> من كثرة استخدام بعض المفردات في الكتابة النقدية، بل وأيضاً في الكتابات الفنية عموماً، فقدت تلك المفردات قيمتها الفعلية. فعندما يكون كل شيء «مُميز»، فإن الناتج أن لا شيء مميز. كذلك حين نصف كل مخرج أو كاتب أو ممثل بأنه «كبير»... أين ومن هم غير الكبار؟ أضف إلى ذلك كلمة «نجم»، إذ بات الجميع نجوماً.
> في الأسبوع الماضي، نشرت بعض المواقع أن ممثلة عربية ستظهر في حلقات تلفزيونية مع «النجم» جون كرازينسكي في مسلسل تلفزيوني أميركي مأخوذ عن رواية توم كلانسي «جاك رايان». لا بأس بإعلان كهذا يعزز قيمة الممثل ويفرحه، لكن «النجم» جون كرازينسكي، حسب «imdp pro» يحمل الرقم 283 بين الممثلين، فمن أين يمكن أن يصبح نجماً؟
> أما حكاية المخرج «الكبير»، فحدث ولا حرج... أو بحرج فعلاً، لأن اللقب بات يتسع لمن هو كبير ومن هو صغير أو متوسط التجربة والمكانة. فإذا كان اسم لامعاً حالياً، أو مخرج يمارس المهنة منذ عقود ولم يقدم بعد فيلمين جيدين متواليين، كيف نستطيع تبرير اللقب قياساً بمخرجين من أمثال صلاح أبو سيف أو كمال الشيخ أو يوسف شاهين؟
> المفردات التي لا تعني شيئاً محدداً لا حصر لها؛ مثل كلمة «البناء»، فهو عند البعض درامي وعند البعض الآخر زماني، وأخيراً قرأت أنه «مكاني». هل يعني ذلك أن الفيلم بات عمارة؟ طبعاً المقصود هو توالي وتصاعد الدراما، وهذا مفهوم، لكن تصاعداً زمنياً وآخر مكانياً يحتاج إلى شرح لا تجده متوفراً لدى من يستخدم هذا المصطلح. حتى كلمتي «بناء درامي» ليست وافية. نعم، مفهوم قصدها، لكن من دون أن نتبع ذلك بالكتابة عما نقصد، فإن القصد يبقى هائماً.
> اليوم، أكثر من أي يوم مضى، تميل الكتابات الثقافية عموماً إلى توظيف عبارات عدة لو محصناها لوجدنا أنها لا تعني ما تقصده؛ مثلاً القول إنه «بين الفانتازيا والحياة العادية خيط رفيع»، في حين أن كليهما في الواقع مناقض للآخر، والخيط الفاصل سميك. أو استخدام كلمة «استطاع»، كالقول إن المخرج الفلاني «استطاع تقديم فيلم ناجح بكل المعايير». أليست استطاعته هذه فعلاً بدهياً؟! أليست الاستطاعة أمراً مفروضاً طبيعياً عليه؟! أين الإنجاز؟!
> وماذا عن كلمتي «بكل المعايير»... هل تم قياس الفيلم بكل المقاييس والمعايير والأوزان؟ هل الفيلم خال من أي عطب.. مشكلة.. هفوة؟!
> واحدة من المشكلات الآنية في النقد السينمائي هي تعويض فراغ المعلومات (وبالتالي افتقار الناقد للحكم الصحيح) بالكلمات المزركشة. مشكلة أخرى هي محو الدلائل والفروقات، فإذا بالجميع نجوماً وكباراً والأفلام عمارات درامية. الآراء كثيرة، لكن الرأي ليس نقداً، بل هو مجرد رأي.
الفيلم بات عمارة
الفيلم بات عمارة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة