سنوات السينما

رود ستايغر وسيدني بواتييه في فيلم «في حرارة الليل»
رود ستايغر وسيدني بواتييه في فيلم «في حرارة الليل»
TT

سنوات السينما

رود ستايغر وسيدني بواتييه في فيلم «في حرارة الليل»
رود ستايغر وسيدني بواتييه في فيلم «في حرارة الليل»

In The Heat of
(1967) the Night
حين صفع الأسود الأبيض لأول مرّة

في ظاهره، تسلل فيلم نورمان جويسون «في حرارة الليل» كفيلم تحقيقات بوليسية تقع أحداثها في بلدة صغيرة في الجنوب الأميركي. في صميمه، كان هذا الفيلم أحد أكثر الأفلام إثارة للجدل ليس قبل خمسين سنة عندما تم إطلاقه في مثل هذه الأيام في الصالات الأميركية فقط، بل في كل مرّة شمل الحديث الموضوع العنصري في أفلام هوليوود. ففي هذا الفيلم تم تسجيل أول صفعة يوجهها رجل أسود لرجل أبيض في السينما الأميركية.
الفيلم مأخوذ من سلسلة قصص بوليسية كتبها (الأبيض) جون بول (1911 - 1988) من بطولة التحري الأفرو - أميركي ڤرجيل تيبس. والسينما اشترت هذه الرواية (الأولى في السلسلة) ثم تبعتها بفيلم قامت بكتابة سيناريو مستوحى من الشخصية التي ابتدعها بول، وهو سيناريو فيلم «ينادونني مستر تيبس» They Call Me Mister Tibbs‪!‬ (غوردون دوغلاس، 1970)، ثم تبعته بفيلم مستوحى آخر هو «المنظّـمة» The Organization (دون مدفورد، 1971). لكن «في حرارة الليل» هو الوحيد بين هذه الأفلام الذي تعامل مع العنصرية على نحو بيّـن ومُدين.
إنها حكاية التحري الأسود تيبس (سيدني بواتييه) القادم من المدينة، التي منحته القيمة الإنسانية والمكانة الاجتماعية، ليزور والدته. قبل مغادرته البلدة يتم إيقافه بعد اكتشاف جريمة قتل. رئيس الشرطة غيلسبي (رود ستايغر) لم يكن يعلم أن الموقوف هو تحرٍ في سلك البوليس مثله وعليه يفرج عنه. لا يسجل الفيلم أي ود بينهما، لكن شرطة المدينة تقترح على رئيس البوليس الاستعانة بمستر تيبس لكشف الجريمة فيذعن هذا على بعض الامتعاض. الصفعة المذكورة التي تأتي في منتصف الفيلم كانت مفاجئة للجميع، وفي مقدمتهم المشاهدون.
يصفع التحري تيبس السياسي المحلي المحافظ إنديكوت (يؤديه لاري غيتس) عندما يحتد الجدال بينهما. كان يمكن لهذه الصفعة أن تنضوي باستثناء أن الصافع أسود والمصفوع أبيض وفي قلب الجنوب الأميركي الذي ما زال متمسكاً بعنصريته.
يبدأ المشهد بسيارة الشرطة البيضاء قادمة من بعيد. كاميرا عليا تكشف عن مزارع قطن يقطف محاصيلها عمال سود. تلتقط الكاميرا السائق، رئيس البوليس المحلي غيلسبي (رود شتايغر) في بلدة سبارتا، ولاية مسيسيبي، يعلك ويقود السيارة وإلى جانبه التحري تيبس (سيدني بواتييه) ينظر من نافذته إلى المزارعين السود وهم يشتغلون في قطف القطن. في الخلفية يصدح الساكسفون المميّـز لأغنية تحمل عنوان الفيلم لنسمع بعد قليل جزءاً منها بصوت راي تشارلز وهي الأغنية التي اشتهرت بسبب الفيلم.
عند المدخل تمثال قصير لخادم أسود وبينما لا يعني التمثال شيئا لرئيس الشرطة الأبيض فيمضي عنه من دون النـظر إليه، يتوقف الأفرو - أميركي تيبس عنده ملاحـظاً. يخرج خادم أسود ويقودهما إلى حيث يرعى إنديكوت النباتات في غرفة زجاجية كبيرة. ويبدي إنديكوت ترحيباً بزائره الأسود ويناديه «مستر تيبس» ويعجبه أن تيبس يفهم في الزهور، لكنه يكشف عن عنصريته سريعاً عندما يخبر تيبس أن بعض الزهور «تحتاج إلى الإطعام والرعاية لفترة طويلة قبل أن تصبح مناسبة تماماً كما الحال مع الزنجي». يتلقف تيبس الكلمات بهدوء. ينهض الشريف غيليبسي غير المهتم بما يدور من حديث ليوحي برغبته إنهاء الزيارة. حينها يتساءل إنديكوت لماذا جاء إليه. يرد تيبس بلطف بأن البعض قد يعتقد أن معاداة إنديكوت للقتيل ربما تكون سبباً لمحاولة التخلص منه ثم يسأله «هل جاء لزيارتك ليلة أمس؟».
يحتقن وجه إنديكوت؛ إذ لم يعتد أن يوجه له أحد سؤالاً من هذا النوع أو يشتبه به فيصفع تيبس صفعة جاءت صغيرة، لكن ما أن تترك يد إنديكوت القسم السفلي من وجه تيبس حتى يبادره تيبس بصفعة أقوى. يضع إنديكوت يده على وجهه مبهوتاً. هذا لم يحدث له في حياته. ليس من قِـبل رجل أسود البشرة بالتأكيد. يسأل الشريف ماذا سيفعل حيال ذلك. لكن غيليبسي لا يدري. وظيفة تيبس أعلى من وظيفته. إنديكوت يقول: «كان هناك وقت كنت أستطيع فيه إعدامك لقاء ما فعلته».
الفيلم بعد ذلك لا يتخلى عن رصده معالم عنصرية أخرى. الحكاية البوليسية هي الرداء والمضمون يخرج من تحته. ليس لأنه فيلم رسالة فقط، بل هو جيد الصنعة أيضاً وخرج حينها بخمسة أوسكارات بينها أوسكار أفضل فيلم.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.