سنوات السينما

ميرامار(1969) شادية ورجال نجيب محفوظ

يوسف شعبان وشادية في فيلم «ميرامار»
يوسف شعبان وشادية في فيلم «ميرامار»
TT

سنوات السينما

يوسف شعبان وشادية في فيلم «ميرامار»
يوسف شعبان وشادية في فيلم «ميرامار»

يمكن للمرء أن يذهب إلى القول، وعلى نحو قابل للنقاش، إن روايته «ميرامار» هي أكثر ما كتب دفاعاً عن المرأة التي نجدها حاضرة في كثير من أعماله الأخرى. هي مكتوبة على نحو مذكرات لعدد من شخصيات بنسيون باسم «ميرامار»، حول الفتاة زهرة التي تصل إلى الإسكندرية آتية من الريف وتقصد المكان، لكي تعمل عند صاحبته ماريانا. وهذه تستقبلها بترحاب.
سكان هذا النزل يزدادون عدداً بالتدريج في الرواية وفي الفيلم. هناك اثنان من جيل ما قبل ثورة 1952، هما عامر (عماد حمدي) و(الساخر دوماً) طلبة (يوسف وهبي). ثم ينضمّ سرحان (يوسف شعبان) الشاب الذي يعمل محاسباً في شركة نسيج وعضو إحدى النقابات الاشتراكية الذي يسعى لكسب حب زهرة، بينما يتقرب من امرأة أخرى للزواج بها. أيضاً هناك حسني (أبو بكر عزت) الذي فلت من القرارات الاشتراكية وأخيراً منصور (عبد الرحمن علي) وهو شقيق لأخيه الضابط.
كل هؤلاء، يُضاف إليهم بائع الصحف محمود (عبد المنعم إبراهيم)، يحلقون حول زهرة. البعض خوفاً عليها (كما حال عامر ومحمود)، والبعض الآخر استغلالاً لها (كما سرحان وحسني). هناك نيات حسنة، وأخرى سيئة، وثالثة حيادية، لأن عاطفتها مشغولة بحب بعيد.
في الفيلم نجد زهرة (شادية) هي المحور، كما في الكتاب. لكن كاتب السيناريو ممدوح الليثي ينزع عن النص شكل المذكرات والكثير من الأحداث ويخص النزل بمعظم المواقف. لكن كالرواية، النزل يصبح المجتمع المصري والشخصيات هي التي تتنازعها، بينما زهرة هي بمثابة مصر التي ترفض، في النهاية، الهزيمة التي يتسبب بها المستغلون والفاسدون.
مثال الفيلم الأنصع عن هذا الفساد نجده في شخصية سرحان الذي علاوة على خداعه زهرة يوافق على الاشتراك بعملية تهريب لبضائع من الميناء لتحسين وضعه المادي، عاصفاً بأدراج الرياح كل مقولاته حول الاشتراكية وشكاوى العمال. في المقابل، هناك الوفديون والخاسرون لأمجاد الأمس والذين آلوا إلى البطالة أو الذين يعيشون على الحافة بين الفريقين. النموذج الواضح هنا هو مصر / زهرة المتنازع عليها بين الاتجاهات.

خط واحد

بذلك هو فيلم رسالة شائكة حُقّقت في الفترة التي انتمت إلى حكم الرئيس جمال عبد الناصر وبذلك كان آنذاك، وربما اليوم، من الغرابة بمكان كيف سُمح بتحقيق فيلم ناقد لما آلت إليه الثورة. الغالب أنّ حرب 1967 الخاسرة ساعدت على السماح بتحقيق هذا الفيلم بعد عامين من وقوعها.
كأفلام المخرج كمال الشيخ الأخرى، هناك إلمام جيد بشروط تنفيذ فيلم عليه أن يلخص حكاية كبيرة الحجم والمفادات، ولو أنّ الفيلم، مقارنة مع أعمال أخرى لهذا المخرج المهم، مثل «اللص والكلاب» (أول تعاون له مع الراحلة شادية، 1962) و«الشيطان الصغير» (1963) و - لاحقاً - «الهارب» (1975) و«على من نطلق الرصاص» (1976)، ليس بالعمل الجيد من دون شوائب. أما تمثيل شادية فهو يبقى على خط واحد من البذل وعلى نحو قابل للتصديق من دون تكلف. في الرواية هي أصغر سناً. في الفيلم كان لا بد من الاستعانة بممثلة ذات اسم كبير (اسمها جاء الأول في العناوين)، وهذا الاسم كان شادية. كان الفيلم يستطيع التأكيد على محورية زهرة أكثر مما فعل. اللجوء إلى مد خطوط موازية تقع خارج النزل وبعيداً عن زهرة يشتت قليلاً من التركيز على زهرة وما تواجهه. بذلك لا يبقى سوى الشرح اللفظي أو التمثيل المباشر لما تطرحه الشخصيات من مواقف.
بداية الفيلم (زهرة في الحافلة التي تصل إلى الإسكندرية) تختلف عن مطلع الرواية، لكنّ نهاية الفيلم (عامر وجدي يتابع زهرة التي خرجت من التجربة بقوة ثم بصوته وهو يقرأ من «سورة الرحمن») تقترب.


مقالات ذات صلة

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.