من المسؤول عن إفلاس «إير برلين»؟

بعد ما يزيد على 40 عاماً من المنافسة مع الشركات الكبرى

TT

من المسؤول عن إفلاس «إير برلين»؟

أعلنت شركة الطيران الألمانية العريقة «إير برلين» هذا العام عن إفلاسها بعد أن توقفت «طيران الاتحاد» الإماراتية عن تقديم الدعم المالي لها... فما الظروف التي قادت «إير برلين» إلى الإفلاس؟
نشأت شركة الطيران «إير برلين» نتيجة الحاجة إلى وسيلة تنقل جوي بين برلين الشرقية والغربية، وأتى بالفكرة الأميركي كيم لودغرين عام 1978.
وبدأت رحلات الشركة، التي سميت في بداية عملها «إير ميامي»، بالاعتماد طائرتين، بعدها اتفق لودغرين مع رجل الأعمال الألماني يواخيم هونولد على تأسيس شركة طيران تحمل اسم «إير برلين»، وظل لديها طائرتان و150 مستخدما.
إلا أن هذه الشركة الصغيرة نمت أعمالها بمرور السنين، وزاد عدد طائراتها، فنافست حتى شركة الطيران الألمانية «لوفتهانزا»، وبحلول عام 2003 أصبح لديها أسطول من 170 طائرة و8900 موظفا مع 387 وجهة سفر.
هذا النجاح سمح للشركة بالاستحواذ بالكامل على شركة «نيكي» النمساوية السياحية، وفي عام 2005 أصبحت «إير برلين» شركة مساهمة بناء على القانون البريطاني، فطرحت أسهمها في بورصة فرنكفورت العالمية واستحوذت على شركة «دي بي اي» الألمانية. وفي عام 2007 سمحت أرباحها الضخمة بشراء شركات طيران سياحية؛ منها «ال تي يو» واشترت 49.9 في المائة من شركة «بيل إير» السويسرية، بعدها بدأت تنظم رحلات قارية.
لكن أزمة عام 2008 المالية التي طالت كثيرا من الشركات في كل العالم، دفعت بالشركة الألمانية إلى اعتماد برنامج تقنين طال شطب وجهات سفر وتخفيض عدد الطائرات التي تستخدمها، إضافة إلى إجراءات أخرى تقشفية لمواجهات تبعات الأزمة. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تواجه المشكلة تلو الأخرى ولم يحلها جذريا مجلس إدارتها، فتخلى مديرها هونولد في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2011 عن منصبه إلى الرئيس السابق للسكك الحديدية الألمانية هارتمود ميدورن من أجل إنقاذها.
اللافت، أن ميدورن كان قد أعفي من منصبه رئيسا للسكك الحديدية الألمانية بسبب فشله في العثور على حل لأزمة السكة الحديد، وأقيل بعد اتهامه بسوء الإدارة، لذا أثار تعيينه في أعلى منصب في شركة تواجه مشكلات مالية الشكوك حول إمكانية نجاحه، خصوصا أن أرباحها تراجعت من 135.9 مليون يورو عام 2010 إلى 30.2 مليون يورو عام 2013 مع ارتفاع جبل ديونها من 489 مليون يورو إلى 644 مليون يورو، ودخلت في دهليز مظلم لا نهاية له، ونتيجة الضغوطات، استقال ميدورن مطلع عام 2013 من منصبه وتسلم مكانه فولفغانغ بروك شاور.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة والأزمة المالية وجبل الديون الذي كان يرتفع باطراد، فإن شركة الطيران الخليجية «الاتحاد للطيران» اشترت عام 2011 حصة في «إير برلين» تصل إلى 29.2 في المائة، وكان لها قبل ذلك 3 في المائة تقريبا، ما جعل الشريك الخليجي مساهما مؤثرا، ويقال إن سبب إقدام الشركة الخليجية على شراء هذه الحصة، رغبتها من دخول السوق الألمانية من الباب الواسع.
رغم ذلك، فإن الشركة البرلينية أعلنت في سبتمبر عام 2016 عن عملية إعادة هيكلة، فشطبت 1200 مكان عمل، واستأجرت «لوفتهانزا» منها عبر «الليزيغ» 38 طائرة مع طواقمها، لكن ذلك لم يجنبها الدخول في مسار الإفلاس، حتى إن الحكومة الألمانية أكدت أن القرض الذي كانت تعتزم تقديمه لها ويتجاوز 150 مليون يورو، لم يعد ضروريا.
هل تخلت أبوظبي عن «إير برلين»
والسؤال الذي شغل الرأي العام: كيف يمكن لشركة شهدت نجاحا كبيرا ونافست حتى شركات طيران عالمية مثل «لوفتهانزا» أن تفلس؟ هل للإفلاس علاقة بمطار برلين - برنبورغ الدولي الذي كان يفترض أن يفتتح منذ أعوام وفضائحه المالية والإدارية فاحت رائحتها، أم بسبب آثار أزمة 2008 المالية، أم الاعتماد في الأوقات الصعبة على مساهمة أجنبية، أم سوء الإدارة، أم كل هذه الأسباب مجتمعة؟
تقول مصادر مقربة من ديوان المستشارية إن المستشارة أنجيلا ميركل خلال زيارتها في شهر أغسطس (آب) إلى دولة الإمارات تطرقت مع المسؤولين هناك إلى مصاعب «إير برلين»، ووعدت بمواصلة الحقن المالية للشركة الألمانية المتعثرة حتى خريف عام 2018، إلا أن الطرف الإماراتي كما يبدو أخلّ بوعده وأحجم عن تقديم أي دعم مالي آخر، فحجم خسائر الشركة الألمانية قارب حتى عام 2016 المليار ونصف المليار يورو.
ويحمّل بعض خبراء الاقتصاد تبعة سرعة إفلاس «إير برلين» إلى «الاتحاد للطيران»، فهي مارست الضغط عليها قبل نحو عامين من أجل التركيز على المسافرين من الدرجة الأولى ورجال الأعمال ذوي المستويات العالية والرحلات الفخمة، وحاولت الدخول في هذه السوق، إلا أنها لم تتخط العتبة لعدم قدرتها على منافسة «لوفتهانزا»؛ الشركة الضخمة وذات التاريخ العريق في هذا المجال.
«الاتحاد» تحمّل «إير برلين» المسؤولية
ويذكر فولفغانغ لوب، المحلل المالي في شؤون الطيران، بأن قيادة «الاتحاد للطيران» أكدت قبل بضعة أشهر من إشهار الإفلاس على استمرارها في تغذية فرعها الألماني، وبدا ذلك موثوق به إلى حد معقول، لكن كما يبدو راجعت «الاتحاد» دفاترها التي تحمل أرقام خسائرها هي نفسها في السنوات القليلة الماضية باستثمارها نحو 1.9 مليار دولار في شركة الطيران الإيطالية «أليطاليا»، (حصة «الاتحاد للطيران» 49 في المائة)، ولا تريد الآن الدخول مرة أخرى في تجربة غير مضمونة مع طيران ألماني، وتسعى للحد من خسائرها عبر الخروج.
وإفلاس «إير برلين» كان بالنسبة لـ«الاتحاد للطيران» أيضا كما الهبوط الصعب على مدرج غير آمن، فهو يعني الآن أن أبوظبي لم تستفد من الجهود سنوات طويلة مع الشريك الألماني.
وتردد قبل فترة أن الخليجيين، كما يبدو، يرغبون في عقد صفقة مع «لوفتهانزا» لتصبح شريكا بدل «طيران برلين»، مع ذلك، فإن كارتن سبور، الرئيس التنفيذي لـ«طيران لوفتهانزا» لا يميل إلى هذه الفكرة، فلديه ما يكفي من المشكلات؛ وقد سيطر على بعضها، مثل إضراب الطيارين قبل فترة، وعدم وصول عدد المسافرين إلى الرقم القياسي الذي تريده الشركة، لذا فهو ليس بحاجة إلى مغامرات.
من جانب آخر، تلقي «الاتحاد للطيران» اللوم على الشركة الألمانية، ففي شهر أبريل (نيسان) الماضي وافقت على منحها قرضا إضافيا بقيمة 250 مليون يورو (لكن لم تدفع منه سوى جزء بسيط)، وساعدتها في مراجعة خيارات عمل استراتيجية، إلا أنها قالت في بيان أصدرته: «رغم كل ذلك، تدهورت أعمال (إير برلين) بسرعة، مما أدى إلى عدم مواجهة التحديات الحرجة، ولم يتم تحقيق (خيارات استراتيجية بديلة). وبالتالي، فإن (الاتحاد)، بصفتها (مساهم أقلية)، لا تستطيع تحمل أي تمويل إضافي».


مقالات ذات صلة

شركات الطيران الخليجية تتحدى الأزمات الجيوسياسية وتحقق أداءً مميزاً

الاقتصاد والش خلال الإعلان عن توقعات «إياتا» لعام 2025 (الشرق الأوسط)

شركات الطيران الخليجية تتحدى الأزمات الجيوسياسية وتحقق أداءً مميزاً

بينما تواجه شركات الطيران العالمية ضغوطاً متزايدة، تواصل الناقلات الخليجية تعزيز مكانتها في السوق، مستفيدةً من فرص النمو التي تقدمها البيئة الجيوسياسية.

زينب علي (جنيف)
الاقتصاد شعار الاتحاد الدولي للنقل الجوي خلال إحدى الاجتماعات (رويترز)

زيادة الطلب على الشحن الجوي عالمياً بنسبة 9.8 % في أكتوبر

أظهرت بيانات «الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)»، نمواً قوياً في الطلب العالمي على الشحن خلال أكتوبر الماضي، بنسبة 9.8 % على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد طائرات تابعة لشركة «لوفتهانزا» في أحد المطارات (رويترز)

المفوضية الأوروبية توافق على استحواذ «لوفتهانزا» على حصة في «إيتا»

وافقت المفوضية الأوروبية على استحواذ شركة «لوفتهانزا» الألمانية للطيران على حصة في شركة الطيران الحكومية الإيطالية «إيتا».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية طائرة مقاتلة من طراز «إف - 35 أ» تسير على مدرج في قاعدة القوات الجوية السويسرية في إمين بسويسرا يوم 23 مارس 2022 (رويترز)

المحكمة العليا الهولندية توصي بوقف تصدير مكونات طائرات «إف - 35» لإسرائيل

أوصى المدعي العام للمحكمة العليا في هولندا، بتأييد الحكم الذي ينصُّ على أنه يتعيَّن على الدولة الهولندية وقف تصدير مكونات طائرات «إف - 35» إلى إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
العالم تظهر هذه الصورة التي التقطتها قوات الدفاع الجوي اليابانية قاذفة صينية من طراز «H  -6» تحلق فوق بحر الصين الشرقي في 24 مايو 2022 (رويترز)

الجيشان الروسي والصيني ينفّذان دورية جوية مشتركة فوق بحر اليابان

قال التلفزيون المركزي الصيني (سي سي تي في)، إن الجيشَين الصيني والروسي نفَّذا الدورية الجوية الاستراتيجية المشتركة التاسعة في المجال الجوي فوق بحر اليابان.

«الشرق الأوسط» (بكين - موسكو)

وزير النقل: توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية بـ2.6 مليار دولار في السعودية

الجاسر متحدثاً للحضور في النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية (الشرق الأوسط)
الجاسر متحدثاً للحضور في النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية (الشرق الأوسط)
TT

وزير النقل: توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية بـ2.6 مليار دولار في السعودية

الجاسر متحدثاً للحضور في النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية (الشرق الأوسط)
الجاسر متحدثاً للحضور في النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية (الشرق الأوسط)

قال وزير النقل والخدمات اللوجيستية، المهندس صالح الجاسر، إن السعودية نجحت في جذب الاستثمارات من الشركات العالمية الكبرى في القطاع اللوجيستي، كاشفاً عن توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية بالمواني باستثمارات تجاوزت 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار).

وأضاف الجاسر، خلال كلمته الافتتاحية في النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية، (الأحد) في الرياض، أن المملكة لعبت دوراً محورياً في تعزيز كفاءة سلاسل الإمداد العالمية، مشيراً إلى أن هذا النجاح كان نتيجة للاستفادة من الإمكانات اللوجيستية المتنامية التي تتمتع بها السعودية، والتي تشمل شبكة متقدمة من المطارات والمواني عالية الكفاءة، بالإضافة إلى السكك الحديدية والطرق البرية التي تسهم في تسهيل وتسريع عمليات الشحن والتصدير.

وبيَّن أن قطاع النقل والخدمات اللوجيستية في السعودية استمرَّ في تحقيق نمو كبير، متجاوزاً التحديات التي يشهدها العالم في مختلف المناطق، موضحاً أن بلاده حافظت على جاهزيتها في سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، وذلك من خلال التطور الملحوظ الذي شهده القطاع محلياً.

وفيما يخصُّ التطورات الأخيرة، أشار الجاسر إلى أن المملكة واصلت تقدمها في التصنيف الدولي في مناولة الحاويات خلال عام 2024، وسجَّلت 231 نقطة إضافية في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وأُضيف 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن، مما يعكس دور المملكة الفاعل في تيسير حركة التجارة العالمية ودعم قطاع الخدمات اللوجيستية.

وأكد الجاسر أن إطلاق ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، المخططَ العام للمراكز اللوجيستية والمبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد يعكس الاهتمام الكبير الذي يحظى به القطاع من الحكومة.

ووفق وزير النقل، فإن السعودية تستهدف رفع عدد المناطق اللوجيستية إلى 59 منطقة بحلول عام 2030، مقارنة بـ22 منطقة حالياً، ما يعكس التزام المملكة بتطوير بنية تحتية لوجيستية متكاملة تدعم الاقتصاد الوطني، وتعزز من مكانتها مركزاً لوجيستياً عالمياً.