الفطير «المشلتت» أو الفطير «الفلاحي» من الفطائر المحببة إلى معدة المصريين بمختلف طبقاتهم الاجتماعية وفئاتهم العمرية، ومع تركزه في الأصل في البيئة الريفية، حيث يُعد ويخبز وينضج داخل الأفران البلدية التقليدية، كان ذلك عاملا لجذب المئات إليه، مدفوعين إليه بفعل طعمه المميز ورائحته الزكية، التي يمكن التعرف عليها بسهولة بفعل خبزه بالسمن البلدي، والتي تنتشر في الأجواء الريفية بفعل تأجج النيران داخل هذه الأفران. وسط هذه الأجواء يلمع مطعم «برج المنوفية»، الذي تخصص في إعداد الفطير «المشلتت» منذ ما يقرب من 60 عاما، وهو عبارة عن مطعم سياحي يحمل في جعبته «أربع نجوم»، واستراحة ذات طابع ريفي في الوقت ذاته، ويستمد المقطع الأول من اسمه من «برج الحمام» الذي يعلو البناء، فيما يعود المقطع الثاني «المنوفية» إلى المحافظة التي يقبع بها، على بعد 57 كيلومتراً من العاصمة.
استطاع المطعم خلال العقود الماضية أن يذيع صيته في أنحاء مصر، حيث يعرفه جيداً المسافرون من القاهرة إلى الإسكندرية والعكس، حيث اشتهر بينهم بأنه المكان الذي يقدم الفطير «كما يجب أن يكون»، فالتوقف على الطريق والنزول إلى «البرج» لتناول أو شراء الفطير، طقس اعتاده المصريون وكذلك السائحون والأمراء العرب ومشاهير المجتمع المصري، الذين جذبهم البرج طوال السنوات الفائتة ولا يزال، للاستمتاع بطعم الفطير واكتشاف طعمه، وتجربة الوجبات الريفية بشكل عام، والتي يأتي على رأسها عسل النحل الأبيض الطبيعي، والعسل الأسود والجبن القديم «المش»، والجبن الأبيض والرومي والبيض والقشدة، وهي الأطعمة التي تقدم مع الفطير مجتمعة أو يتم الاختيار فيما بينها وفق رغبات الزائرين.
تذوق الفطير داخل «برج المنوفية»، والتي يمكن تجربته طوال أيام الأسبوع من السابعة صباحا إلى ما بعد منتصف الليل، رحلة لا تبدأ فقط بالجوع وتنتهي بالشبع، بل تشمل متعة مشاهدة مراحل إعداد الفطير، بداية من عجن المكونات ومرورا بفرد العجين بالأيدي ونهاية بإدخال الفطير داخل الأفران البلدية المصنوعة من الطين، والتي تعمل عن طريق إشعال الحطب والأخشاب المجففة بداخلها.
يمكن للزائر أيضا الحديث مع السيدات الريفيات اللائي يقمن بعملية خبز الفطير أمام الأفران، حيث يمكن تجاذب أطراف الحديث معهن حول مراحل الإعداد وطريقة إنضاجه، والتي تتطلب خبرة كبيرة، بما يجعل هؤلاء السيدات عملة نادرة في الوقت الحالي، كما يمكنه تصوير لقطات نادرة لم تعد معتادة أمام هذه الأفران التقليدية.
ويمكن للزائر التمتع بمساحات خضراء يشملها البرج، تشغل مساحة أربعة أفدنة، وتضم حديقة وبحيرة صناعية للبجع والبط، تقع في الخلفية من «برج الحمام» الذي يتصدر المشهد داخل المكان، وهو ما يضفي على البرج قيمة جمالية عالية، إلى جانب ذلك يمكن للأطفال الاستمتاع باللعب والمرح في الهواء الطلق في الحديقة المخصصة لهم، أو المساحة المخصصة للألعاب، بما يجعل من المطعم متنزها ريفيا متكاملا. كذلك يشتهر البرج بتقديم الحمام المشوي والمحشو، وهي ثاني وجبات المطعم شهرة بعد الفطير، فمذاقه داخل البرج مميز عنه في أي مكان آخر، خصوصا أن الحمام المقدم تربى في البيئة الريفية التي تحيط بالمكان. كما تضم قائمة الطعام أصنافاً أخرى من الأطعمة والمشروبات، والتي نرشح منها الأرز بالزبد، إسباجتي بالزبد، طاجن الأرز المعمر باللحم، طاجن موزة ضاني روستو، كستليته الريش أو البتلو (اللحم المتبل مع شرائح البصل)، إلى جانب قائمة المشويات من اللحوم والدجاج. أما قائمة الحلويات فمنها «أم علي» التي تقدم بالمكسرات، والأرز باللبن، والمهلبية والكريم كراميل.
وما يميز المكان وجود أكثر من قاعة للطعام، تختلف كل منها في ديكوراتها، وإن كانت تشترك فيما بينها بالبساطة والإضاءة الهادئة، التي تتناسب مع طبيعة المكان وما يقدم من وجبات.
كذلك؛ فالتجول بالمكان يحمل بعدا آخر، حيث يمكن التعرف على نبذة تاريخية من العاملين حول تاريخ البرج وتأسيسه، وأشهر الشخصيات التي ترددت عليه، فهنا جلس الشيخ محمد متولي الشعراوي، وشيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي، إلى جانب قائمة طويلة من الفنانين والسياسيين اللامعين في عصور زمنية مختلفة، كما أن الفطير كان يُعَد للرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، خصيصا داخل البرج، ثم ينقل إليه في منزله بمسقط رأسه بقرية ميت أبو الكوم، التي تقع هي الأخرى داخل نطاق محافظة المنوفية.
«برج المنوفية».. الفطير «المشلتت» كما يجب أن يكون
رحلة تشمل مشاهدة مراحل إعداده على أيدي الريفيات
«برج المنوفية».. الفطير «المشلتت» كما يجب أن يكون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة