خطوة مهمة على طريق استثمار المباني والقصور التراثية في مصر، قامت بها وزارة الآثار أخيراً بالموافقة على مشروع ترميم وتطوير قصر «السلاملك» الأثري بحدائق المنتزه، بمدينة الإسكندرية، ودعا خبراء السياحة والآثار إلى استنساخ التجربة مع باقي القصور والمباني الأثرية والتراثية النادرة الموجودة في معظم الأقاليم لاستغلالها سياحيا وثقافيا وماديا.
يأتي ذلك بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار، (أعلى سلطة في وزارة الآثار)، رسمياً وبشكل نهائي خلال جلستها الأخيرة، برئاسة الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على مشروع ترميم وتطوير قصر السلاملك، والمقدم من الشركة المستغلة للقصر، من دون إبداء ملاحظات على بنود المشروع، وسط توقعات ببدء تنفيذه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ويستخدم القصر كفندق سياحي منذ نحو 5 عقود، لكن بعد ضمه إلى قائمة المباني الأثرية بالإسكندرية، توقف مشروع الترميم والتطوير حتى صدرت الموافقة النهائية عليه، وسط مطالبات بتحويل قصر «الحرملك» الشهير المجاور له التابع للقصور الرئاسية، لفندق سياحي أيضا.
وقال الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية، ورئيس اللجنة العليا لمشروع تطوير وترميم قصر السلاملك لـ«الشرق الأوسط»: «معاينات القصر استغرقت نحو 6 أشهر، للتأكد من عدم تأثر القصر بأعمال تنفيذ المشروع». مؤكداً «أنّ استغلال المباني الأثرية والتراثية في السياحة الثقافية والترفيهية، مفيد جداً من الناحية المادية والثقافية والسياحية، لأنّ أسعار هذه الفنادق التراثية، لن تكون مثل الفنادق الحديثة، بل أغلى بكثير، حيث سيتاح للسائح النوم والجلوس في غرف أثرية، كان يقيم فيها ملك مصر منذ أكثر من قرن».
وأضاف الكسباني قائلا: «الفنادق التراثية أو التاريخية لن تكون صالحة لاستقبال مجموعات سياحية كبيرة، ولكنها صالحة لأفواج صغيرة تقدر التراث والتاريخ والطراز المعماري الفريد».
وطالب الكسباني وزارتي السياحة والآثار، بالتوسع في استغلال المباني الأثرية، في الأنشطة السياحية، شريطة إعداد خطط دقيقة ودراسات مناسبة لطبيعة كل أثر، لأنّ مصر تضمّ عددا كبيرا جدا من الآثار الإسلامية والقبطية، التي تصلح لأن تكون فنادق سياحية تاريخية، وسبق تحويل قصر عمر الخيام بالزمالك لفندق سياحي رائع. ولفت إلى «أن وكالة (بازرعة) التي تندرج تحت قائمة الآثار الإسلامية بحي الجمالية، تصلح تماماً لتحويلها إلى فندق سياحي رائع»، موضحاً أنّ «الطابق الأرضي كان يستخدم في التجارة، بينما كان يستخدم الطابق الثاني كاستراحات وضيافة».
وتابع أستاذ الآثار الإسلامية قائلا: «يوجد عدد كبير من الآثار الإسلامية في القاهرة والإسكندرية، تصلح لأن تكون فنادق سياحية رائعة مثلما حدث بقصر عمر الخيام والماريوت في منطقة الزمالك بالقاهرة».
يشار إلى أنّ قصر «السلاملك» شُيّد على يد الخديوييي عباس حلمي الثاني عام 1892 ليكون استراحة له ولزوجته المجرية «جويدان هانم». ويُعد هذا القصر من أهم المباني المشيدة في حدائق المنتزه، (شرق الإسكندرية)، وكان بمثابة المقر الصيفي الملكي قبل تشييد قصر «الحرملك» عام 1928. و«السلاملك» تعني المكان المخصص لاستقبال الرجال (عكس الحرملك)، وفي عهد الملك فاروق خصص القصر ليكون مكتبا خاصا به، ومقراً لإقامة ضيوفه. يضم قصر السلاملك بين طياته 14 جناحا، و6 غرف فاخرة، ويعدّ الجناح الملكي من أهم هذه الأجنحة، حيث يطل مباشرة على حدائق المنتزه، ويحتوي القصر أيضا على الحجرة البلورية التي خصصت للملكة، وقد سمّيت بهذا الاسم نظراً لكون كل ما تحويه قد صنع من البلور والكريستال الأزرق النقي. أمّا حديقة القصر التي تزينها أنواع كثيرة من الأشجار فيوجد بها مدافع حربية إيطالية، أحضرها الملك أحمد فؤاد معه لتحصين القصر من أي هجوم طارئ من البحر. ويذكر أيضاً أنّ القصر استخدم خلال فترة الحرب العالمية الأولى، كمستشفى عسكري ميداني للجنود الإنجليز، لكن بعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، حوّل القصر إلى فندق، وتعاقبت على تشغيله شركات عدة.
من جانبه قال محمد متولي، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»: «قمنا بإعداد ملف علمي موثق بالصور عن قصر السلاملك قبل عرضه على اللجنة الدائمة، لتسجيل القصر بقائمة الآثار الإسلامية بمحافظة الإسكندرية، وأصدرت اللجنة 3 موافقات على المشروع المقدم من شركة (المنتزه للاستثمار والسياحة)، التابعة لوزارة السياحة لاستغلال القصر سياحيا». موضحاً أنّ المشروع يتضمن «إنشاء حمام سباحة وكازينو ملحق للقصر ومبنى متعدد الأغراض».
وأضاف متولي قائلا: «قطاع الآثار بالإسكندرية يُشرف بشكل تام على قصر السلاملك لمتابعة أي أعمال تطوير، بعدما طلبت وزارة الآثار من الشركة المستغلة عدم المساس بالزخارف التاريخية، ومكتب الملك فاروق والأسدين الموجودين أمام قاعة الملك بجانب العناصر المعمارية المهمة، حتى لا تضيع هوية القصر».
يشار إلى أنّه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كشف محافظ القاهرة عن إعداد بروتوكول بين عدة جهات حكومية لرفع كفاءة وتطوير مبنى «ربع المانسترلي» التراثي، وإعادة توظيفه كفندق سياحي، في إطار خطة تأهيل المناطق التراثية بالقاهرة، وتحويلها إلى مزارات سياحية، ومناطق جذب سياحي، لما تضمه من آثار إسلامية متنوعة (مساجد وأسبلة ووكالات، ومنازل).
تحويل القصور الملكية والتاريخية إلى فنادق سياحية، ظاهرة عالمية كان آخرها، تحويل قصر فرساي الشهير بفرنسا إلى فندق عالمي ضخم، من أجل تنمية الموارد المالية بالبلاد، وقبل ذلك بعقود، سبقت عدة دول أوروبية وآسيوية، بتنفيذ هذه الفكرة، التي حققت نجاحا كبيرا حسب تقييم خبراء السياحة. ففي إيطاليا أصبح قصر «فيلا ديستي» الذي افتُتح عام 1873 أحد أهم الفنادق الإيطالية، ويعود تاريخ بنائه للقرن السادس عشر، وقد كان مقرا صيفيا للأسرة الحاكمة آنذاك.
في البرتغال حوّل قصر «أوليسيبو لابا بالاس» أو«Olissippo Laba» الذي يعود تاريخ بنائه، للقرن التاسع عشر إلى فندق فخم، وهو يقع فوق التلال المطلة على نهر «لابا» في البرتغال. وفي مالطة أيضا يعد فندق «زارا» من أرقى فنادق جمهورية «مالطة» من فئة الخمس نجوم، وكان في الأصل قصرا يعود تاريخه للقرن السابع عشر. وفي إسبانيا يعود تاريخ قصر «بالاسيو دي فيلابانيس» أو «de Villapanes» إلى القرن الثامن عشر، قبل أن يحوّل إلى فندق 5 نجوم.
أمّا الهند فقد حوّل قصر «فالكنوما» أو «Falaknuma» الكائن في مدينة «حيدر آباد»، وهي إحدى المدن الهندية المهمة في العقد الأخير من القرن التاسع عشر إلى فندق، وكان القصر مقراً رسمياً لحكام المدينة الأثرياء في ذلك الوقت، ويحتوي على 60 غرفة تتميز بالرقي والبساطة.
وفي المملكة المتحدة يقع قصر «هامبتون كورت» أو «Hampton Court» في مدينة «ساري» «Surrey» التاريخية، ويعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر وقد حوّل أيضا إلى فندق سياحي.
تطوير «السلاملك»... تحويل القصور والمباني التراثية إلى فنادق سياحية بمصر
شيده الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892 ويضم جناحاً ملكياً وغرفاً أثرية نادرة
تطوير «السلاملك»... تحويل القصور والمباني التراثية إلى فنادق سياحية بمصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة