الاستخبارات الأميركية تكشف جانباً من تفاصيل اعتداء بنغازي خلال جلسة محاكمة أبو ختالة

شاهدا الإثبات: السفارة تحولت بفعل الهجمات إلى قطعة من الجحيم

TT

الاستخبارات الأميركية تكشف جانباً من تفاصيل اعتداء بنغازي خلال جلسة محاكمة أبو ختالة

أفاد ضباط من وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، في شهادات أدلوا بها الثلاثاء الماضي، بأن السفير الأميركي في طرابلس، كريستوفر ستيفنز، أعيد إلى واشنطن عقب الاعتداء الذي استهدف مقر البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي، وكان ذلك عقب سماع ضابط بالمصادفة نقاشاً جرى بين مسلحين ليبين حول ما إذا كان عليهم إبلاغ الضباط عن الأميركي الذي قتل وأودعت جثته المستشفى.
ظهر الشاهدان بشعر وشوارب مستعارة لإخفاء هويتهما الحقيقية التي لا تزال سرية حتى الآن، وقدما سردا تفصيليا خلال جلسة محاكمة أحمد أبو ختالة، المتهم بالتخطيط وتنفيذ الاعتداء الذي جرى بمدينة بنغازي يومي 11 و12 سبتمبر (أيلول) 2012 والذي راح ضحيته السفير الأميركي و3 أعضاء بالبعثة الدبلوماسية الأميركية وبالمبني المجاور الملحق بالسفارة والمخصص لـ«سي آي إيه».
أفاد الشاهدان بأنهما سددا مبلغ 30 ألف دولار لترتيب نقل 6 من عناصر الأمن الأميركيين جوا من طرابلس إلى بنغازي عقب تنفيذ الاعتداءات مباشرة، وهناك انتظر رجال الأمن الستة وصول عناصر من القوات الليبية الخاصة كان من المفترض أن يصطحبوهم من مطار بنغازي إلى مقر «سي آي إيه» لكن دون جدوى. في النهاية، اعترف أحد الشاهدين بمحاولة تقديم مبلغ ألف دولار أميركي إلى سائق سيارة الإسعاف نظير الحصول على حمالة لنقل جثمان السفير إلى طائرة «سي 130» التابعة لسلاح الجو الليبي لتقل جثامين قتلى رجال الأمن الأميركيين، وكذلك من تبقى منهم على قيد الحياة. وأضاف شاهد بأن رجل الإسعاف قدم الحمالة ورفض تقاضى المال من باب المجاملة.
وجاء وجود الشاهدين، ألكسندر تشارلز، مدير دعم العمليات في «سي آي إيه»، وروي إدواردز، قائد فرقة «سي آي إيه» الأمنية بليبيا، استمرارا لاستجواب الشهود من قبل الادعاء العام الفيدرالي في واشنطن. غير أن الشهادات التي قدمت في القضية لحسم الأمر أمام الادعاء العام لم تقدم الأدلة القوية التي أكد عليها الادعاء في البداية عندما أقام الدعوى وحاول من خلالها الربط بين المشتبه به الليبي أحمد أبو ختالة (46 عاما) والاعتداء.
أبو ختالة مواطن ليبي تولى قيادة ميليشيا «أنصار الشريعة» التي صنفتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية وحملتها مسؤولية اعتداءات بنغازي. واعتقل أبو ختالة في غارة شنتها القوات الأميركية الخاصة في يونيو (حزيران) 2014، ويواجه حاليا عقوبة السجن مدى الحياة حال أدين في المحاكمة التي بدأت في 2 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. وكان أبو ختالة أنكر 18 اتهاما نسب إليه، من ضمنها التآمر لدعم الإرهاب، وارتكاب جرائم قتل ومحاول القتل، وتخريب المرافق الأميركية.
أغلقت أبواب المحكمة لدواع أمنية أثناء إدلاء ضباط «سي آي إيه» بشهاداتهم الثلاثاء الماضي، وحجبت المحكمة بعض المقاطع المصورة التي عرضها الشهود في غرفة المراقبة المخصصة للصحافيين، فيما جرى تقديم عرض صوتي للشهادات في غرف الصحافيين وغيرهم من الحضور.
وأفاد الشاهدان تشارلز وإدواردز، اللذان تخفيا باستخدام ما أطلق عليه القاضي «التخفي الضوئي»، بأن القوات الأميركية على الأرض كانت تجد صعوبة في التمييز بين الصديق والعدو في الميليشيات المعادية، وأن ما أخرهم كانت محاولات التخفي وتفادي الوقوع في الفخاخ، والتفكير في إنقاذ أنفسهم حال حدوث ذلك.
وبعدما حاول قائد مجموعة «سي آي إيه» في طرابلس الحصول على الدعم من وزارة الدفاع وجهاز الاستخبارات الليبي لنقل المجموعة عن طريق الجو إلى بنغازي عقب بداية الهجوم الساعة 9:40 مساء 11 سبتمبر (أيلول) 2012، توصل تشارلز إلى مسؤول شركة طيران تشارتر كان قد قابله قبل ذلك في اليوم نفسه.
وأفاد إدواردز، الذي عمل بفريق الاتصال السري في «سي آي إيه»، المعروف باسم «غلوبال رسبونس ستاف»، بأن ذلك الفريق الذي يتألف من 4 ضباط (إدواردز وتشارلز وضابطان أميركيان آخران) وصل إلى مطار بنغازي قبل الساعة الواحدة صباحا بعد وقت قصير من بداية الاعتداء، لكنهم انتظروا هناك وحدهم بسبب عدم وجود الوحدة العسكرية الليبية التي توقعوا أن تكون في انتظارهم لاصطحابهم لمقر البعثة الدبلوماسية، الأمر الذي تخلله مكالمات ومفاوضات استمرت لساعات. وأردف تشارلز: «لم يحدث شيء لأننا كنا على الأرض لنحو 3 ساعات»، مضيفا أنه عمل في الحكومة الأميركية و«سي آي إيه» لنحو 30 عاما.
وكشف إدوارد أن فريق «سي آي إيه» كان مكلفا بإنقاذ شخص ما أودع مستشفي بنغازي وأن ذلك الشخص لم يكن سوى السفير ستيفنز، لكن لاحقا، تسلمت المجموعة تقريرا أفاد بأن ستيفنز قد مات وأن مدير وحدة «سي آي إيه» في طرابلس طالب المجموعة بالانتقال إلى المبني الملحق الذي كان قد تعرض بالفعل إلى اعتداءين من قوات أرضية، وفق شهادة إدواردز.
وبيّن إدوارد أمام القضاة أن قائد ميليشيا بمطار بنغازي رفض نقل مجموعة «سي آي إيه» إلى المستشفي، ربما حرصا على سلامتهم، لكنه وافق على نقلهم إلى المبني الملحق بالسفارة، فيما أفاد تشارلز بأنه بعد وصولهم للملحق بدقائق، في نحو الساعة 5.00 صباحا، فتحت عليهم أبواب الجحيم.
وقتها طلب إدوارد من غلين بوب، ضابط سابق في البحرية الأميركية وطبيب، أن يصعد لسطح المبنى لمساعدة بعض ضباط وحدة الاتصال الخاصة الموجودين هناك، وفجأة سقطت قذيفة بالقرب من المكان، تلتها قذيفة ثانية، ثم انهالت القذائف على السطح. وقال إدوارد إنه هرع إلى السطح المتهاوي مرتديا نظارة الرؤية الليلية لكنه لم يستطيع رؤية الضحايا إلى أن قال أحد زملائه: «لقد مات بوب».
واستطرد إدواردز بأن الزميل الآخر، ويدعى وودز، كان على قيد الحياة، لكنه توفي عندما سحبه إلى السلم للنزول من على سطح المبني، فيما أصيب الضابطان الآخران؛ مسؤول وحدة الاتصال الداخلي، ومسؤول الأمن بوزارة الخارجية الأميركية. وأضاف إدوارد أنه لأنهم توقعوا قذيفة أخيرة تنهي من بقي منهم على قيد الحياة، فقد جرى إجلاء الأميركان إلى المطار.
وأفاد تشارلز بأن القدر ربما تدخل عندما دفعه للسير على مقربة من الميليشيات الثورية الليبية المكلفة بحراستهم في المطار، ليسمعهم يقولون: «هل نخبر الأميركان بشأن الشخص (السفير ستيفنز) الميت في المستشفى؟». واستطرد تشارلز أنه عرض كل ما بحوزته من مال من أجل الحصول على الجثمان، لكن قائد الميليشيا العسكرية رد: «لا أريد منك مالا. فقط أمهلني بعد الوقت لأرى ما يمكنني فعله. وبعد ذلك بنحو 15 دقيقة وصل جثمان السفير إلى المطار».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.