إقحام الرياضة في السياسة ليس بالشيء الجديد، وهذا ما يُطالب به نادي برشلونة الرياضي الشهير، هذه الأيام، بسبب أزمة الانفصال عن إسبانيا. الأحداث الرياضية يتم استخدامها باستمرار في تسجيل الأهداف السياسية في الأزمات الدولية والنزاعات العديدة، والتاريخ شاهد على أمثلة تعود بعضها إلى حقبة الثلاثينات من القرن الماضي، عندما استضافت برلين الألعاب الأولمبية عام 1936، بعد منافسة مع برشلونة عام 1931، أي قبل وصول الحزب النازي للسلطة. المقاطعة السياسية للأحداث الرياضية كانت دائماً سلاح الخصوم. رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة مارغريت ثاتشر قادت حملة مقاطعة ألعاب موسكو احتجاجاً على احتلال أفغانستان من قبل القوات السوفياتية. قبل أسابيع قام عدد من الرياضيين السود بالجلوس على ركبهم عند عزف النشيد الوطني الأميركي احتجاجاً على سياسات الرئيس ترمب التي يصفونها بـ«العنصرية».
ويسود الانقسام أيضاً في أوساط أعضاء النادي الكاتالوني، والبالغ عددهم 150 ألفاً. كما يحظى النادي بأكثر من 100 مليون «معجب» بصفحته على موقع «فيسبوك» للتواصل. وبدأت بعض رابطات المشجعين بدعوة النادي للتركيز على الأداء في أرض الملعب، بدلاً من التلهي بالأزمة السياسية.
وعلى هامش المباراة في دوري أبطال أوروبا أمام ضيفه أولمبياكوس اليوناني، رفع النادي الكاتالوني لافتة عملاقة مساحتها 2.500 متر مربع، كتب فيها «حوار، احترام، رياضة»، إلا أن هذا لم يكن كافياً لحكومة الإقليم التي أرادت من النادي اتخاذ موقف لصالح الاستقلال. وجاء في بيان لبرلمان الإقليم «نعتقد أن رسالة نادي برشلونة لكرة القدم لا تمثل شعور غالبية قاعدة المشجعين المؤيدة له». واعتبر البرلمان أن الرسالة المرفوعة في الملعب لا تكفي، لا سيما أن المباراة أقيمت بعد يوم فقط من توقيف الشرطة الإسبانية رئيسي المنظمتين الانفصاليتين الأساسيتين، جوردي سانشيز وجوردي كوشارت، على خلفية اتهامات بالعصيان والتحريض.
ورفع مشجعون في الملعب لافتة تطالب بالإفراج عن المعتقلين، علماً بأن قوانين الاتحاد القاري للعبة (ويفا) تمنع رفع أي شعارات ذات طبيعة سياسية خلال المباراة. وأشارت تقارير إلى أن إدارة برشلونة منعت إدخال لافتات أخرى، لا سيما أنه سبق للويفا تغريم برشلونة على خلفية رفع أعلام للانفصاليين.
الأزمة الحادة حول استفتاء استقلال كاتالونيا، وضعت نادي برشلونة، الممثل الرياضي الأبرز للإقليم، في وضع لا يحسد عليه، بين سندان المشجعين المؤيدين للاستقلال، ومطرقة الذين يريدونه أن يبقى جزءاً لا يتجزأ من الدوري الإسباني لكرة القدم. ومنذ إجراء الاستفتاء في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، وسط معارضة صارمة من حكومة مدريد المركزية التي حاولت منعه بالقوة، واصطدمت قواتها الأمنية مع الكاتالونيين، ومن اليوم الأول، اضطر النادي لاتخاذ قرارات على صلة بالاستفتاء حول استقلال الإقليم الواقع بشمال شرقي البلاد. ففي يوم التصويت، كان من المقرر أن تقام على ملعب برشلونة «كامب نو»، مباراة بينه وبين لاس بالماس ضمن بطولة إسبانيا.
لم يخف النادي الزائر رغبته في رفع علم إسبانيا على قمصان لاعبيه، في مواجهة ناد يؤيد لاعبون منه، لا سيما المدافع جيرار بيكيه، حق الإقليم في تقرير المصير على الأقل. وبعد رفض رابطة الدوري إرجاء المباراة على رغم جرح المئات في الصدامات مع الشرطة، قرر برشلونة إقامة اللقاء خلف أبواب موصدة، في خطوة احتجاجية.
لم يسلم الصف الداخلي للنادي من تداعيات الأزمة، إذ استقال عضوان في مجلس الإدارة بسبب قرار النادي خوض المباراة. ويتوقع أن تكون الأزمة مادة رئيسية على جدول أعمال الجمعية العمومية للنادي التي يتحدث خلالها رئيسه جوسيب ماريا بارتوميو. وفي تصريحات سابقة هذا الأسبوع، أكد بارتوميو، كما جاء في تحقيق لـ«الوكالة الفرنسية»، أن «موقفنا واضح، نريد الحوار» في ظل تصاعد الأزمة بين الحكومة المركزية والإقليم. ولم يعلن النادي دعمه علناً لاستقلال الإقليم، لكنه لم يخف دعمه لحق كاتالونيا في تقرير المصير بالبقاء جزءاً من إسبانيا أو الاستقلال. إلا أن هذا الموقف الرمادي بدأ يلاقي اعتراضات من مسؤولين كاتالونيين، الذين رفض عدد منهم دعوة رسمية من النادي للحضور إلى المنصة الرسمية خلال المباراة الأوروبية التي أقيمت الأربعاء لدوري أبطال أوروبا. وفي بيان مشترك أصدرته الأربعاء، اعتبرت رابطات مشجعين من منطقة ليون بشمال إسبانيا، أن «على النادي أن يكون دائماً مثالاً على احترام تعددية الرأي بين أعضائه، وهم مالكوه، وترك السياسة جانباً». أما الصحافة، فرأت أن بارتوميو في موقف لا يحسد عليه.
وقالت صحيفة «إل كونفيدنسيال» الإلكترونية، الخميس، إنه في الشأن السياسي «يرى البعض أن بارتوميو يذهب بعيداً، بينما يرى آخرون أنه لا يقوم بما يكفي. مهما كان ما يقوم به، لا يرضي أحداً أبداً».
لن يكون سهلاً على بارتوميو أن يقنع أعضاء النادي الذين يشكل سكان كاتالونيا 92 في المائة منهم، بالحياد، إلا أن رجل الأعمال البالغ 54 عاماً، والمعروف بلباقة حديثه، اعتاد على مواجهة الأزمات. فهو تولى رئاسة النادي خلفاً لساندرو روسيل بعد استقالة الأخير على خلفية الشبهات حول صفقة انضمام البرازيلي نيمار من سانتوس عام 2013. وعندما واجه ضغوطاً لإجراء انتخابات مبكرة في النادي، حقق فوزاً عريضاً ضمن له ولاية جديدة.
إقحام الرياضة في السياسة... أم العكس؟
«برشلونة» بين سندان الإقليم ومطرقة مدريد
إقحام الرياضة في السياسة... أم العكس؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة