المعارضة تراهن في جنيف على روسيا... والنظام يرفض مفاوضات مباشرة

توقعات منخفضة من الجولة الثامنة

دي ميستورا في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس (أ.ف.ب)
دي ميستورا في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس (أ.ف.ب)
TT

المعارضة تراهن في جنيف على روسيا... والنظام يرفض مفاوضات مباشرة

دي ميستورا في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس (أ.ف.ب)
دي ميستورا في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس (أ.ف.ب)

قال نصر الحريري، رئيس وفد المعارضة السورية، أمس: إن المعارضة تريد من روسيا ودول أخرى أن تمارس ضغوطاً حقيقية على الرئيس بشار الأسد للمشاركة في محادثات السلام في جنيف من أجل التوصل إلى حل سياسي خلال ستة أشهر، في وقت سادت آمال ضئيلة بتحقيق اختراق في الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف التي وصلها أمس وفد الحكومة السورية.
وقال الحريري: «نريد مزيداً من الضغوط على النظام للمشاركة في المفاوضات والاستمرار في التفاوض للتوصل إلى حل سياسي خلال ستة أشهر كما ينص (قرار مجلس الأمن الدولي) رقم 2254».
وكشف الوفد السوري المفاوض إلى جنيف لـ«الشرق الأوسط» الأجواء السائدة حالياً في جنيف على الأقل بالنسبة لوفد المعارضة «إيجابية، وهناك تصميم وثقة لديه، مؤكداً أن المعارضة باتت موحدة، مشيراً إلى أنه بذلك قطعت المعارضة، أي ذريعة للنظام وسحبتها من بساطه ومن يدعم النظام، بأنها مبعثرة.
وأكد الدكتور يحيي العريضي، رئيس المكتب الإعلامي في «هيئة المفاوضات» والوفد المفاوض إلى جنيف لـ«الشرق الأوسط»، أن المسألة ببساطة أنه لم يعد أمام النظام إلا الرضوخ للعملية السياسية والانخراط فيها بشكل جدي، مشيراً إلى أن النظام توصل إلى قناعة تامة بأن الحل العسكري والأمني الذي كان يتبعه أثبت فشله بامتياز.
وبالنسبة للأجندة والموضوعات المطروحة عملياً في اجتماع جنيف، قال العريضي «يأتي في مقدمة أجندتنا، ضرورة إطلاق عملية الانتقال السياسي؛ لأنها بالنسبة لنا تمثل أولوية، فضلاً عن كل ما يتصل بها من محاور أخرى بما في ذلك العملية الدستورية، أو العملية الانتخابية»، مشيراً إلى أنه قد يأتي الطرف الآخر بأجندة مختلفة، غير أنه إذا أريد لسوريا أن تعود للحياة وتعيش في سلام وأمن بالنسبة للسوريين، على حد تعبيره.
وقال العريضي: «لا يمكن أن تعود الحياة لسوريا في ظل الاستبداد والقتل والدمار والتشريد؛ ولذلك نؤكد على أن الانتقال السياسي شيء طبيعي ولا بد من أن يتم، إذا كانت هناك جديدة بالنسبة للنظام والجهات الداعمة من المنظومة الدولية»، مشيراً إلى أن فترة الجولة الزمنية وفق العريضي، قليلة، لكنه استدرك أنه يمكن تمديدها إذا كان ذلك مناسباً، ويخدم الهدف المنشود منها.
وفي ظل هذا الواقع، أقرّ العربي بأن هناك تحديات كثيرة، منوها بأن النظام يعلم علم اليقين، أنه عند الانخراط في العملية السياسية، فإنه سيكون في حالة مريرة جداً؛ لأنه يعرف تماماً أن الدخول في العملية السياسية والانتقال السياسي بجدية وقف للاستبداد، مشيراً إلى أن «بيان الرياض» نصّ على ذلك بأنه إذا كان لدى السورية فرصة للحياة لا بد أن تنتهي مرحلة الاستبداد، وإلا فلن يكون هناك سلام ولا أمان.
وأضاف: «هناك قرارات دولية لتثبيت مستحقات الشعب السوري، التي ذكرت وقّعت عليها قوى عظمى في مجلس الأمن في جنيف، وترجم ذلك في بيان الرياض الذي وقّع عليه الجميع، وهم ملتزمون بذلك إذا كان هناك بعض الاجتهادات، فهي أمور محمولة، خاصة أن الهدف أنبل من أي خلافات أو مفارقات أو تباينات في وجهات النظر».
ووصل وفد الحكومة السورية الأربعاء إلى جنيف للمشاركة في المفاوضات، بعدما أرجأ قدومه يوماً واحداً احتجاجاً على تمسك وفد المعارضة «بشروط مسبقة»، في إشارة إلى مطلب تنحي الرئيس بشار الأسد.
وتأتي جولة المفاوضات الراهنة بعد سلسلة انتصارات سياسية وميدانية حققتها القوات الحكومية بدعم مباشر من حليفتها روسيا التي تقود دبلوماسية نشطة لتسوية النزاع المستمر منذ أكثر من ست سنوات.
وكان دي ميستورا استهل المحادثات الثلاثاء بلقاء المعارضة السورية التي تشارك للمرة الأولى بوفد موحد يضم مختلف أطيافها.
وتصطدم جولة المفاوضات الحالية على غرار الجولات الماضية بالموقف من مصير الرئيس السوري، مع تأكيد رئيس وفد المعارضة نصر الحريري فور وصوله الاثنين إلى جنيف، أن «الانتقال السياسي الذي يحقق رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية هو هدفنا».
إثر ذلك، أبلغ الوفد الحكومي دي ميستورا قراره بإرجاء موعد وصوله، قبل أن تثمر اتصالات أجرتها الأمم المتحدة وروسيا مع دمشق إلى اتخاذه قراراً بالمجيء إلى جنيف.
وأوضح مصدر سوري مطلع، أن القرار جاء بعدما تعهد دي ميستورا للوفد الحكومي «ألا تتضمن هذه الجولة أي لقاء مباشر مع وفد الرياض (أي المعارضة)، وعدم التطرق بأي شكل من الأشكال إلى بيان الرياض والشروط التي تضمنها».
وتتوقع مصادر دبلوماسية في جنيف، أن تخفض المعارضة السورية سقف شروطها لإعطاء دفع للمحادثات الهادفة إلى إيجاد حل سياسي للنزاع الذي أودى بحياة أكثر من 340 ألف شخص منذ العام 2011.
وقال مصدر دبلوماسي أوروبي، رفض الكشف عن اسمه، لصحافيين الثلاثاء: «ننتظر أن يكونوا (المعارضة) واقعيين ومرنين».
وسبق لدي ميستورا أن دعا المعارضة السورية في سبتمبر (أيلول) إلى التحلي «بالواقعية»، وإلى أن تدرك أنها «لم تربح الحرب».
وقال قيادي في وفد المعارضة لوكالة الصحافة الفرنسية الأربعاء: «الكلام عن ضغوط للتخلي عن رحيل الأسد ليس صحيح على الإطلاق، ومناقشاتنا مع دي ميستورا تناولت تحديداً عملية صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات» نيابية.
وقال المصدر الدبلوماسي الأوروبي «أعتقد أن لديهم (الروس) فعلاً بعض الأوراق القوية، لكنهم لا يمسكون بجميع الأوراق».
وأضاف: «لهذا السبب أعتقد أن عملية جنيف مهمة للغاية؛ كونها الوحيدة التي تحظى بشرعية وقادرة على أن تجمع معاً كل هذه المكونات.. وعلى أن تفتح الطريق أمام المساعدات الدولية الضخمة اللازمة لتمكين سوريا من الوقوف مجدداً على قدميها».
وتنشط قوى غربية عدة لإعادة الزخم إلى مسار التفاوض في جنيف، بعدما نجحت موسكو مع طهران حليفة دمشق وأنقرة الداعمة للمعارضة، في تنظيم سبع جولات من المحادثات في آستانة أثمرت التوصل إلى اتفاق على إقامة أربع مناطق خفض توتر تراجعت فيها وتيرة القتال إلى حد كبير.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».