محمادو وعبد الكريم وفال، 3 مهاجرين من النيجر، يشتغلون في ورشة للبناء بحوش دريوش بالضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية. الورشة تشرف على الأشغال بها حتى نهايتها، ورئيس المؤسسة المكلفة بإنجاز الحي السكني يماطل في دفع مستحقات المهاجرين السرّيين الثلاثة، وقيمتها للثلاثة معاً، بالعملة المحلية تتجاوز 2500 دولار أميركي، مقابل شهرين من العمل.
حالة المهاجرين الثلاثة تشبه ما يعيشه ويعانيه المئات من المهاجرين، الذين دخلوا إلى الجزائر عبر صحرائها. بعضهم دفع مالاً لشبكات تهريب المهاجرين، من أجل اتخاذ الجزائر أرض عبور إلى الضفة الأوروبية من البحر الأبيض المتوسط، وهم يتحينون فرصة ركوب «قوارب الموت» لقطع مسافات في البحر تتراوح بين 600 و1000 كيلومتر. أما البعض الآخر فجاء قاصداً مشروعات البناء وهي بالمئات، أطلقتها الدولة لامتصاص طلب هائل على السكن.
زارت «الشرق الأوسط» ورشة «حوش دريوش»، والتقت رعايا أفارقة يشتغلون بها من دون تغطية لدى مصالح الضمان الاجتماعي، وهي وضعية تخالف قانون العمل الجزائري. والمفارقة أن رب العمل الذي يشغلهم يربطه عقد مع وزارة السكن لبناء 1800 شقة في هذه المنطقة، والمسؤولون بالوزارة على علم بتشغيل مئات الأفارقة من دون تصريح لدى الضمان الاجتماعي، ووزارة الداخلية على دراية بأن هؤلاء لا يملكون تراخيص عمل.
وقال مسؤولي حكومي، رفض نشر اسمه، إن السلطات تغض الطرف عن أوضاع المهاجرين العاملين، تجاه القانون، لأنها بحاجة إلى يد عاملة في أعمال البناء والأشغال العمومية، مشيراً إلى أن أبناء البلد «يتعففون عن الأشغال الصعبة». كان رئيس الوزراء الأسبق عبد العزيز بلخادم، قد صرح عام 2008 بأن الحكومة لجأت إلى اليد العاملة الآسيوية في ورشة بناء «المسجد الأعظم» بالضاحية الشرقية للعاصمة، لأن العروض التي وجهتها إلى العمالة الجزائرية لم تلقَ استجابة كافية.
واللافت أن بعض الوزراء وكبار المسؤولين في البلاد «يستفيدون» هم أيضاً من العمالة الأفريقية المهاجرة. وقد التقينا في حي حيدرة الراقي في أعالي العاصمة، «جوزيف» وهو من غانا، يكنس أمام مدخل فيلا فاخرة. سألناه: ماذا تشتغل في هذا البيت؟ فرد: «أعمل كل شيء؛ أحرس البيت، وأشتري أغراض عائلته، وأقوم بالأشغال المنزلية بناءً على طلب رب العائلة، الذي سمعت أنه كان وزيراً في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين». وقال جوزيف إنه يتقاضى 20 ألف دينار جزائري شهرياً (نحو 150 دولاراً بحساب قيمة العملة الأميركية بالبنوك). ويقول المهاجر إن هدفه هو جمع الكثير من المال للسفر إلى إيطاليا، ونقل عن رفاق له يوجدون حالياً في الضفة الأخرى من المتوسط، أن الواحد منهم دفع ألف يورو مقابل حجز مكان له في قارب تقليدي للسفر إلى الضفة المقابلة.
وفي منطقة «الرياح الكبرى» بالعاصمة، حيث ينتشر عدد كبير من الأفارقة للعمل في مشروعات للزراعة وأشغال البنية التحتية، تجمّع نحو 10 مهاجرين في آخر النهار بعد ساعات العمل. يتحدر جميعهم من الساحل الأفريقي، من مالي بالتحديد. توماني (22 سنة)، أبدى لأصدقائه خشيته من الترحيل، على أساس أن رجال الشرطة ينزلون يومياً إلى حي يسكن به أفارقة، ويقتادونهم بقوة إلى شاحنات لنقلهم إلى الحدود مع مالي، حيث تنتظرهم هيئات إغاثة محلية لإعادتهم إلى عائلاتهم. وقال توماني لابن بلده وهو يستمع إليه باهتمام: «قرأت في صحيفة جزائرية أن حكومة البلاد اتفقت مع حكومة مالي على ترحيل كل الرعايا الماليين الذين لا يملكون وثائق إقامة، وسيأتي الدور لا محالة علينا. سمعت شرطياً يهدد مواطناً من بوركينافاسو بأنه سيرحَّل إلى بلده بعد الانتهاء من ترحيل الماليين».
وبدأت السلطات الجزائرية منذ شهر، عملية طرد جماعي لرعايا النيجر إلى بلدهم. ودفع ذلك بالعشرات إلى السفر نحو المناطق الداخلية، اعتقاداً منهم أنهم سيكونون بعيداً عن أعين المسؤولين الجزائريين الذين يقيمون بالعاصمة. ونزح بعض الأفارقة مع زوجاتهم وأبنائهم للعمل في البيوت في سطيف وبرج بوعريريج بشرق البلاد، حيث مستوى العيش مرتفع قياساً إلى مناطق أخرى. وسافر البعض إلى مدن الغرب الكبيرة بحثاً عن عمل. واشتكى مهاجرون من «سوء معاملة» السلطات في أثناء ترحيلهم، وقال بعضهم إنه تعرض لممارسات عنصرية.
وقالت منظمة العفو الدولية، في أحدث تقاريرها، إن السلطات الجزائرية «شنت حملة قمعية قائمة على أساس تمييزي ضد المواطنين الأجانب، فقبضت على أكثر من 2000 من المهاجرين الأفارقة من مواطني دول جنوب الصحراء الذين قدموا من بلدان مختلفة، وقامت بترحيلهم قسراً إلى النيجر ومالي المجاورتين، على مدار الأسابيع الثلاثة الفائتة (خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي). وبين مَن طردوا ما يزيد على 300 من القصّر، منهم ما لا يقل عن 25 من الأطفال غير المصحوبين بذويهم».
مشاريع البناء في الجزائر محطة أمام الأفارقة الحالمين بأوروبا
مشاريع البناء في الجزائر محطة أمام الأفارقة الحالمين بأوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة