قبل عام، اعترفت المستشارية الألمانية أنجيلا ميركل بأن الفكرة التي طرحتها بأن تنتج بلادها مليون سيارة كهربائية حتى سنة 2020 هي مجرد وهم؛ نظراً لغياب عوامل كثيرة تساعد على ذلك.
ومع أنها لم تتطرق مباشرة إلى أمر مهم جداً، وهو وجوب وجود أعداد وفيرة من المحطات لتغذي السيارة الكهربائية بالطاقة اللازمة لمواصلة السير، إلا أنها لم تقلل من شأن هذا الأمر اليوم، حيث سعت حكومتها إلى إقناع بلدان الاتحاد الأوروبي بالإكثار من بناء محطات تموين السيارات الكهربائية بالطاقة.
ويبدو حالياً أن أوروبا مقبلة قريباً على حقبة السيارات الكهربائية، حيث أقرت المفوضية الأوروبية مشروع بناء سلسلة محطات شحن السيارات الكهربائية من شمال أوروبا (عند النرويج) وحتى جنوبها (عند إيطاليا)، وسيتم قريباً بناء أول محطتين في ألمانيا والدنمارك، وذلك في إطار ما يسمى «الممرات الخضراء في وسط أوروبا».
وسبق هذا المشروع اقتراح للجنة الاستشارية البيئية التابعة للحكومة الألمانية بأن يكون ربع السيارات الجديدة والمركبات التجارية الخفيفة في البلاد - على الأقل - تسير بالطاقة الكهربائية بحلول عام 2025.
ودعم هذا القرار قول كلوديا كيمفرت، أستاذة اقتصاد الطاقة والعضوة في مجلس خبراء البيئة الألماني: إن قطاع النقل لم يسهم حتى الآن في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وعلينا الآن أن نغير بسرعة.
عربات لمستقبل خال من التلوث
وكان حلم الكثيرين يتمحور حول استبدال العربات التقليدية العاملة بالبنزين والديزل الأكثر فتكاً بالصحة البيئية، بأخرى قادرة على تنظيف الهواء من الملوثات الميكروسكوبية، وعلى رأسها العربات الكهربائية، لكن لا يمكن للمستهلكين الاعتماد في الوقت الراهن على السيارات الكهربائية في قطع مسافات طويلة؛ نظراً لقلة عدد محطات الشحن المنتشرة في أوروبا؛ لذا قررت المفوضية الأوروبية التدخل لبدء ثورة حقيقة في عالم النقل الكهربائي.
إذ قررت المفوضية بناء 180 محطة لشحن السيارات الكهربائية على أراضي ثماني دول أوروبية من أقصى شمال أوروبا إلى أقصى جنوبها. وبفضل هذه الشبكة الجديدة من محطات الشحن سيتمكن السائق من عبور أوروبا من النرويج في شمالها نزولاً إلى مضيق «ميسينا» جنوب إيطاليا من دون أن يعاني من انقطاع في الطاقة الكهربائية. ورغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ إلا أن عدداً من هذه المحطات سيتم بناؤها على أراضيها.
البناء على مراحل
في المرحلة الأولى سيتم بناء هذه المحطات في كل من السويد، والدنمارك، وألمانيا، وبريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا، والنرويج، والبرتغال، ومن المتوقع رفع عدد محطات الشحن مستقبلاً. وستخصص المفوضية الأوروبية مبلغاً أولياً يرسو على 10 ملايين يورو لمباشرة تأسيس هذه الشبكة. وستتولى شركة «إيون» الألمانية السباقة في مجال الطاقة بناء هذه الشبكة، بالمشاركة مع شركة «كليفر» الدنماركية المعروفة بثقلها الدولي في قطاع خدمات الطاقة الكهربائية.
ويقول رينيه بورش، الخبير في شركة «إيون» الألمانية: «سيكون عدد محطات الشحن الكهربائية على الطرقات الأوروبية السريعة 180 محطة، والمسافات بين المحطة والأخرى ستكون ما بين 120 إلى 180 كيلومتراً بقوة شحن كهربائي 150 كيلوواط في كل محطة، مع إمكان رفعها إلى 360 كيلوواط لاحقاً».
وتتميز هذه المحطات بقدرتها على شحن السيارات الكهربائية بسرعة (خلال أقل من 30 دقيقة). وفي هذا السياق، يشير رينيه بورش إلى أن شحن بطارية السيارة الكهربائية القادرة أن تقطع 400 كيلومتر سيتم في فترة تتراوح بين 20 و30 دقيقة فقط، وكلما زادت تكنولوجيا السيارات الكهربائية تطوراً تقلص وقت شحنها أكثر فأكثر.
من جانبها، تقول الخبيرة بريجيت أندرسون، من شركة «كليفر» الدنماركية: إن بناء محطات الشحن الأولى على الطرق السريعة في أوروبا من شأنه تبديد الغيوم السوداء المحيطة بصناعة السيارات الكهربائية، وذلك بمساعدة الاتحاد الأوروبي والدول التي تريد التخلص من العربات العاملة بالبنزين والديزل في أسرع وقت.
وأضافت أن بناء المحطات سيكون حافزاً لمنتجي السيارات ومستهلكيها لإحداث ثورة جديدة وصديقة للبيئة في عالم النقل والتنقل.
وحسب قولها، تراهن شركتا «كليفر» الدنماركية و«إيون» الألمانية من جهة على نماذج سيارات كهربائية ذات سعر قابل للانخفاض شيئاً فشيئاً، ومجهزة من جهة أخرى ببطارية تخوّلها أن تقطع كيلومترات أكثر من دون أن تتوقف ليُعاد شحنها.
على صعيد ألمانيا، تخطط شركة «إيون» لاستثمار نحو 300 مليون يورو لغاية عام 2020، ثم 200 مليون يورو إضافية بحلول عام 2022، من أجل بناء أكثر من 2000 محطة شحن كهربائي على الطرقات السريعة الرئيسية وفي بعض الطرق الرئيسية الداخلية.
واعتماداً على قوانين تنظيمية أوروبية، ينبغي على كافة المجمعات السكنية الألمانية التي تتخطى مساحتها ثلاثة كيلومترات مربعة أن يكون لديها محطة شحن كهربائي واحدة على الأقل. وستتبنى حكومة برلين هذا القانون الجديد اعتباراً من مطلع العام المقبل.