الطفل يكتسب المثابرة من والديه مبكراً

الطفل يكتسب المثابرة من والديه مبكراً
TT

الطفل يكتسب المثابرة من والديه مبكراً

الطفل يكتسب المثابرة من والديه مبكراً

نعلم جميعاً أن أطفالنا يتعلمون الكثير منا، آباء وأمهات، ولكن ما تشير إليه نتائج الدراسات الطبية أن أطفالنا يتعلمون منا ويُقلدوننا في أشياء قد لا تخطر على البال، وأنهم يتعلمون منا تلك الأشياء في أوقات مبكرة جداً من أعمارهم، وهو ما يُنبهنا، آباء وأمهات، إلى ضرورة الاهتمام بما نفعله أمامهم أو ما يصدر عنا من تصرفات أو سلوكيات، ما يُعطي لنا فرصة لغرس الكثير من الخصال الحميدة فيهم وهم في سن مبكرة جداً.
على سبيل المثال، فإن خصال «المثابرة» و«التصميم» ليست بالضرورة خصالاً متأصلة، وليست كذلك خصالاً تُكتسب بالتوجيه الكلامي إليهم والحديث معهم عنها، بل هي صفات يكتسبها الطفل في مراحل مبكرة جداً من عمره نتيجة رؤيته والديه يُمارسانها، وهو ما أظهرته نتائج دراسة حديثة للباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة تم نشرها ضمن عدد 22 سبتمبر (أيلول) من مجلة «ساينس» العلمية Science.
وعلقت جوليا ليونارد، الباحثة الرئيسة في الدراسة من قسم العلوم المعرفية والدماغ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بقولها: «إن الأطفال الرضّع الصغار جداً في عمر 15 شهراً يتعلمون المثابرة من مشاهدة والديهم وغيرهم من البالغين حولهم، وسوف يبذلون جهداً أكبر في المحاولة حينما يرون الشخص البالغ يبذل الجهد ويُصارع لبلوغ النجاح في أداء أي مهمة».
وفي مختبرها، أجرت تجارب على مدى مثابرة وإصرار الطفل الرضيع على تشغيل لعبة جديدة حينما تُعطى له، ولاحظت أن الطفل يُحاول مرتين بإصرار ومثابرة على تشغيلها، حينما يرى أولاً شخصاً بالغاً يُحاول بإصرار واجتهاد ومثابرة على القيام بشيء آخر يصعب القيام به بسهولة ويتطلب بذل جهد ومثابرة وإصرار لبلوغ الإنجاز، بخلاف ما لو رأى ذلك الطفل أن الشخص البالغ يُنجز المهمة دون أي عناء يبدو عليه، ودون ظهور علامات الإجهاد في تحقيق ذلك الأمر. ولذا لاحظوا أن الطفل الرضيع يُحاول العمل بجهد أكبر بعد مشاهدة صراع بلوغ النجاح في أداء المهمة من قبل شخص بالغ.
وقالت الباحثة ليونارد: «هناك بعض الضغوط التي تُوضع على الآباء والأمهات لجعلهم يُظهرون أمام أطفالهم أن كل شيء يُمكن تحقيقه دون بذل الجهد والمعاناة، ولكننا نعتقد أن هذه الدراسة تبين لنا أنه من الجيد أن تدع ابنك يراك تتصبب عرقاً في إنجاز المهام». وأضافت قائلة: «الأطفال الرضع يراقبون سلوكك باهتمام ويتعلمون في واقع الأمر من الشيء الذي تفعله أمامهم».
وفي التجربة العلمية التي قام بها الباحثون، تم وضع الأطفال الذين هم في عمر 15 شهراً في حالتين مختلفتين؛ في الحالة الأولى شاهدت مجموعة واحدة من الأطفال الصغار شخصاً استغرق مدة 30 ثانية في إنجاز مهمة، مثل إخراج ضفدع بلاستيكي من حاوية. وفي الحالة الأخرى شاهدت مجموعة أخرى من الأطفال الصغار شخصاً قام بسهولة بإخراج ذلك الضفدع البلاستيكي من نفس الحاوية ثلاث مرات خلال نفس مدة نصف الدقيقة، ثم أُعطي الأطفال الصغار لعبة تصدر أصواتاً موسيقية بالضغط على أحد الأزرار للتشغيل. وقالت الباحثة ليونارد: «كان للعبة زر كبير على قمتها، ويبدو ذلك الزر كأنه بالضغط عليه تصدر الموسيقى، لكن في الحقيقة لا علاقة لذلك الزر الواضح في اللعبة بإصدار الموسيقى منها». وأضافت: «تابعنا كم مرة يُحاول الطفل الضغط على ذلك الزر قبل التوقف عن بذل المحاولات والتخلي عن ذلك، ولاحظنا أن الأطفال الذين شاهدوا قبل إعطائهم اللعبة، شخصاً بالغاً يُحاول بمثابرة وإصرار إنجاز مهمة إخراج الضفدع أو غيرها من المهام، قاموا بمحاولات أكثر لتشغيل اللعبة مقارنة بالأطفال الذين شاهدوا شخصاً بالغاً يصل إلى هدفه بسهولة في إتمام المهمة التي يقوم بها، لقد وجدنا أن الأطفال الرضًع الذين شاهدوا شخصاً بالغاً يكافح حقاً ثم ينجح، يضغطون على زر التشغيل أكثر من الأطفال الذين شاهدوا شخصاً بالغاً ينجح دون عناء».
وقال الباحثون: «إننا كثيراً ما نظن أن الإصرار والمثابرة والثبات هي مميزات أو سمات أصيلة وملازمة لنا، ولكننا نعتقد أن الأمر أكبر من ذلك، ذلك أننا يُمكن أن نتعلم ونُعدّل في إجراءاتنا وجهودنا على أساس السياق الاجتماعي»، في إشارة منهم إلى أن الطفل اكتسب إرادة المثابرة في إنجاز المهمة التي يود القيام بها بعد أن شاهد مثابرة شخص بالغ. والبالغون المحيطون في غالبية الأوقات بالأطفال الصغار والمراهقين هم الآباء والأمهات، وكلما رأى الطفل منهما الاجتهاد والمثابرة في إنجاز الأعمال والمهام حرص هو أو هي كذلك، وبالتالي اكتسب تلك السمات المهمة في تطوير الذات والتغلب على المصاعب والنجاح في التحصيل الدراسي والحرص على تناول الأطعمة الصحية وممارسة الرياضة البدنية وغيرها من السلوكيات الصحية والحياتية التي تجعل الطفل على مر السنوات شخصاً بالغاً ناجحاً.
ولذا علق الدكتور لوكاس بتلر، الأستاذ المساعد في علوم التنشئة بجامعة ماريلاند، بقوله: «خلال العقد الماضي، حدث تغيير في الطريقة التي ننظر بها إلى إمكانات الطفل في النجاح في المستقبل. إن المواهب والقدرات ذات معنى وقيمة، ولكن المربين والباحثين ينظرون الآن إلى أهمية الجوانب العقلية التي تساعد على تحفيز الأطفال. إن الأمر ليس فقط كم مقدار الذكاء أو ما درجة إتقان المهارات، بل هي أيضاً كيفية التعامل مع التحديات والصعوبات والنكسات. وهذه الدراسة الحديثة تخبرنا أن التوجه والرغبة في أداء العمل الجاد وبذل الجهد في إتمام القيام بذلك، هو أمر يبدأ بالتكوين والنشوء لدى الطفل في مرحلة مبكرة من عمره». وأضاف: «وهو ما ينبغي أن يقود الآباء والأمهات إلى التفكير من جديد، والطفل حتى لو كان في عمر سنة واحدة يتعلم ما إذا كان فِعل الشيء صعباً أو سهلاً، وأنه لو كان ذلك الأمر صعباً فإن ذلك لا يعني أنه أمر مستحيل».
وكتطبيق عملي، استطرد الدكتور بتلر قائلاً: «إنه بدلاً من أن يُمضي الأطفال الوقت أمام التلفزيون أو الكومبيوتر اللوحي بشكل يجعل الوقت يمضي بصفة روتينية، لم لا يُفكر الآباء والأمهات في جعل أطفالهم ينظرون إليهم وهم يقومون بتنظيف المنزل أو طهي الطعام»، أو القيام بكثير من المهام المنزلية الأخرى. والأطفال، كما أضاف الدكتور بتلر: «يراقبون ويهتمون بطبيعتهم وبشكل فطري بما يفعله آباؤهم، خصوصا في تلك السن المبكرة، ولذا على الآباء أن يَدعوهم يروا أن هناك أشياء مثل الأنشطة المنزلية اليومية التي على الوالدين أن يبذلوا الجهد ويتعبوا في إنجازها».

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
TT

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، إلى جانب مكملات زيت السمك، يمكن أن يبطئ بشكل كبير نمو خلايا سرطان البروستاتا لدى الرجال الذين يختارون المراقبة النشطة، ما قد يقلل من الحاجة إلى علاجات عدوانية في المستقبل، وفق ما نشر موقع «سايتك دايلي».

وجد باحثون من مركز UCLA Health Jonsson Comprehensive Cancer Center أدلة جديدة على أن التغييرات الغذائية قد تبطئ نمو الخلايا السرطانية لدى الرجال المصابين بسرطان البروستاتا الذين يخضعون للمراقبة النشطة، وهو نهج علاجي يتضمن مراقبة السرطان من كثب دون تدخل طبي فوري.

سرطان البروستاتا والتدخل الغذائي

قال الدكتور ويليام أرونسون، أستاذ أمراض المسالك البولية في كلية ديفيد جيفن للطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس والمؤلف الأول للدراسة: «هذه خطوة مهمة نحو فهم كيف يمكن للنظام الغذائي أن يؤثر على نتائج سرطان البروستاتا».

وأضاف: «يهتم العديد من الرجال بتغييرات نمط الحياة، بما في ذلك النظام الغذائي، للمساعدة في إدارة إصابتهم بالسرطان ومنع تطور مرضهم. تشير نتائجنا إلى أن شيئاً بسيطاً مثل تعديل نظامك الغذائي يمكن أن يبطئ نمو السرطان ويطيل الوقت قبل الحاجة إلى تدخلات أكثر عدوانية».

تحدي المراقبة النشطة

يختار العديد من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة المراقبة النشطة بدلاً من العلاج الفوري، ومع ذلك، في غضون خمس سنوات، يحتاج حوالي 50 في المائة من هؤلاء الرجال في النهاية إلى الخضوع للعلاج إما بالجراحة أو الإشعاع.

وبسبب ذلك، يتوق المرضى إلى إيجاد طرق لتأخير الحاجة إلى العلاج، بما في ذلك من خلال التغييرات الغذائية أو المكملات الغذائية. ومع ذلك، لم يتم وضع إرشادات غذائية محددة في هذا المجال بعد.

في حين نظرت التجارب السريرية الأخرى في زيادة تناول الخضراوات وأنماط النظام الغذائي الصحي، لم يجد أي منها تأثيراً كبيراً على إبطاء تقدم السرطان.

الاستشارة الغذائية

لتحديد ما إذا كان النظام الغذائي أو المكملات الغذائية يمكن أن تلعب دوراً في إدارة سرطان البروستاتا، أجرى الفريق بقيادة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس تجربة سريرية مستقبلية، تسمى CAPFISH-3، والتي شملت 100 رجل مصاب بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة أو متوسط ​​الخطورة والذين اختاروا المراقبة النشطة.

تم توزيع المشاركين بشكل عشوائي على الاستمرار في نظامهم الغذائي الطبيعي أو اتباع نظام غذائي منخفض أوميغا 6 وعالي أوميغا 3، مع إضافة زيت السمك، لمدة عام واحد.

ووفق الدراسة، تلقى المشاركون في ذراع التدخل استشارات غذائية شخصية من قبل اختصاصي تغذية مسجل. وتم توجيه المرضى إلى بدائل أكثر صحة وأقل دهوناً للأطعمة عالية الدهون وعالية السعرات الحرارية (مثل استخدام زيت الزيتون أو الليمون والخل لصلصة السلطة)، وتقليل استهلاك الأطعمة ذات المحتوى العالي من أوميغا 6 (مثل رقائق البطاطس والكعك والمايونيز والأطعمة المقلية أو المصنعة الأخرى).

كان الهدف هو خلق توازن إيجابي في تناولهم لدهون أوميغا 6 وأوميغا 3 وجعل المشاركين يشعرون بالقدرة على التحكم في كيفية تغيير سلوكهم. كما تم إعطاؤهم كبسولات زيت السمك للحصول على أوميغا 3 إضافية.

ولم تحصل مجموعة التحكم على أي استشارات غذائية أو تناول كبسولات زيت السمك.

نتائج التغييرات الغذائية

تتبع الباحثون التغييرات في مؤشر حيوي يسمى مؤشر Ki-67، والذي يشير إلى مدى سرعة تكاثر الخلايا السرطانية - وهو مؤشر رئيسي لتطور السرطان، والنقائل والبقاء على قيد الحياة.

تم الحصول على خزعات من نفس الموقع في بداية الدراسة ومرة ​​أخرى بعد مرور عام واحد، باستخدام جهاز دمج الصور الذي يساعد في تتبع وتحديد مواقع السرطان.

وأظهرت النتائج أن المجموعة التي اتبعت نظاماً غذائياً منخفضاً في أوميغا 6 وغنياً بأوميغا 3 وزيت السمك كان لديها انخفاض بنسبة 15 في المائة في مؤشر Ki-67، بينما شهدت المجموعة الضابطة زيادة بنسبة 24 في المائة.