الحقبة الاستعمارية فحسب، بل في الإمبراطورية البريطانية بأكملها. وقد تفوقت كذلك كأول امرأة تمارس الطب خلال تلك الحقبة، التي كان يعد تعليم الفتيات بها من الأمور المحظورة، وقد نجحت في الفكاك من قيود وبراثن زواجها المبكر أيضاً.
أصبحت الملكة فيكتوريا إمبراطورة الهند عام 1876، وفي العام نفسه تزوجت روكماباي وهي في الحادية عشرة من العمر. مع ذلك وطبقاً للأعراف المتبعة في الوقت ذلك، ظلت روكماباي في منزل والديها بعد الزواج، وكانت تتبع إرشادات زوج أمها، الطبيب وأستاذ النباتات لها بأن تعلم ذاتها في المنزل لعدم وجود مدارس للفتيات في ذلك الزمن، حيث كان ذلك متناقضاً مع معايير ذلك العصر.
بعد ذلك بسبع سنوات أقام زوجها دعوى قضائية يطالب فيها بإقامة زوجته معه على أساس «استعادة حقوقه الزوجية». ورفضت روكماباي الانتقال للعيش مع زوجها، الذي تبين أنه رجل ذو شخصية مريبة، ويكره التعليم. وكانت روكماباي قد تطورت ونضجت خلال تلك السنوات، وأصبحت شابة ذكية ومثقفة؛ وقررت عدم الاستمرار في الزواج بهذا الرجل خوفاً من احتمال العيش في كنف علاقة مقيدة خانقة. ودعمت أسرتها قرارها، وساعدتها في الرد على الدعوى القضائية. وأثارت القضية، التي أخذت محكمة بومباي العليا تنظر فيها لمدة ثلاث سنوات، الجدل في كل من إنجلترا والهند. مع ذلك لم تؤيد المحكمة دعواها عام 1887، وتم توجيه إنذار نهائي لروكماباي بالانتقال إلى منزل زوجها، أو السجن لمدة ستة أشهر. وقبلت روكماباي الحكم بالسجن بكل أريحية.
وأصبحت قضيتها من الأحداث البارزة في الهند خلال الحقبة الاستعمارية، حيث أثارت أموراً تتعلق بزواج القاصرات، وحق المرأة في الموافقة على الزواج. كذلك جعلت تلك القضية الصحافة البريطانية تركز على حظر زواج القاصرات، وأهمية تمتع المرأة بحقوق مساوية للرجل. لفتت تلك القضية المثيرة انتباه الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا، فألغت الحكم القضائي وأبطلت عقد الزواج.
على الجانب الآخر درس الكثيرون قضيتها، بل أثارت تلك القضية الكثير من النقاشات من منظور نسوي في إنجلترا. كذلك كان لها تأثير على إصدار قانون الحد الأدنى لسن الزواج عام 1891 الذي نجح في إلغاء زواج القاصرات فيما بعد. وانتقلت روكماباي بعد ذلك إلى إنجلترا بفضل جهود بذلتها طبيبة إنجليزية تدعى دكتورة بيشي بيبسون التي كانت ملحقة بمستشفى نساء في بومباي. وعاشت روكماباي في إنجلترا مع والتر ماكلارين، عضو البرلمان الليبرالي، وزوجته، اللذين كانا يتوليان جمع المال اللازم لدراستها للطب. والتحقت ببرنامج لدراسة الطب مدته خمس سنوات في كلية لندن للطب، وتخرجت عام 1894، لتعود بعدها إلى الهند، حيث أطلق عليها الناس لقب «الساحرة» لأنها أبطلت عقد زواجها وعاشت وحيدة.
يقول أنانث نارايان، صانع فيلم روائي عن دكتورة روكماباي: «عندما عادت روكماباي وجدت نفسها منبوذة في بومباي، وكان يتم رجمها بالحجارة على الطرقات، وكانوا يخبرونها بأنها لا تستحق العيش هنا، وأنها لا تستطيع علاج الناس». واعتمد أنانث في فيلمه عن سيرة حياة روكماباي التي كتبها موهيني فارد. وحصد الفيلم العديد من الجوائز في الكثير من المهرجانات السينمائية العالمية. تشير سيرة حياة روكماباي إلى إنشائها لمستشفى، لكن لم يكن يذهب إليه أحد بسبب النظرة السائدة إلى المستشفيات كمكان يموت فيه الناس. ويذكر فارد أنها قامت بتوليد ماعز لتؤكد للجميع أن عمليات التوليد آمنة. وأضاف قائلاً: «لقد ظلت تحافظ على قناعتها في مواجهة مجتمع لم يكن يؤمن بالطب، ويؤمن بالخرافات، ويتخذ موقفاً متحيزاً ضد المرأة».
يقول أنانث صانع الأفلام إن شخصية روكماباي تتجاوز كونها أول طبيبة تمارس الطب في الهند، فهي بالنسبة له أهم شخصية ثورية على المستوى الاجتماعي في الهند، حيث تقف على وجه النقيض من النساء اللاتي لا يحررن أنفسهن من الأوضاع المسيئة لهن بسبب الخوف. ويؤكد أنانث أن روكماباي عاشت وحيدة حتى وفاتها في الواحدة والتسعين من العمر.
كان قرار روكماباي بالعودة إلى الهند قراراً شجاعاً، كما تقول الممثلة تانيشثا تشاترجي، التي أدت دور روكماباي في الفيلم، وأضافت قائلة: «لقد كانت أمامها فرصة للبقاء والعمل في إنجلترا، وكان يمكن أن تتزوج رجلاً إنجليزياً، وتعيش حياة مريحة، لكنها قررت العودة إلى الهند. لقد كانت تدرك مدى حاجة بلدها إليها، لكنها لم تكن تعتبر عملها تضحية».
بمرور السنوات أصبح لروكماباي موقف متطرف ضد الزواج، حيث فضلت تكريس حياتها لرسالتها ومهمتها، وواصلت الدفع باتجاه إجراء إصلاحات اجتماعية. وكتبت روكماباي تحت اسم مستعار هو «سيدة هندوسية» خطابين في الوقت المناسب إلى صحيفة «تايمز أوف إنديا»، وتناول الخطابان، اللذان تم كتابتهما من منظور نسوي، قضية زواج القاصرات، وإجبار المرأة على عدم الزواج بعد وفاة زوجها، ووضع المرأة في المجتمع. وتضمن كتاب «زواج القاصرات في الهند» لجايا ساغاديه الخطابين. تقول جايا: «أنا من أولئك السيدات البائسات غير المحظوظات التي كان قدرها المعاناة من مآسي لا يمكن وصفها بسبب عادة الزواج المبكر. لقد قضت هذه الممارسة الخبيثة من تزويج القاصرات على سعادتي في حياتي، وحالت بيني وبين أمرين أفضلهما عن كل ما سواهما، وهما الدراسة والثقافة. لقد تم فرض العزلة عليّ دون ارتكابي لأي خطأ أو إثم، فقد نظر إلى ما كنت أطمح إليه من تفوق على شقيقاتي الجاهلات بعين الريبة، وتم تأويله بكل قسوة».
يقول أنانث إن سيرة حياة دكتورة روكماباي لا تزال مهمة حتى يومنا هذا لأنه رغم مرور سنوات طويلة، «يبدو أن مجتمعنا اليوم يعاني من المشكلات نفسها، التي عانى منها المجتمع خلال تلك الفترة». هناك مقاومة لمنح المرأة حقوقها حول العالم، ولا يزال هناك الكثير من الأمور التي ينبغي إنجازها؛ فرغم نضال روكماباي من أجل الوصول إلى القمة، «لا تزال ملالا تقف في الأمم المتحدة وتقول إنه تم إطلاق النار عليها لأنها أرادت أن تتعلم» كما يقول أنانث. ويأمل أن ينجح الفيلم في إيقاظ الجمهور، وتوعيته بمسألة التمييز على أساس النوع لأنه في الوقت الذي يتم فيه تحقيق تقدم مادي في البلاد، «لا يزال علينا التطور والنضج كبشر، وتغيير نظرتنا» على حد قوله.
أصبح منزل روكماباي، الذي يقع في غامديفي بالقرب من طريق غرانت رود في مومباي، اليوم مدرسة كما كانت ترغب، فلا توجد طريقة أفضل من ذلك لتخليد إرث وإنجاز امرأة نجحت من خلال حصولها على التعليم في فتح أبواب العالم حقاً.


مقالات ذات صلة

«جيميناي 2.0»... «غوغل» بدأت إتاحة نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي التوليدي

تكنولوجيا شعار «جيميناي» يظهر على شاشة هاتف جوال (رويترز)

«جيميناي 2.0»... «غوغل» بدأت إتاحة نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي التوليدي

أعلنت «غوغل» اليوم (الأربعاء) بدء العمل بنموذجها الأكثر تطوراً إلى اليوم في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي «جيميناي 2.0» Gemini 2.0.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا الشريحة الجديدة «ويلّوو» (أ.ف.ب)

«غوغل» تطور شريحة للحوسبة الكمومية بسرعة فائقة «لا يمكن تصورها»

طوَّرت شركة «غوغل» شريحة حاسوبية كمومية تتمتع بسرعة فائقة لا يمكن تصورها، حيث تستغرق خمس دقائق فقط لإكمال المهام التي قد تتطلب نحو 10 سبتيليونات سنة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا أعلنت «غوغل» الأميركية ابتكار أداة ذكاء اصطناعي «جين كاست» قادرة على توفير توقعات متعلقة بالطقس على مدى 15 يوماً بدقة غير مسبوقة (متداولة)

«غوغل» تبتكر وسيلة ذكاء اصطناعي توفر توقعات جوية بدقة غير مسبوقة

أعلنت شركة غوغل الأميركية، اليوم الأربعاء، ابتكار أداة ذكاء اصطناعي قادرة على توفير توقعات متعلقة بالطقس على مدى 15 يوماً بدقة غير مسبوقة.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
علوم نظّم بعض موظفي «غوغل» اعتصامات في مكتبين للشركة منتقدين مشروع «نيمبوس» في أبريل الماضي

«غوغل» قلقة من انتهاكات حقوق الإنسان بسبب عقدها التقني مع إسرائيل

ظلّت شركة التكنولوجيا العملاقة «غوغل» تدافع عن صفقتها مع إسرائيل أمام الموظفين الذين يعارضون تزويد الجيش الإسرائيلي بالتكنولوجيا، ولكنها كانت تخشى أن يضر…

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
تكنولوجيا شعار شركة «غوغل» على أحد مباني الشركة في سان دييغو (رويترز)

كندا تقاضي «غوغل» بسبب ممارسات غير تنافسية في الإعلانات عبر الإنترنت

قالت هيئة مكافحة الاحتكار في كندا، يوم الخميس، إنها رفعت دعوى قضائية ضد «غوغل»؛ بسبب سلوكها غير التنافسي في مجال الإعلانات عبر الإنترنت.


«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.