أدلى مخبر تقاضى سبعة ملايين دولار من السلطات الأميركية للمساعدة في القبض على الليبي أحمد أبو ختالة، المتهم بالتورُّط في الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي عام 2012، بشهادته أمام محكمة أميركية قبل أيام، وذكر فيها أن المتهم أكد بالفعل مشاركته في الهجوم الذي أسفر عن مقتل أربعة أميركيين، من بينهم السفير لدى ليبيا كريستوفر ستيفنز.
تعرّف الشاهد، الذي ظهر عند قرب انتهاء الأسبوع السادس من محاكمة أبو ختالة في واشنطن العاصمة، على المتهم في شريط مراقبة مصوَّر تضمّن أحداث الهجوم الذي حصل ليلاً على موقع دبلوماسي أميركي في بنغازي، وأكد أنه لو سنحت لأبو ختالة الفرصة لكان قد قتل المزيد من الأميركيين في ذلك المكان، وفي مبنى ملحق قريب تابع للاستخبارات المركزية، وفي مطار بنغازي.
وقال المخبر وهو رجل أعمال ليبي ملتحٍ في الأربعين من عمره، إن أبو ختالة أخبره عام 2013 بعدما حثّه شخص آخر على تنفيذ المزيد من الهجمات الدامية، التي تشبه الهجمات التي ينفذها تنظيم القاعدة في العراق، قائلاً: «لقد كنتُ أنوي قتل جميع من كانوا هناك، حتى الذين كانوا في المطار، لولا أن منعني ذلك الرجل (في إشارة إلى رئيس هيئة إسلامية نافذة في بنغازي)».
ومثّلت الشهادة، التي تشير إلى تورط أبو ختالة في الهجمات، عنصراً أساسياً في قضية الادعاء العام ضد المتهم. وظهر المخبر الليبي مستخدماً اسماً مستعاراً هو «علي المجريسي» ليخبر هيئة المحلفين المكونة من 15 عضواً بأن أبو ختالة قد اعترف له بأنه كان المشتبه به الرئيسي في هجمات بنغازي التي وقعت في الحادي عشر والثاني عشر من سبتمبر (أيلول) 2012، وبأنه كان برفقة فريق من القتلة المأجورين. كذلك أسرّ أبو ختالة إليه ذات ليلة بأنه كان يشعر بالقلق الشديد من ملاحقة كثير من الأعداء له، لذا أكد أنه إذا تم إلقاء القبض عليه فسوف «يتحدّث عن كل شيء، ويذكر أسماء كل من شاركوا في الهجوم على البعثة الدبلوماسية الأميركية».
وألقت القوات الخاصة الأميركية (الكوماندوز) القبض على أبو ختالة، الذي يبلغ حالياً 46 عاماً، في ليبيا في يونيو (حزيران) 2014، بمساعدة المخبر، الذي ذكر في شهادته التي امتدت ليومين، أنه قد تم الاتصال به، ثم تم منحه المال حتى يصبح صديقاً لأبو ختالة، ويشي به.
وأقرّ بأنه قد تقاضى سبعة ملايين دولار مكافأة من وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين في مارس (آذار) 2015، وفي 2016، فضلاً عن أكثر من مائة ألف دولار منذ عام 2013، وهي مجموع رواتبه الشهرية ونفقات المعيشة خلال الفترة التي قضاها في ليبيا، وفي الولايات المتحدة حالياً، التي قضى بعضها في ولاية تكساس. وبينما كان يتحدث باللغة العربية عبر مترجم فوري إنجليزي، كان أبو ختالة ينصت، ويعلو وجهه تعبير جامد، ويربت على لحيته.
وقد أنكر أبو ختالة 18 تهمةً، من بينها التآمر لدعم الإرهاب، والقتل، والشروع في القتل، وإتلاف منشآت أميركية عند قتل ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين. وطعنت ميشيل بيترسون، محامية أبو ختالة، والمحامية الفيدرالية المساعدة، في صدقية شهادة المجريسي بسبب توظيف الحكومة له، وتقاضيه المال منها.
وقال المخبر، الذي قال إنه درس تكنولوجيا المعلومات في إحدى الجامعات الكندية قبل عودته إلى موطنه بنغازي، لهيئة المحلفين، إنه أصبح قلقاً للغاية من العملية السرية التي امتدت لثمانية عشر شهراً، إلى حد جعله يعرض على مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (لم يذكر أسماءهم) قَتْل المشتبه به بنفسه. وقال المخبر عن عرضه: «(إذا قتلتُه) سوف أشعر بالارتياح، وكذلك ستشعر مدينتي بالارتياح أيضاً، لأن هذا الشخص قاتل».
وجاءت شهادته بعد أسابيع من تحليل مقاطع مصورة، ومناقشة سجلات هواتف جوالة، في قضية ادعاء عام تضمنت شهادة سلبية من ثلاثة ليبيين شاركوا جميعاً في المحاكمة بأسماء مستعارة، وأشير فيها إلى تورط أبو ختالة في أعمال عنف وصفها تفصيلاً مسؤولو أمن ناجون في وزارة الخارجية والاستخبارات المركزية خلال المحاكمة.
كذلك ذكر المجريسي اسم مشتبه به ثانٍ تم إلقاء القبض عليه في 29 أكتوبر (تشرين الأول) العام الحالي، وإحضاره إلى واشنطن، وهو مصطفى الإمام. وقد تعرف المجريسي عليه في مقطع مراقبة مصوّر في المحكمة. وشهد عميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي، خلال الأسبوع الماضي، بأن أبو ختالة كان يحمل اسم «الإمام» حين كان محتجزاً. وقال المجريسي أثناء استجواب جون كراب، المحامي الأميركي المساعد، له إنه قاتل مع الثوار ضد نظام معمر القذافي، وقاد ائتلاف حكم في بنغازي بعد الثورة. وفي نهاية عام 2012، تقرّب منه أميركيون قال إنهم يتعاملون مع وزير الدفاع الأميركي مباشرة حتى يساعدهم في معرفة هوية المشتبه في تنفيذهم الهجمات على القنصلية في بنغازي. وقال إنه وافق على العمل مخبراً بسبب مساندة الولايات المتحدة للثورة الليبية، ولأنه «ضد التطرف»، ويحاول فعل كل ما بوسعه لمساعدة بلاده. ولدى سؤاله عن المعلومات التي جمعها عن أبو ختالة، أجاب قائلاً: «كل شيء».
على الجانب الآخر، أقرّ ممثلو الادعاء العام بأنه لم يتم تسجيل لقاءات المجريسي بالأميركيين المعنيين بالأمر قبل القبض على أبو ختالة على نحوٍ يمكن مشاركته مع فريق الدفاع عنه نظراً إلى طبيعتها السرية. ولن تكشف وزارة الدفاع عن تلك المعلومات التي تم الحصول عليها بطريق مباشر، لكنها ستكشف عن ملخصات، وبرقيات، ووثائق محدودة سيتم الإفراج عنها خلال الأسبوع المقبل عند عرض القضية أمام المحكمة. كذلك أقرّ المجريسي بأنه كان الشخص الذي اقتاد أبو ختالة إلى الفيلا المطلة على البحر وحيث تم إلقاء القبض عليه فيها خلال هجوم ليلي. وبعد تسليم المدعى عليه، قال الشاهد إنه تمت مصادرة سلاحه، وقيل له: «اذهب في طريقك». ورحل، ودفع مسؤولون أميركيون في طرابلس إليه مبلغاً قدره 400 ألف دولار، وقد غادر تونس متوجهاً إلى دولة أخرى في ذلك اليوم.
وقال المخبر إنه قد طلب تقديمه إلى أبو ختالة، الذي كان يعرفه أثناء الثورة، كـ«رجل أعمال ناجح»، وقال إن أبو ختالة لطالما كان «يطلب الدعم المالي»، الذي كان يستطيع هو تقديمه إليه.
وقال الشاهد إن أبو ختالة كانت يحتفظ بقذائف «هاون»، وقاذفة صواريخ محمولة على الكتف، في مرأب، وأشار إلى أكوام من الأوراق، والملفات، وأجهزة الكومبيوتر القديمة في مسكنه الخاص كان قد حصل عليها خلال الهجمات، لأنها مكَّنَته من معرفة «كل أولئك القادة الميدانيين الذين كانوا يزورون السفير الأميركي».
وكما خطط الأميركيون، اشترى المخبر الفيلا ومنحها إلى أبو ختالة لتكون «مأوى آمناً» يحميه من نمط حياته المضطرب.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»