ماذا خسرنا بغياب المرأة..؟

ماذا خسرنا بغياب المرأة..؟
TT

ماذا خسرنا بغياب المرأة..؟

ماذا خسرنا بغياب المرأة..؟

من استبشر، ومن أصيب بالذعر من القرار التاريخي الشجاع، بالسماح للمرأة بقيادة السيارة كلاهما محق..!، فهذا القرار ليس مجرد اضافة لـ«سائقات» على طريق مزدحم، بل هو تغييرٌ يمس بنيّة ثقافة المجتمع وصورته وهويته، أما مساحة هذا التغيير فلا يستطيع أحد اليوم أن يتنبأ بحجمها ومداها.
السؤال، المفتاح لفهم أهمية هذا التحول: ماذا خسرنا بغياب المرأة..؟، ليس على المستوى الاقتصاد والتنمية والمشاركة الاجتماعية فحسب، بل على اساس التجانس والتعايش الطبيعي داخل المجتمع. غياب أو «تغييب» المرأة أخلّ بالتوازن الجندري بين السكان، لكنه أخلّ أكثر بالتكوين الثقافي. أصبحت الشخصية الاجتماعية تتماذى في ذكورتها بنحو عدواني ومتطرف، ذكورية، أنتجت ثقافة الاقصاء والتعالي وهدر حقوق الآخرين. المرأة نفسها عانت من ذكورية المجتمع، تحولت الى «ضحية»، وفريسة لغرائز الذكور، ولكن الجميع برمته أيضاً عانى من هذه الذكورية التي شوهت تكوين هويته الاجتماعية.
بغياب المرأة؛ فقدنا صورتنا الطبيعية التي تشكل الأنثى حيّزاً مهماً من ملامحها، اصبحنا أكثر خشونة وقسوة وصرامة. كلما تمادى مجتمع في اقصاء المرأة أو احتقار دورها ومكانتها، غاص أكثر في التطرف والتحجر والتزمت الفكري.
أصبحت منتجاتنا الفكرية التي تغيب عنها المرأة منتجات ناقصة وقاصرة. هل هناك فنّ ومسرح وأدب وشعر وسينما بدون ان تكون المرأة شريكاً وملهماً..؟!، هل يمكن أن يستمر هذا الغياب ثم ندّعي أننا نقدم فنّاً تقدمياً ابداعياً يعبر عن نبض الحياة..؟
ولأن المرأة لم تغب بل «غُيبت» تحت الحاح خطاب موغل في المحافظة، فإن خسارتنا أصبحت أكبر؛ لأننا خضعنا من حيث نعلم أو لا نعلم إلى قوى أجبرتنا قسراً على الخضوع لبرمجتها الفكرية. المجتمع برمته وليس المرأة، خضع لهذه البرمجة التي جعلتنا نسكن كهوف التاريخ، ونحدث قطيعة مع المستقبل، وننظر للعالم بعين الريبة والشك، فضلاً عن انتاج ثقافة التزمت وانعدام التسامح. البرمجة التي جعلتنا اناساً غير طبيعيين مسكونين بالخوف والتوجس وانعدام الثقة بالنفس.
كانت المرأة هي الحلقة الأضعف للقوى التي ارادت الهيمنة على المجتمع وصياغته وفق ما تريد. كحال كل القوى المناهضة للحداثة والانفتاح، كانت تصب جام غضبها على المرأة، منذ «مطرقة الساحرات» حتى عصر الصحوة، كانت المرأة عنواناً للإجهاز على المجتمع وخنق حريته والتضييق على تطلعاته. الجماعات الدينية في نهاية القرن الخامس عشر، حصلت على تفويض من الكنيسة في ألمانيا لمواجهة الأفكار الجديدة تحت عنوان القضاء على السحر والهرطقة، فوضعوا كتاب «مطرقة الساحرات»، كمرشد للإيقاع بخصومهم الفكريين، ومع أن الجميع تعرض للبطش بتهمة ممارسة السحر، إلا أن النساء كنّ أبرز ضحايا هذه الجماعة، حيث شكلت النساء اكثر من ٧٠ في المئة ممن سيق للموت، كانت الدعاية السوداء تصوّر النساء اللواتي سحبن الى المقصلة بأنهنّ السبب في هلاك الزرع، ونزول الصقيع، وكل بلاء آخر يصيب الارض والإنسان..
لن تحدث المعجزات إذا قادت النساء السيارات، ولن نودع مشاكلنا الثقافية والتنموية لمجرد مشاركة المرأة في الحياة العامة، هذا صحيح..!، ولكن ما سنحصل عليه حين تخرج المرأة من الصندوق أن الجميع سيتحمل المسؤولية على قدم المساواة، والجميع سيتقاسم الدور في السباق نحو المستقبل، وسنحصل على قوة دفع هائلة، ونتخلص من سطوة قوى التعطيل.. سنصبح طبيعيين، وهذا يكفي..!



بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
TT

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)

يهتزّ منزل بيونسيه على وقع الفضيحة التي تلاحق زوجها جاي زي. هو متهمٌ من قِبَل سيّدة باعتداءٍ مشتركٍ عليها، تورّطَ فيه وزميله شون ديدي عام 2000.

لكن رغم الرياح التي تعصف بالبيت الزوجيّ، وهي ليست الأولى في العلاقة المستمرة منذ 27 عاماً، فإنّ الفنانة الأميركية حرصت على الظهور مبتسمةً إلى جانب زوجها قبل أيام، وذلك في العرض الأول لفيلم «Mufasa - Lion King». جاءت الابتسامة العريضة على شرف ابنتهما بلو آيفي، التي تخوض تجربتها السينمائية الأولى.

بيونسيه تتوسّط زوجها جاي زي وابنتها بلو آيفي في العرض الأول لفيلم «موفاسا» (إ.ب.أ)

النجمة رقم 35 على قائمة «فوربس»

واجهت بيونسيه تحدياتٍ كثيرة في كلٍ من حياتها الخاصة ومسيرتها المهنية، وقد لعب ذلك دوراً في تكوين شخصيةٍ صلبة لديها. لم يأتِ اختيارُها من بين أقوى 100 امرأة لعام 2024 عبَثاً من قِبَل مجلّة «فوربس»، وهي ليست المرة الأولى التي تخترق فيها المغنية البالغة 43 عاماً، قوائمَ تتصدّرها رئيسات جمهورية ورائدات أعمال.

احتلّت بيونسيه المرتبة الـ35 في قائمة «فوربس» السنوية، التي تصدّرتها رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تليها كلٌ من رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، ورئيسة إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيسة المكسيك كلوديا شينباوم. أما من بين زميلاتها المغنّيات فقد سبقتها تايلور سويفت إلى المرتبة 23، فيما حلّت ريهانا في المرتبة الـ76.

800 مليون دولار و32 «غرامي»

تختار فوربس نجمات قائمتها بناءً على 4 معايير، هي الثروة، والحضور الإعلامي، والتأثير الاجتماعي، ومجالات السلطة. وتبدو بيونسيه مطابقة للمواصفات كلّها، بما أنّ ثروتها تخطّت الـ800 مليون دولار، وهي في طليعة الفنانات ذات الأثر السياسي والثقافي والاجتماعي.

إلى جانب كونها إحدى أكثر المشاهير ثراءً، تُوّجت بيونسيه بأكبر عدد من جوائز «غرامي» محطّمةً الرقم القياسي بحصولها على 32 منها خلال مسيرتها. وهي لم تكتفِ بلقب فنانة، بل إنها رائدة أعمال أطلقت شركاتها وعلاماتها التجارية الخاصة على مرّ السنوات. تذكر «فوربس» أن مصدر ثروتها الأساسي هو الموسيقى، إلى جانب مبادراتها الفرديّة، وتلفت إلى أنّ بيونسيه صنعت نفسها بنفسها، مع العلم بأنها لم تتابع أي اختصاص جامعيّ، بل تركت المدرسة قبل التخرّج فيها.

حطّمت بيونسيه الرقم القياسي بحصولها على 32 جائزة «غرامي» حتى عام 2023 (أ.ب)

طفلة القدَر

جاء العِلمُ في حياة بيونسيه على هيئة والدةٍ بدأت مصفّفةَ شَعر ثم فتحت صالونها الخاص، وعلى هيئة والدٍ كان يعمل مدير مبيعات في إحدى الشركات، قبل أن يصبح مدير أعمال ابنته. منهما تلمّست المنطق التجاري.

أما فنياً، فقد لمع نجمُها للمرة الأولى في مسابقةٍ مدرسيّة، عندما غنّت وهي في السابعة لتتفوّق على مَن هم في الـ15 والـ16 من العمر. فما كان من والدها سوى أن يترك وظيفته ويتفرّغ لإدارة أعمالها والفريق الغنائي الذي انضمّت إليه في الثامنة من عمرها، والمكوَّن من فتياتٍ صغيرات. تحوّل الفريق ذاتُه عام 1996 إلى «Destiny’s Child» (طفل القدَر)، لتنطلق معه رحلة بيونسيه نحو العالميّة.

فريق Destiny’s Child الذي انطلقت منه بيونسيه عام 1996 (فيسبوك)

صنعت الليموناضة

بعد انفصال الفريق، لم تتأخر بيونسيه في استئناف رحلتها الفنية منفردةً، فخاضت التمثيل والغناء. إلا أن تلك الرحلة لم تكن اعتياديّة، إذ سرعان ما ارتفعت أسهُمُها وبدأت تُراكِم الإصدارات، والحفلات، والجولات العالمية، والأدوار السينمائية، والجوائز، والألقاب.

لم يحصل ذلك بالصُدفة، بل بكثيرٍ من المثابرة. عندما طُلب منها مرةً أن تفسّر نجاحها غير المسبوق، أجابت بيونسيه: «صحيحٌ أنني مُنحت الليمون، لكنّي صنعت الليموناضة». يُنقل عمّن يواكبون تحضيراتها من كثب، أنها تُشرف على كل تفصيلٍ متعلّقٍ بألبوماتها وحفلاتها، هذا إلى جانب انخراطها المباشر في عمليّة التأليف والتصميم. تشهد على ذلك جولتها العالمية الأخيرة Renaissance والتي تحوّلت إلى ظاهرة اقتصادية.

هذا فنياً، أما نفسياً فلم يكن صعود بيونسيه الصاروخيّ مهمة سهلة. كان عليها مصارعة خجلها وشخصيتها الانطوائيّة لسنوات عدة، لكنها استلهمت تجارب نجماتٍ سبقنها. تقول إنها تأثرت بمادونا، ليس كأيقونة موسيقية فحسب، بل كسيّدة أعمال كذلك؛ «أردت أن أسير على خطاها وأن أبني إمبراطوريتي الخاصة».

تذكر بيونسيه مادونا من بين السيّدات اللواتي ألهمنها (فيسبوك)

صوت المرأة

لا تخترق بيونسيه عبثاً قوائم تضمّ أفضل رئيسات مجالس الإدارة، ومديرات الشركات الناجحة، فهي أثبتت أنها سيدة أعمال متفوّقة. أسست شركة الإنتاج الخاصة بها عام 2010 تحت اسم Parkwood Entertainment، وهي تقدّم مروحة واسعة من الخدمات في قطاع الترفيه؛ من إنتاج الأفلام، والموسيقى، والبرامج التلفزيونية، وصولاً إلى إدارة أعمال الفنانين، والتسويق، والتصميم الإلكتروني.

وفي عام 2024، أطلقت مستحضر Cecred للعناية بالشَعر، في تحيّةٍ إلى والدتها الحلّاقة، وفي استكمالٍ لمشاريعها التجاريّة.

بيونسيه ووالدتها تينا نولز (رويترز)

وظّفت بيونسيه نفوذها الفني والمالي في خدمة قضايا اجتماعية وإنسانية تؤمن بها. منذ أولى سنوات انطلاقتها الموسيقية، ناصرت قضايا النساء من خلال كلمات أغاني Destiny’s Child وأغانيها الخاصة لاحقاً. عام 2011، تحوّلت أغنية «Who Run The World? Girls» (مَن يحكم العالم؟ الفتيات) إلى نشيدٍ تردّده النساء حول العالم.

إلّا أنّ الأمر لم يقتصر على الكلام والألحان، بل امتدّ إلى الأفعال. عبر مؤسستها الخيريّة Bey GOOD، تدعم بيونسيه تعليم الفتيات من خلال تأمين الأقساط المدرسية لهنّ. وعبر تلك المؤسسة وحضورها على المنابر العالمية، تحمل بيونسيه لواء المساواة بين الجنسَين.

تحمل بيونسيه قضية تمكين المرأة من خلال أغانيها وأنشطتها الاجتماعية (فيسبوك)

تهمةٌ تهزّ عرش «الملكة بي»؟

تُعَدّ بيونسيه اليوم من أجمل سيّدات العالم، إلّا أنّ ثقتها بنفسها لم تكن دائماً في أفضل حال. في الـ19 من عمرها كانت تعاني من الوزن الزائد وتتعرّض للانتقادات بسبب ذلك. أثّر الأمر سلباً عليها إلى أن استفاقت يوماً وقررت ألّا تشعر بالأسف على نفسها: «كتبتُ Bootylicious وكانت تلك البداية لتحويل كل ما منحتني إياه الحياة، إلى وسيلةٍ أمكّن من خلالها نساءً أخريات».

انسحبَ أثر بيونسيه الاجتماعي على السياسة، فهي تشكّل صوتاً وازناً في المشهد الرئاسي الأميركي. ساندت باراك أوباما، وهيلاري كلينتون، كما تجنّدت إلى جانب كامالا هاريس في معركتها الرئاسية الأخيرة، مقدّمةً لها إحدى أغانيها كنشيدٍ رسمي للحملة.

بيونسيه في أحد تجمّعات كامالا هاريس الرئاسية (رويترز)

تشكّل مسيرة بيونسيه الفنية والمهنية بشكلٍ عام موضوع دراسة في عددٍ من الجامعات الأميركية. لكنّ الأمجاد لا تلغي التحديات، فهي تقف اليوم إلى جانب زوجٍ متهمٍ باعتداءٍ على امرأة. وإذا صحّت التهمة، فإنّها تقف بالتالي إلى جانب ما يناقض القضايا التي تبنّتها طوال مسيرتها الحافلة.