أكراد سوريا يتنفسون الصعداء بعد الانتخابات... والعرب منقسمون

بدء فرز الأصوات في اقتراع فيدرالية الشمال

لافتة «انتخابية» في أحد شوارع مدينة القامشلي شرق سوريا («الشرق الأوسط»)
لافتة «انتخابية» في أحد شوارع مدينة القامشلي شرق سوريا («الشرق الأوسط»)
TT

أكراد سوريا يتنفسون الصعداء بعد الانتخابات... والعرب منقسمون

لافتة «انتخابية» في أحد شوارع مدينة القامشلي شرق سوريا («الشرق الأوسط»)
لافتة «انتخابية» في أحد شوارع مدينة القامشلي شرق سوريا («الشرق الأوسط»)

عادت الحركة لطبيعتها في شوارع مدينة القامشلي الواقعة شمال شرقي سوريا، بعد يوم شهد إجراءات أمنية مشددة بإغلاق كافة الطرق المؤدية من المدينة وإليها، حيث اقترع أكراد سوريا في أول انتخابات محلية منذ إعلان النظام الفيدرالي ربيع العام 2016؛ لاختيار رئاسة مشتركة (كل وحدة تضم رجلا وامرأة)، على أن يجري فرز الأصوات ثم انتخابات مجالس البلديات والقرى والنواحي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقالت روكن ملا إبراهيم، الرئيسة المشتركة لـ«المفوضية العليا للانتخابات»: إن «العملية الانتخابية تمت بنجاح دون ظهور أي عوائق». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»، أن «صناديق الاقتراع في المناطق المحررة حديثاً شهدت إقبالاً كثيفاً»، ونوهت بأنه ونظراً للإقبال الكثيف «تم تمديد فترة الاقتراع لمدة ساعتين في إقليمي الجزيرة وعفرين».
وأجريت الانتخابات في الأقاليم الثلاثة الخاضعة لسيطرة قوات «سوريا الديمقراطية» شمال سوريا، ويضم إقليم الجزيرة مدينتي الحسكة والقامشلي، أما إقليم الفرات فيشمل مدينتي تل أبيض وكوباني، في حين تتبع إقليم عفرين مدن وبلدات الشهباء الواقعة شرق مدينة حلب. وأدلى الناخبون بأصواتهم لاختيار 7464 رئيساً مشتركاً سيتولون مهام رئاسة مجالس الأحياء البالغ عددها 3732 وحدة.
وسادت حالة من الانقسام بين الأوساط الكردية في سوريا؛ بين مؤيد للانتخابات ومعارض لها، حيث نقل مسؤولون في الإدارة الذاتية عن نسبة مشاركة عالية في الانتخابات المحلية، في وقت قاطع مؤيدي وأنصار «المجلس الوطني الكردي»، أحد مكونات «الائتلاف الوطني المعارض»، الانتخابات رافضين المشاركة.
وقالت هدية يوسف، الرئيسة المشتركة لمجلس فيدرالية شمال سوريا: إن «الإقبال الجماهيري الكبير على الانتخابات كان رداً لكل من يقف ضد إرادة شعبنا الذي قرر اختيار ممثليه. هي بداية لشعب يكتب تاريخه بيده»، ولفتت بأن روح المنافسة ظهرت بين المرشحين والمرشحات خلال فترة الانتخابات، وأضافت: «إن دلت هذه الحالة على شيء فإنها تدل على أن مجتمعنا اختار مصيره ورسم مستقبله بيده، وأن إرادة شعبنا في شمال سوريا بمكوناته كافة قادرة على فعل المستحيل».
وذكرت هدية يوسف، أن القوى الدولية لم تتخذ مواقف سلبية من إجراء الانتخابات: «حتى موعد إجراء الانتخابات لم تصرح أي دولة بعدم قبولها، ولم تظهر معارضتها أو تأييدها أيضا، لكن يمكننا القول إن سكوت الرأي العام الدولي يفسر على أنه قبول ضمنيا، رغم عداء بعض الجهات المحلية التي تقف مع تركيا والنظام ضد إرادة شعوب شمال سوريا».
في حين أكد شلال كدو، رئيس «حزب اليسار الكردي» في سوريا، وعضو «الائتلاف الوطني» المعارض، أنه: «كانت هناك استجابة واسعة من قبل أنصار ومؤيدي المجلس الوطني الكردي بمقاطعة الانتخابات»، وأضاف، أن الإدارة الذاتية تتبع حزب الاتحاد الديمقراطي، وإنها معلنة من طرف واحد، وقال: «كل ما يصدر عن هذه الإدارة من مؤسسات وهيئات وانتخابات غير شرعية، نحن لا نعترف بها ولن نعمل معها. موقف أحزاب المجلس الكردي ثابت من هذه الخطوات».
واتهم كدو مجالس الأحياء على إنها: «الكومين ربما هي مؤسسات رديفة لمؤسسات نظام حزب البعث الحاكم الذي لا يزال يحكم في معظم المناطق الكردية في سوريا»، مشيرا إلى أن «هذه الهيئات ترهق كاهل الشعب الكردي، من بيروقراطية ومحسوبية حزبية ضيقة؛ الأمر الذي جعل المواطنين بين سندان النظام الحاكم ومطرقة مؤسسات حزب الاتحاد الديمقراطي».
ونقل مواطنون من مدينة الحسكة، أن العرب انقسموا حيال المشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت في مناطقهم، فالأحياء الخاضعة لقوات النظام السوري لم تكترث بالعملية الانتخابية، أما الساكنون في الشوارع التي تديرها قوات الأسائيش التابعة للإدارة الذاتية، فشاركوا في الانتخابات وصوتوا لصالح مرشحيهم العرب.
وذكر الدكتور حسين عزام، نائب رئيس المجلس التنفيذي في مقاطعة الجزيرة، أن مشاركة المكون العربي في الانتخابات كانت مقبولة وجيدة، وقال: «هناك إقبال ملحوظ من العرب على صناديق الاقتراع، هذه الانتخابات تعني جميع مكونات فيدرالية شمال سوريا»، ولفت بأن الأهالي وعلى الرغم من ظروف الحرب شاركوا في الانتخابات، مضيفاً: «الناس لديها عزيمة وإصرار على المشاركة؛ نظراً لحالة الاستقرار الأمني والاقتصادي في مناطق شمال سوريا بسبب إبعاد شبح الحرب».
وأقر أكراد سوريا بالتحالف مع جهات عربية وسريانية مسيحية، في 17 مارس (آذار) من العام 2016 «دستورا» للنظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم شمال سوريا، وذكر الحقوقي جاندي خالدي، أن المنطقة الكردية تعيش منذ 4 أعوام حالة من الحكم الذاتي في ظل انحسار وانعدام دور النظام الحاكم، ويقول: «الإعلان الفيدرالي المعلن من قبل مجلس سوريا الديمقراطية يستند في مشروعيته على التوافق بين الأحزاب والقوى الكردية والعربية والسريانية المسيحية المعلنة لهذا المشروع، وعلى الرغم أنه لم ينل المشروعية الدولية بشكله القانوني المتعارف عليه، فإن سوريا تعيش حالة حرب منذ سنوات، وطالما هناك إرادة للشعوب في تحديد مصيرها فهي تعد بمثابة اعتراف شعبي».
أما انتخابات «مجلس الشعوب الديمقراطية» والتي ستتمتع بصلاحيات تشريعية محلية، ستجري في 19 يناير (كانون الثاني) مطلع العام المقبل، باختيار 300 عضو لتشكيل برلمان يدير الأقاليم الثلاثة «الجزيرة والفرات وعفرين».
وشدد المحامي جاندي خالدي، على أن إعلان النظام الفيدرالي من طرف واحد؛ حزب الاتحاد الديمقراطي والقوى المتحالفة معه دون مشاركة المجلس الوطني الكُردي: «يشكِّل نوعاً من عدم الارتياح الداخلي؛ الأمر الذي يجب أن يعمل عليه مسؤولو الفيدرالية فيما بعد، كي تصبح أقوى بمشاركة جميع القوى السياسية والمجتمعية».
ويتفق عماد يوسف منسق حركة الشباب الكرد، مع كلام الحقوقي خالدي، ويقول: «المجلس الكردي وحزب الاتحاد متفقان على النظام الفيدرالي، وأنه سبيل وحيد للحل في سوريا، لكنهم مختلفون على شكل الفيدرالية التي ينادون بها؛ طرف يطالب بفيدرالية جغرافية والآخر ينادي بفيدرالية قومية».
وأكراد سوريا منقسمون بين تحالفين أساسيين، الأول يقوده «المجلس الوطني الكردي» وهو جزء من «الائتلاف الوطني المعارض» وهيئة التفاوض العليا، أما الآخر فيتزعمه «حزب الاتحاد الديمقراطي» أحد أبرز الأحزاب السياسية الكردية التي شكلت الإدارة الذاتية في سوريا بداية العام 2014. وفي نهاية حديثه يقول عماد يوسف: «حركتنا شبابية مدنية تعمل من أجل إرساء نظام فيدرالي ديمقراطي وانتخابات حرة دون أن تتخللها أي أجندات سياسية أو حزبية؛ لذا نرى أن الانتخابات التي جرت من طرف واحد من شأنها أن تؤدي إلى توسيع الشرخ الحاصل في صفوف الحركة السياسية الكردية».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.