رغم مرور شهرين على إعلان السلطات العراقية «تحرير» كامل الموصل، ما زالت الطريق طويلة أمام سكان ثاني أكبر مدن البلاد لاستعادة الحياة التي كانت قبل دخول تنظيم داعش.
ستة أشهر فصلت ما بين استعادة شرق الموصل وغربها، لكن يبدو أن الفترة الزمنية تلك لم تكن كافية لاستئناف النمط الاعتيادي تجاريا ومعيشيا في الجزء الشرقي من المدينة التي كانت لفترات طويلة مركزا تجاريا كبيرا.
على الطريق الواصلة بين أربيل ووسط الساحل الأيسر، وهو الاسم الذي يطلقه أهل الموصل على شرق المدينة نسبة إلى اتجاه نهر دجلة، تبدو الحركة التجارية ضئيلة وبطيئة في المحلات المتراصفة على جانبي الطريق، كما أن غالبيتها تركز على بيع المواد الغذائية حصرا.
ويصعب إيجاد معامل قد فتحت أبوابها للتصنيع، في منطقة تميزت أصلا في القدم بإنتاج الأقمشة القطنية التي تعرف باسم «الموسلين»، وكانت حلقة وصل فيما اشتهر بتسمية طريق الحرير، خصوصا أنها تقع على مفترق شبكة طرق سريعة في شمال العراق تربط العراق بسوريا غربا وبتركيا شمالا.
في العام الماضي، فر نحو مليون عراقي من محافظة نينوى، وانضموا إلى ما يقارب ثلاثة ملايين نازح من أنحاء البلاد، مدفوعين من المعارك ضد المتطرفين. وما زال هؤلاء ينتظرون حتى الساعة البدء بعملية إعادة الإعمار التي وعدت بها الحكومة.
رغم ذلك، يكافح مواطنون للانطلاق بحياة جديدة، عبر إصلاح ما أفسدته الحرب، وخصوصا السيارات التي تعتبر أساسية في أعمالهم للتنقل بحثا عن مصدر رزق. داخل المنطقة الصناعية في شرق الموصل، يقف محمد صديق (32 عاما) قرب سيارته المتضررة جراء شظايا قذائف الهاون والرصاص، بانتظار البدء بإصلاحها. يقول صديق الآتي من غرب الموصل: «أتيت من الأيمن (غرب) إلى الأيسر (شرق) لأن لا ورش تصليح هناك».
وتمنع القوات الأمنية العراقية أي شخص من الدخول إلى الجانب الغربي من الموصل، وخصوصا المدينة القديمة التي تعرضت لدمار كبير جراء المعارك مع تنظيم داعش. ويضيف صديق «تكلفة تصليح السيارة ربما عشرة أوراق (ألف دولار) أو أكثر. كان لدي سيارة أخرى أيضا أحرقها الدواعش»، لافتا إلى أن «الدولة قالت إنها ستعوض عن السيارات والبيوت، ولكن حتى الآن لا شيء».
ويؤكد الشاب صاحب محل الخضراوات أن «هذا يؤثر على رزقي، أسحب من مالي الخاص لأصرف على السيارة، إضافة إلى أنني أدفع لسيارات الأجرة كي أتنقل» لشراء البضائع والخضراوات ونقلها إلى متجره.
داخل الشارع المخصص لورش السيارات، صفوف طويلة من السيارات التي ينتظر أصحابها تصليحها، وبعضهم ترك سيارته في المكان إذ أنها تحتاج وقتا طويلا.
ويشير غزوان عقيل (33 عاما)، أحد العاملين في ورشة لحدادة السيارات في المنطقة الصناعية، إلى أن «بعض عمليات التصليح تستغرق 30 يوما، وبعضها يستغرق شهرين». ويضيف: «يأتينا الكثير من السيارات، أشكال وأنواع من الجانبين. «السيارات تعرضت لأضرار كبيرة. غالبيتها تضررت جراء الجرافات التي تقلبها».
وكان تنظيم داعش يستخدم السيارات لبناء خط صد بهدف منع القوات الأمنية من التقدم داخل الأحياء.
ويوضح عقيل أن «مستوى الضرر يكون كبيرا ومكلفا، أقل ضرر يكون بين 30 إلى 40 ورقة (ثلاثة إلى أربعة آلاف دولار)». ويلفت العامل الثلاثيني بثيابه المتلونة بالأسود جراء العمل «نحن نعمل بالنقدي، ولكن ننظر إلى حال الناس فنقوم باقتطاع نصف المبلغ أحيانا». لكنه يتابع: «مصائب قوم عند قوم فوائد. رغم الضرر، لكن هذا العمل يشكل مصدر رزق لنا».
بالتوازي مع المساعي لاستئناف العيش الطبيعي، يعيش أهل الموصل، التي كان يناهز عدد سكانها المليوني نسمة قبل دخول تنظيم داعش، في حالة ارتياب جراء الجهات المتعددة المسلحة التي تربك أمن المدينة.
ويقول عضو مجلس محافظة نينوى حسام الدين العبار لوكالة الصحافة الفرنسية: «تحدث مشاكل باستمرار بين القوات التي تحمل السلاح بتسمياتها المختلفة وخاصة الحشود، وأفضل حل للسيطرة عليها هو انخراطها بالقوات الرسمية من جيش وشرطة ومكافحة إرهاب التي تحظى بثقة المواطنين». ويضيف العبار أن «تزايد وتيرة الصراع بين القوات التي تحمل السلاح مع قرب موعد إجراء الانتخابات (...) سيولد مشاكل وإرباكا في المشهد الأمني بالمحافظة». وأكد أن «حفظ أمن محافظة نينوى بحاجة إلى ما بين 15 و20 ألف عنصر أمني (...) وهناك أكثر من 13 ألف منتسب في الشرطة المحلية لم يعودوا إلى الخدمة رغم كل مطالباتنا ومناشداتنا للجهات الحكومية المعنية في بغداد». لكن عمر العلاف، وهو أحد القياديين في الحشد العشائري في شرق الموصل، يرفض انخراط وضم عناصر الحشد العشائري في الشرطة المحلية في نينوى «لأنها مخترقة من قبل الإرهابيين» بحسب قوله.
ولا يخفي المواطنون قلقهم من الوضع الأمني القائم. ويقول سائق سيارة الأجرة محمد سالم (33 عاما) في حي الكرامة بشرق الموصل إن «منازل ومتاجر عدة تعرضت للسرقة في الساحل الأيسر، كما اعتقل عدد من المواطنين من قبل جهات مجهولة ولا يعرف مصيرهم لحد الآن». ويشير سالم إلى أن «الموصل ما زالت مهددة من قبل الإرهابيين المتخفين بين الناس، خاصة في مناطق الموصل القديمة (غرب)».
وفي هذا الإطار يوضح قصي إحسان (26 عاما)، وهو موظف حكومي يسكن حي العربي بشرق الموصل، أن «تعدد تسميات القوات التي تحمل السلاح حاليا في الموصل سيربك وضعها الأمني ويهدد بصراعات مقبلة».
أهالي الموصل يكافحون لاستئناف الحياة وسط مخاوف أمنية
تعدد تسميات القوات التي تحمل السلاح هاجسهم
أهالي الموصل يكافحون لاستئناف الحياة وسط مخاوف أمنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة