يبدو أن عملية استعادة كركوك إلى السلطة الاتحادية لم تنه المشاكل والخلافات التي عصفت بمكوناتها منذ سقوط النظام السابق، خصوصاً بعد فشل الحكومات العراقية المتعاقبة في تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي القاضية بتطبيع الأوضاع في المحافظة المتنوعة بأطيافها السياسية والقومية والمذهبية، تاركةً تلك المشاكل والخلافات، لتطفو على السطح مرة أخرى بعد العمليات الأخيرة، حيث تزداد مخاوف الجانب الكردي من سيطرة المكونات العربية والتركمانية على وضع المحافظة بدعم من الحكومة الاتحادية، وذلك على حسابهم.
ولم يخفِ أحد أعضاء مجلس المحافظة من الكرد «أن تستأنف السلطات العراقية عمليات التعريب في المحافظة في ظل غياب المحافظ الكردي الذي لا تبدو هناك أي إشارات بملء الفراغ في القريب العاجل بما يعيد التوازن المفقود إلى مجلس الإدارة». ويرى العضو الكردي أحمد العسكري في تصريحات أدلى بها لوسائل الإعلام الكردية «أن غياب المحافظ الكردي وعدم التوافق على تعيين البديل عنه أحدث فراغاً استغله بعض الأطراف للشروع مرة أخرى في سياسة التعريب التي مارستها السلطة السابقة لصدام حسين على نطاق واسع في المحافظة». ويشير العسكري إلى قرار لم يتسنَ لـ«الشرق الأوسط» التأكد من صحته، حين قال إن «بغداد بدأت بعملية التعريب، حيث أصدرت الحكومة الاتحادية قراراً يسمح بموجبه للعرب الشيعة بأن ينقلوا وظائفهم إلى كركوك، وكذلك نقل سجلات أحوالهم المدنية إليها، كما أنها سمحت للسكان الكرد بنقل سجلات أحوالهم الشخصية إلى خارج كركوك».
وأضاف: «الجهة الوحيدة التي كانت تعرقل معاودة هذه العملية خلال السنوات الماضية هي مجلس المحافظة الذي وقف بوجه السياسات غير المرغوب بها على مستوى المحافظة، ولكن المجلس تداعى بعد عمليات استعادة السيطرة على كركوك وهروب محافظ المدينة، ولم تستطع القوى السياسية تعيين بديل عنه لحد الآن، مما دفع بالعديد من الأطراف إلى استغلال الفراغ الحاصل لتنفيذ أجنداتها».
وللتركمان رأي معاضد للكرد فيما يتعلق برفض عمليات التعريب، وإن كانوا يعترضون على تصرفات المحافظ الكردي السابق، نجم الدين كريم. ويعبر عن الرأي التركماني حسن توران رئيس مجلس المحافظة وكالةً، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن كتركمان نعارض بالمطلق إجراء أي تغيير ديموغرافي على مستوى المحافظة، سواء سياسة التعريب التي مارسها النظام السابق، أو سياسة (التكريد) التي مارسها المحافظ السابق عبر منع الكثير من التركمان من حق السكن أو الحصول على البطاقات التموينية، ونحن مازلنا مع طروحاتنا السابقة في كون كركوك محافظة متعددة المكونات والأطياف، ومازلنا نطالب بوضع آليات محددة لتطبيع أوضاعها بما يحقق التعايش السلمي والأخوي بين جميع مكوناتها».
وبسؤاله عما إذا كان هناك أمل لتطبيق المادة 140 الدستورية لتطبيع أوضاع المحافظة، قال توران «في الأساس كانت المادة 140 خلافية، وفشلت في تحقيق حل مستدام في المحافظة، وعليه نحن نرى أن التقرير الذي وضعه مكتب الأمم المتحدة عام 2009 يصلح كأساس يمكن اعتماده كبداية لمفاوضات متعددة الأطراف بغية الوصول إلى حلول دائمة لأوضاع المحافظة».
وحول فراغ منصب المحافظ وفشل الجهات السياسية في التوصل إلى توافق لحل المشكلة، قال رئيس مجلس المحافظة وكالةً: «الموضوع متوقف حالياً عن البحث، ونحتاج إلى مفاوضات جدية حوله، وهناك عدة خيارات نبحثها حالياً منها تعيين محافظ تركماني للمدينة للمدة المتبقية أمام انتخابات مجلس المحافظة، أو على الأقل أن تكون إدارة هذا المنصب بشكل دوري يتولاه الكرد والتركمان والعرب بالتناوب وصولاً إلى الانتخابات، ونحن لا نقبل بأي حلول أحادية الجانب. والمشكلة الأساسية هي عدم حضور الأعضاء الكرد لاجتماعات المجلس لحسم هذا الأمر، والوصول إلى توافقات بشأنه». وحول مدى تأثير غياب المحافظ على أوضاع المحافظة، قال حسن توران: «حسب القانون في حال غياب المحافظ، فإن نائبه يتولى إدارة شؤون المحافظة، ولذلك ليس هناك فراغ بالمعنى الصحيح، ولكن مع ذلك فنحن نحتاج إلى تجاوز هذه المشكلة، وأفضل سبيل لتحقيق ذلك هو الشروع بمفاوضات جدية ومعمقة لحل كافة الإشكالات، سواء ما يتعلق بمنصب المحافظ أو بعموم أوضاع المحافظة وتطبيعها بما يخدم مصلحة جميع المكونات».
وكان الاتحاد الوطني قد طلب من الأطراف الكردية الممثلة داخل مجلس محافظة كركوك دعم ترشيح القيادي في الحزب رزكار علي، عضو المكتب السياسي، خلفاً للمحافظ المقال نجم الدين كريم.
مخاوف كردية من «تعريب» كركوك
التركمان يريدون حلاً توافقياً لإدارة المحافظة
مخاوف كردية من «تعريب» كركوك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة