دار «آفاق» المصرية تتجه لنشر ترجمات جديدة للكلاسيكيات العالمية

في محاولة للالتفاف على ارتفاع أسعار كتب دور النشر اللبنانية

من إصدارات دار «آفاق»
من إصدارات دار «آفاق»
TT

دار «آفاق» المصرية تتجه لنشر ترجمات جديدة للكلاسيكيات العالمية

من إصدارات دار «آفاق»
من إصدارات دار «آفاق»

تعاني سوق الكتب وحركة النشر المصرية كثيرا، جراء انخفاض قيمة الجنيه في مقابل الدولار، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار الكتب وركودا في مبيعاتها، وخاصة الكتب التي تصدرها دور النشر اللبنانية، حيث بات سعر الكتاب الذي يبلغ ثمنه 10 دولارات في لبنان، نحو 200 جنيه في مصر، هذا دون تكلفة الشحن والنقل الجوي والبحري التي تتكبدها المكتبات التي تقوم بالتوزيع.
وتعاني المكتبات المصرية الشهيرة من انخفاض حركة الإقبال على مبيعات الكتب في ظل غلاء الأسعار. وحتى أكشاك الكتب المزورة أيضا التي كانت تمثل المتنفس لعشاق القراءة، لم تعد تحظى بتهافت الشباب عليها، حيث أصبحت أسعارها مرتفعة أيضا، فلم يعد في إمكان الشاب اقتناء رواية بـ20 جنيها كما كان الحال قبل عام 2011.
من هنا، حاولت دار «آفاق» للنشر والتوزيع أن تخرج من هذا المأزق، وتوفر الكتب والمترجمات العالمية في طبعات جديدة داخل مصر، سواء بترجمة كتب لأشهر الأدباء العالميين والاستعانة بمترجمين جدد، أو بإعادة نشر ترجمات قديمة مرة أخرى، ولكن بأغلفة أنيقة ومبهرة وبأسعار تناسب الشباب.
ففي مقرها بوسط القاهرة وبالقرب من ميدان التحرير في شارع كريم الدولة، تجد واجهة المكتبة المواجهة لمقر أتيليه القاهرة، زاخرة بعشرات العناوين الأجنبية المعربة، وروايات عالمية مهمة تعتبر من كلاسيكيات الأدب العالمي، مثل: «العجوز والبحر» لأرنست هيمنغواي، ورواية «أوقات عصيبة» للبريطاني تشارلز ديكنز، و«إيما» لجين أوستين، و«نذير العاصفة» لمكسيم غوركي، و«الطفلة التي لا تنمو أبداً» لبيرل باك، و«عشرون ألف فرسخ تحت سطح البحر» لجول فيرن.
يقول مدير دار «آفاق» بالقاهرة، مصطفى الشيخ لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت الدار تكرس جهودها لإنعاش حركة الترجمة مرة أخرى، وقد وجدنا أنها فرصة للتعريف بكبار المترجمين المخضرمين، إلى جانب إتاحة ذخائر المترجمات للشباب الذين لم يطلع أكثرهم على كلاسيكيات الروايات العالمية، وخاصة الأدب الروسي».
يمسك الشيخ برواية هربرت ويلز «آلة الزمن» التي كتب عليها «الترجمة الكاملة للنسخة الأميركية»، قائلا: «هذه باكورة خط ترجمات سلسلة الخيال العلمي، بدأناها بـ(آلة الزمن)، مع المترجمة الكبيرة شهرت العالم، التي سوف تشرف على سلسلة الإصدارات الخاصة بالخيال العلمي».
ويضيف الشيخ: «لا يخفى على أحد أن هناك تراجعا كبيرا في حركة الترجمة للعربية في مصر، وهناك عشرات من المترجمين الذين تخلت عنهم دور النشر، لذا قررنا أن نكرس جهود الدار في الفترة المقبلة لإنعاش حركة الترجمة للعربية. ومع الأسف كانت هناك سلاسل أدبية تهتم بترجمة الأدب الغربي في فترة الخمسينات والستينات، ومن بينها سلسلة (روايات الهلال)، و(كتابي) وقدمت ترجمات عظيمة لأهم الروايات، إلا أن بعض السلاسل توقفت، كما أن طبعات الترجمات القديمة نفدت، وما زال يطلبها كثير من الشباب. أصدرت (آفاق) روايات أجنبية تترجم لأول مرة للعربية، مثل (صحراء التتار) للإيطالي دينو بوتزاتي، ورواية (يوم الجراد) لناثاينال ويست، ورواية (الأم) لبيرل باك بترجمة لمحمود مسعود. وهناك روايات ترجمت من قبل لكن ترجمة غير كاملة، مثل رواية (عشيق الليدي تشاترلي) تأليف د.هـ. لورنس، فأصدرناها بترجمة كاملة، و(الطفلة التي لا تنمو أبدا) لبيرل باك، ترجمها حاتم عبد الصاحب». وحول الإقبال على المترجمات من قبل الشباب، يقول: «لاحظنا إقبالا كبيرا في معرض القاهرة للكتاب العام الماضي، من قبل الشباب، وتبدل ذائقة القراء إلى الروايات المترجمة، وكتب التصوف والفلسفة المترجمة. وحاولنا تقديمها بسعر مناسب، حيث تتراوح أسعار المترجمات ما بين 70 و170 جنيها، لكي تكون في متناول الجميع».
ومن الإصدارات الجديدة التي أطلقتها دار «آفاق» هذا الشهر أيضا، كتاب «الحلاج» للباحثة الراحلة أبكار السقاف، وكتاب «نصوص التوراة والمعاني الكامنة وراءها» لجون غراي، ترجمة الروائي والكاتب عادل أسعد الميري، و«المادية الجدلية» لهنري لوفيفر، و«سد هارتا» للفيلسوف الألماني هرمان هسه، وترجمة فؤاد كامل. و«الله في الفلسفة الحديثة» لجيمس كولينز، بترجمة لفؤاد كامل. و«إلهي نامة» مع «مدخل إلى الأدب الصوفي الفارسي» لفريد الدين العطار، بترجمة الدكتورة ملكة علي التركي.
ويعتبر الشيخ خوض دار نشر خاصة مجال الترجمة خطوة محفوفة بالمخاطر، حيث عادة ما تتجنبها هذه الدور تفاديا لتكاليفها ومخاطرة الإقبال عليها من القراء، وتأخذ المؤسسات الحكومية والتابعة لوزارة الثقافة على عاتقها نشر المترجمات، وعلى رأسها «المركز القومي للترجمة».
وتوجه الدار لإعادة نشر الكلاسيكيات أو مترجمات لروائع الأدب الغربي، كما يقول الشيخ «قد جاء من اليقين بأن هناك أعمالا أدبية وفكرية لا يؤثر عليها الزمن ولا تتقادم، وتعتبر حقا من أمهات الكتب التي شكلت الفكر والوجدان البشري خلال العقود الماضية، ومنها: أعمال شكسبير وتشارلز ديكنز وإليوت وغيرهم، وقد لاحظنا أن إقبال الشباب لا يزال على الأعمال الكلاسيكية، مثل: (أوقات عصيبة) لديكنز، و(مائة عام من العزلة) لماركيز، و(الإخوة الأعداء) و(المسيح يصلب من جديد)، لنيكوس كزانتزاكي، و(الإخوة كرامازوف) لديستوفيسكي، وهذه الكلاسيكيات حافظت على مرتبتها ضمن أكثر الكتب مبيعا خلال الخمس سنوات الأخيرة».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.