بعد طول انتظار، تحقق حلم جسيكا ابنة الـ15 ربيعا. فبعد عام كامل من مشاهدتها كل فيديو يدونه الأميركي من أصل يمني آدم صالح (24 عاما)، وسماع كل أغنية أطلقها على قناته الخاصة على الـ«يوتيوب» التقته لأول مرة في لندن أثناء زيارته القصيرة لإجراء بعض الاجتماعات مع مدير أعماله المقيم في بريطانيا.
جسيكا هي ابنتي التي تثقفني من الناحية التقنية، وأتقرب من خلالها أكثر إلى ما آل إليه عالم التواصل الاجتماعي، ومنها أدرك إلى أي زمن إعلامي نتجه.
الواضح ومن خلال ما رصدته من خلال توجهاتها، بأن الإعلام يتوجه إلى «يوتيوب» وتدوين الفيديو، والصحافة تتجه هي أيضا إلى المدونين. آدم صالح هو مثال واضح على الانتشار الواسع لمدوني الفيديو الذين يطلق عليهم اسم Vloggers أو E Video Loggers. هذه ليست هواية، بل مهنة تجني المال على صاحبها في حال نجح - كحال آدم - في استقطاب أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مشاهد على «يوتيوب»، وأكثر من مليون ونصف المليون متابع على تطبيق «إنستغرام».
للاستعلام أكثر حول موضوع الإعلام الإلكتروني والتدوين التلقائي التقت «الشرق الأوسط» آدم صالح في منزل مدير أعماله ناز في منطقة قريبة من شمال لندن، واستهل كلامه بعبارة «أبي سيكون سعيدا جدا بهذه المقابلة»، مشيرا إلى أصول والده اليمنية، حيث ولد آدم صالح في نيويورك بعد 11 عاما من انتقال والديه إلى الولايات المتحدة، ولديه 3 أشقاء وشقيقتان، لكنهم لم يرغبوا يوما في الظهور في أحد الفيديوهات التي يصورها وينشرها على قناته يوميا، لكنه يستعين من وقت إلى آخر بمحسن ابن أخيه (عاما) وريما ابنة أخيه (5 أعوام)، وينفذ مقالب كثيرة بوالده ووالدته.
عقبات في بداية المشوار
عن بدايته، يقول آدم، إنه درس القانون في جامعة نيويورك لمدة سنتين ليدرك بعدها بأن القانون ليس ما يريد أن يمتهنه في المستقبل، وسيطر شغفه بالموسيقى على الدارسة، ولو أن الأمر لم يكن مستحبا بالنسبة لوالديه، ويشرح هنا: «كما تعلمين العائلات العربية تفضل دائما بأن يكون ابنها طبيبا أو محاميا أو مهندسا»، وضحك بعدها كثيرا، وتوقف فجأة عن التكلم بالإنجليزية وقال: «الحمد لله» نجحت بما أفعله وجعلت أهلي يشعرون بالفخر وهذا يكفيني.
مر آدم بظروف صعبة في بداية حياته، وتعرض للعنصرية والتنمر في المدرسة، ويشرح هنا بأنه في الماضي كانت العنصرية تغزو المدارس والأحياء الشعبية في نيويورك، وتعرض لمواقف بشعة جدا؛ لأنه مسلم ومن أصول عربية، ولا ينتمي إلى المحيط الذي يعيش به، وقال إنه قام هو أيضا بأشياء لا يفتخر بها؛ لأنه كان محاطا بأصدقاء غير صالحين، وهذا ما جعله اليوم يشدد على نشر رسالة مهمة في الفيديوهات التي ينشرها لتكون مفيدة لأي شخص عربي يغرد خارج سربه ويعيش بعيدا على مجتمعه.
لم يكن يعرف آدم أن نشر فيديو في عام 2013 سيجعله شخصا مشهورا، فبدأ الأمر كتسلية، لكن عندما أدرك تأثير ما ينشره وما رافقه من ارتفاع ضخم في عدد المشاهدين تحولت الهواية إلى مهنة يعتاش منها، واليوم لديه فريق عمل يضم أكثر من عشرين شخصا، من مدير أعمال إلى منسق إعلامي إلى مصمم غرافيك ومصور وغيره من اختصاصيين في عالم الإعلام الإلكتروني. ولليوم، قام صالح بعروض في أربعين مدينة حول العالم، ويقول إن حلمه هو تأدية عرض في المملكة العربية السعودية؛ لأنه يملك شريحة كبرى من مشاهديه من ذلك البلد الذي يحبه ويحب أهله.
محتوى يحارب العنصرية
مشاهدو قناة آدم صالح هم في المرتبة الأولى عرب، ويأتي بعدهم نسبة كبيرة من دول آسيوية مختلفة، وهناك فئة لا بأس بها من الأشخاص المعجبين بالثقافة العربية، وهنا يشدد صالح على أهمية التمسك بتقاليدنا، وهذا ما يعمل عليه في جميع حفلاته والفيديوهات التي يطلقها يوميا، ويقوم آدم بجولة عالمية كل عام يسافر خلالها إلى بلدان عربية وغربية عدة، ويقدم عروضا يجمع فيها الفن من كل أطرافه، فيبدأ آدم حفله بفيديو يظهر فيه يهرول من نيويورك إلى البلد الذي يقوم بتأدية عرضه فيه، وبعدها يؤدي ما يعرف بالـ«Stand Up Comedy» يشارك الحضور من خلاله نكات وأخبارا طريفة ومواقف يتعرض إليها في منزله، ويلي ذلك التكلم عن فكرة معينة تكون بمثابة رسالة معينة، ويؤدي أغنية من أغانيه مثل Survivor وOn My Way. ويشدد صالح دائما على موضوع مكافحة وتصدٍ للعنصرية؛ لأنه يجد بأن جميع المجتمعات لا تزال تعاني منها، وفي النهاية يفتح المجال أمام الحضور لطرح الأسئلة.
ويقول إن أعمار الحضور لا تقتصر على سن معينة، فهناك من هم في سن المراهقة، ومن هم في سن والده السبعيني الذين يوجهون إليه التحية بالعربية.
ملابسة «طيران دلتا»
شهرة آدم زادت عندما تعرض إلى موقف محرج منذ بضعة أشهر على متن إحدى الطائرات التابعة لشركة «دلتا» الأميركية، عندما طلبت سيدة بريطانية منه التوقف عن التكلم بالعربية (أثناء مكالمة أجراها مع والدته)؛ مما أدى إلى إجباره وصديقه على ترك الطائرة والتوجه على متن رحلة أخرى.
عن هذا الموضوع يقول آدم، إنها هذه المرة الأولى التي يتكلم بها إلى الصحافة؛ لأنه لم يجد جدوى في التكلم إلى أي جهة، ولو أنه طلب منه أكثر من مصدر بأن يتكلم ويدافع عن نفسه، وشرح هنا بأنه لم يبتدع القصة للحصول على شهرة إضافية مثلما ظن واتهمه البعض، وتابع بأنه كان في طريق العودة من عرض أداه في أستراليا فتوجه إلى دبي، وبعدها إلى لندن ليستقل تلك الرحلة المباشرة إلى نيويورك، وبالعادة يقوم بالاتصال بوالدته في كل محطة يتوقف بها، وهذا ما حصل، تكلم إلى والدته على الهاتف ومزج ما بين العربية والإنجليزية، واعترضت سيدة بريطانية على لغته، وانضم إليها زوجها، وكان هناك أحد المعجبين الذي قام بتصوير ما حصل، وبعدها تجمهر أكثر من عشرين راكبا حوله ليأتي الكابتن ويطلب منه وصديقه ترك الطائرة من دون التقصي عن الموضوع ومعرفة السبب.
لم يكن يحمل آدم كاميرا ولم يكن يقوم بمقلب مثلما لمح البعض، لكن أثناء تركه الطائرة استخدم هاتفه لتصوير ما يحدث، وعندما شاهده عناصر الشرطة البريطانية في مطار هيثرو قال أحدهم: «زوجتي محامية إذا كنت في حاجة إليها لأنه لديك قضية رابحة».
ولم يرد صالح التكلم إلى الصحافة البريطانية، واتصل به المذيع بيرس مورغان ورفض التكلم إليه لأنه في النهاية لن تقف الصحافة العالمية ضد شركة طيران قيمتها أكثر من 40 مليار دولار مقابل صبيين من أصول عربية.
صفات المدون الناجح
أعطى آدم نصيحة للمهتمين بتدوين الفيديو على الإنترنت، وقال: إنه من المهم جدا بأن يكون الشخص صادقا مع نفسه ويبتعد عن التصنع والتكلف، ومن المهم أيضا بأن يكون كريما في وقته، وهذا يعني نشر الفيديوهات بانتظام؛ لأن عدمه يعني بأن المدون كسولا وغير آبه بمعجبيه وهذا ما يجعل شعبيته تتقلص، وبالتالي يخسر مصداقيته وينخفض عدد مشاهديه، ومن المهم جدا بأن يكون المدون مهذبا ويبتعد عن الألفاظ النابية، ويحترم مشاهديه.
ويقول أيضا: إنه يجب على أي شخص أن يتحمل عواقب ما يفعله؛ لأن كل مهنة في الحياة ترافقها سيئاتها وحسناتها، فهو لم يصدق نفسه عندما تلقى اتصالا من إيلين دي جينيريس لاستضافته في برنامجها الذي يشاهده الملايين، وحينها عرف أنه يمشي على الطريق الصحيحة لأنه يعطي كل ما لديه لتأدية رسالة مفيدة للأجيال الصاعدة. ويطلق في التاسع والعشرين من الشهر الحالي ألبوما غنائيا كاملا يضم 14 أغنية قام بتصويرها في دبي، وهناك أغنية قريبة إلى قلبه تحت عنوان «وينك» يقول إنه يذكر فيها لبنان ودبي.
تجربة وثائقية
أحلام آدم كبيرة، فهو يرى نفسه بعد عشرة أعوام من اليوم مطربا معروفا عالميا، وعن سؤاله عما إذا كانت مهنة التدوين ستدوم، أجاب بأن التكنولوجيا هي دائما في تقدم وتطور وما يأتي قد يلغي ما كان قبله، وهذا الأمر يجعله يركز على أكثر من شيء مثل الغناء والتمثيل. وعن التمثيل، يقول صالح، إنه سيعرض قريبا فيلما وثائقيا يشارك به على شبكة «نيتفليكس»، يؤدي فيه دورا جميلا وحقيقيا، حيث يقوم بزيارة أكثر من ولاية ومدينة أميركة مؤيدة بغالبيتها للرئيس دونالد ترمب، ويتكلم إلى أشخاص معادين للعرب، ويختار ستة منهم لمرافقته في رحلة إلى مصر لتغيير نظرتهم عن العرب والتخلص من عنصريتهم.
وختم حديثه بالقول: «أنا من عائلة متواضعة جدا، واليوم وبفضل عملي الدؤوب أنا بصدد مفاجأة والدَيّ بعدما اشتريت لهما منزلا جميلا في نيويورك؛ لأن الفضل لكل شيء أتمتع به هو أمي وأبي، وهما أهم ما أملك في الحياة».
ولا أنسى نصيحة والدتي التي أرددها دائما: «ابتعد عن رفاق السوء وأصحاب الطاقة السلبية»، وأنا بدوري أقول الشيء نفسه لقراء الصحيفة، ولجميع المعجبين بعملي.