روسيا تمهد بغارات لعملية عسكرية كبرى في إدلب

المعارضة تحذر من «تقويض مباحثات جنيف»... وموجة لجوء داخلية وخارجية وقتل مدنيين

TT

روسيا تمهد بغارات لعملية عسكرية كبرى في إدلب

وسّعت الطائرات الحربية الروسية قصفها لريف محافظة إدلب، بشمال غربي سوريا، إلى نقاط محاذية للحدود التركية، ما استدعى العبور في الأجواء التركية خلال مناوراتها للقصف. ومن جهة ثانية، ارتفعت حدة القصف لتستهدف أكثر من 42 بلدة وقرية في أرياف محافظات إدلب وحلب وحماة واللاذقية، ما دفع منظمة «أطباء بلا حدود» الإنسانية إلى مناشدة «أطراف النزاع» السوري و«داعميهم» لتفادي ضرب المستشفيات بعد إصابة عدد من المرافق الطبية خلال الأيام الأخيرة، وخصوصاً في محافظة إدلب.
بدأ التصعيد الحربي الروسي الذي لامس مناطق حدودية مع تركيا، لأول مرة منذ 11 يوماً من القصف، وتوسّع إلى ريفي حلب وحماة، تمهيداً لعملية عسكرية وشيكة في إدلب، وجاء غداة لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في أنقرة، وهو ما رأت فيه مصادر سياسية في المعارضة السورية «تعمداً لإحراج إردوغان بعد طلب رسمي تركي بوقف إطلاق النار من روسيا في الشمال السوري».
ولم يتوقف الطيران الروسي الحربي والمروحي عن القصف في مدن وبلدات إدلب وحلب، حتى وصل عدد القرى والبلدات المستهدفة إلى 42 قرية، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي قال مديره رامي عبد الرحمن إن «الطائرات الروسية لم تغب عن الأجواء السورية»، لافتاً إلى أن الفصائل رفضت طلباً تركياً بالالتزام بوقف لإطلاق النار «قبل أن تتوقف روسيا عن قصف المناطق السورية وأن تبادر وتعلن بشكل رسمي عن وقف إطلاق النار».
وفي هذه الأثناء، قال أحمد رمضان، رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري المعارض: «الواضح هو غياب أي قابلية روسية للالتزام بما جرى الاتفاق عليه في آستانة لجهة تحييد إدلب وضمها إلى مناطق خفض التصعيد»، مستنداً إلى توسعة القصف إلى ريفي حماة وحلب. ولفت رمضان في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأهداف تؤشر إلى النيات الروسية كونها تستهدف المدنيين ومناطق سيطرة الجيش الحر الذي شارك أغلب فصائله في اجتماعات آستانة، وتعمده عدم استهداف النصرة»، متسائلاً: «هل هناك قرار روسي بإنهاء الاتفاقات، في ظل استخدام ذخائر محرمة دولياً مثل القنابل العنقودية والفراغية في بعض الأهداف؟».
وأردف رمضان: «خلافاً للمتفق عليه بإيقاف إطلاق النار، سجلت حتى ظهر أمس (الجمعة) 65 غارة استهدفت 31 بلدة في محافظة إدلب وحدها، ما يعتبر مؤشراً سياسياً على أن روسيا تتجه للتصعيد»، لافتاً إلى أن خيار الحل العسكري «لم يستبعد من الذهنية الروسية». واستطرد: «خيار التصعيد تمهيد لعمل عسكري وارد جداً»، لكنه حذر من أنه «قد يؤدي إلى توتير الأجواء نتيجة أعداد الضحايا من المدنيين، وخلق موجة جديدة من اللاجئين من إدلب إلى الداخل السوري أو إلى الخارج (تركيا)، وسيكون أقرب إلى محاولة تحطيم الخيار السياسي وسيقوّض جهود (المبعوث الدولي ستيفان) دي ميستورا للعودة إلى جنيف إذا قرر بوتين اللجوء إلى القوة». وأشار إلى أن بوتين «يدرك أن الجيش الحر موجود في إدلب، والمحافظة غير خاضعة للنصرة كون 90 في المائة من الحاضنة الشعبية رافضة للنصرة وتتظاهر ضدها، وبالتالي سيكون العمل العسكري عقاباً لهؤلاء المدنيين».

غارات قرب الحدود التركية
ميدانياً، لفت تطور مهم، تمثل في أن الغارات لامست المناطق الحدودية مع تركيا، مع إعلان ناشطين أن الطائرات الروسية خرقت المجال الجوي التركي أثناء مناوراتها، وذلك في أعقاب زيارة الرئيس الروسي إلى أنقرة. وفيما أكد مدير المرصد رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، أن استهداف مدينة حارم بأقصى شمال غربي محافظة إدلب «يستوجب العبور فوق مناطق في لواء الإسكندرون»، أبلغ مصدر في المعارضة السورية وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) بأنه «شنت الطائرات الحربية الروسية اليوم (أمس) أكثر من 70 غارة استهدفت عشرات القرى والبلدات في ريفي حلب وإدلب مخلفة أكثر من 20 قتيلاً وعشرات الجرحى». وأكد المصدر أن «الطائرات الروسية ولأول مرة استخدمت الأجواء التركية في محافظة الريحانية على الحدود مع محافظة إدلب، حيث قصفت بلدة حارم ومنطقة رأس الحصن وبلدة قورقنيا في ريف إدلب الشمالي المتاخمة لتركيا، إضافة إلى استهداف مدينة جسر الشغور».
وتحدثت شبكة «شام» المعارضة عن توسيع الطيران الحربي الروسي نطاق ضرباته الجوية على ريف إدلب، لتشمل مناطق حدودية على الحدود السورية التركية شمال وغرب المحافظة، تعرضت للقصف اليومي بشكل عنيف من قبل الطيران الحربي الروسي ولمرات عدة. وأشارت إلى رصد ناشطين بريف إدلب تجاوز الطائرات الروسية الحدود مع تركيا وتحليقها فوق الأراضي التركية ثم إغارتها على الأهداف التي قصفتها في رأس الحصن وقورقنيا ومدينة حارم، حيث تعرضت أهداف لا تبعد عن الشريط الحدودي إلا بضع عشرات الأمتار لقصف صاروخي، ولا يمكن للطيران الحربي الروسي استهدافها دون دخول الأجواء التركية. وخلّف القصف في مدينة حارم مقتل 7 مدنيين، ودماراً كبيراً في المنطقة، كما تعرضت عدة مقرات للنصرة في المدينة، بينها السجن المركزي، لاستهداف مباشر من قبل الطيران ذاته بعد اجتيازه الحدود التركية.
واستهدفت الغارات أيضاً قرى وبلدات تل مرديخ وكفر جالس وكفر روحين والتمانعة وخان شيخون وبزابور والبارة وسرجة وأطراف مدينة معرة النعمان، وأطراف كفرنبل والبارة بجبل الزاوية، ومحيط بلدة الهبيط وأطراف بلدتي حيش وبابولين وترمانين ومناطق في مدينة جسر الشغور والبشيرية والغسانية وكفردين وسد الشغر بريف محافظة إدلب، ومناطق في بلدة اللطامنة وقريتي ربدا وعرفة بريف محافظة حماة الشمالي الشرقي.
ومن جانبه، أعلن المجلس المحلي في مدينة جسر الشغور أن «المدينة منكوبة بعد سلسلة من الغارات على أحيائها وأسواقها»، داعياً في بيان المنظمات الإنسانية والطبية لتدارك الوضع السيئ الذي لحق بالمدينة، وذلك جراء القصف الشديد عليها، إضافة إلى تدارك وضع اللاجئين والعالقين في المدينة.
وفي ريفي محافظة حلب الغربي والجنوبي، شنت الطائرات غارات جوية مكثفة على بلدة أورم الكبرى غرب حلب، بالإضافة إلى مدن عندان وحريتان وكفرحمرة وخان العسل وطريق «كفر ناصح - كفر كرمين». وتحدث ناشطون عن استهداف مستشفى «ثورة الكرامة» في ريف المهندسين بريف حلب، خلف أضراراً كبيرة في معداته، وأخرجته عن الخدمة.

ضرب المستشفيات
على صعيد آخر، ناشدت منظمة «أطباء بلا حدود» الإنسانية، الجمعة، «أطراف النزاع» السوري و«داعميهم»، تفادي ضرب المستشفيات بعد إصابة عدد من المرافق الطبية في الأيام الأخيرة، وخصوصاً في محافظة إدلب. وأفادت المنظمة، التي تتخذ مقراً في جنيف في بيان، بأن «المستشفيات تغلق أبوابها في شمال غربي سوريا (خصوصاً في محافظة إدلب وشمال محافظة حماة) سواء جرّاء تعرّضها للقصف أو خوفاً منه، وسط تكثيف حادّ لعمليات القصف في المنطقة منذ يوم الثلاثاء الواقع فيه 19 سبتمبر (أيلول)». وأضافت أن مستشفى حماة المركزي/ شام تعرض صباح الثلاثاء لغارة جوية لم تسفر عن قتلى بين المرضى أو الطاقم الطبي، لكنها أدت إلى توقفه عن الخدمة. كما تحدثت عن 3 مستشفيات أخرى في محافظة إدلب أصيبت في 19 سبتمبر، فيما أخلي مستشفيان آخران في جسر الشغور ليل 27 سبتمبر خشية استهدافهما في قصف جديد.
وصرح مدير العمليات في المنظمة بريس دو لا فين في البيان: «من الجلي أن المستشفيات ليست بمنأى في الوقت الحالي عن عمليات القصف التي تستهدف محافظة إدلب، وهذا أمر مشين»، مشيراً إلى أن «الخوف يدفع بالمستشفيات إلى إغلاق أبوابها أو تقليص خدماتها، ما سيؤثّر على الجميع من مرضى وجرحى ونساء حوامل وكل من يحتاج رعاية طبية».
وللعلم، تسيطر «هيئة تحرير الشام» - التي تعد «جبهة النصرة» سابقاً أبرز مكوناتها -، منذ 23 يوليو (تموز) على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مع تقلص نفوذ الفصائل الأخرى. وتتعرض المحافظة منذ أسبوعين إلى قصف مكثف مصدره القوات السورية وحليفتها الروسية، أدى إلى مقتل العشرات. غير أن المحافظة واردة ضمن «مناطق خفض التوتر» الأربع التي تم الاتفاق عليها في سوريا في إطار مفاوضات آستانة منتصف سبتمبر بين روسيا وإيران، حليفتي النظام السوري، وتركيا الداعمة لفصائل معارضة.
ولقد وثق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مزيداً من المقاتلين ممن قضوا في القصف الجوي على محافظتي إدلب وحماة منذ 19 سبتمبر الماضي، قائلاً إن 168 مقاتلاً من الفصائل المقاتلة والإسلامية و«هيئة تحرير الشام» والحزب الإسلامي التركستاني، قضوا في القصف الجوي الروسي ومن الطائرات التابعة للنظام على مقار، لافتاً إلى أن 68 مقاتلاً على الأقل من «فيلق الشام» المصنف على أنه فصيل معتدل، قضوا في استهداف مقرهم في منطقة تل مرديخ القريبة من سراقب بريف إدلب الشرقي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».