مرحبا الأبواب مفتوحة للجميع... شعار اليوم المعماري المفتوح بفيينا، حيث سيستقبل 65 مبنى بالعاصمة النمساوية الزوار.
تفتح فيينا للجمهور سنويا أبواب بعض المقار الرسمية كمكتب الرئيس بقصر الهوفبورغ، ومكتبَي المستشار والبرلمان، وأبواب متاحف كثيرة في ليلة المتاحف الطويلة، إلا أنها ومنذ ثلاث سنوات فقط اقتبست من العاصمة البريطانية لندن فكرة اختيار مبانٍ معمارية مميزة، بما في ذلك مساكن خاصة، وفتح أبوابها وفق برنامج معين لمن يشاء زيارتها.
يعود التقليد اللندني إلى 25 عاما ومع نجاحه وتوسعه اكتسب سمعة لما يتيحه من فرص للتعلم والاكتشاف والترفيه، فانتشر وأصبح تقليدا سنويا في 35 مدينة حول العالم.
تقوم على تنظيم النسخة النمساوية لجنة استشارية تضم تخصصات مختلفة من معماريين ومؤرخين وإداريين وفني سياحة يختارون المباني المشاركة، وينسقون مع مسؤوليها وملاكها برنامج الزيارات وما يتوفر من معلومات، كما يساهم في إنجاح البرنامج عدد ضخم من المرشدين ومترجمين، بما في ذلك للغة الإشارة في بعض المواقع.
تم اختيار المباني، سواء تاريخية أو حديثة، عامة أو خاصة، لتميزها معماريا ولما يتيحه تقديمها من فرص لبرنامج يوافق رغبات ومعلومات مختلفة بجانب ما يعكسه من وجوه وأبعاد أخرى للمدينة، ونظامها العام وقوانينها ومساحاتها وانفتاحها وثقافاتها.
من المباني التاريخية التي تفتح أبوابها مبنى «المحكمة البوهيمية» التي كان مقرها الرئيسي الأسبق بمدينة براغ، ثم انتقلت في العام 1620 إلى فيينا بسبب اضطرابات عارمة اجتاحت براغ.
ظل المبنى يعمل محكمة تتبع لمملكة بوهيميا التي كانت جزءا أصيلا من إمبراطورية الهابسبرغ النمساوية، كما ضم مكاتب إدارية كانت تقوم بمهام أشبه بمهام وزارات الداخلية في أيامنا هذه.
تم تصميم المبنى في مجمله على نمط الباروك مزينا بشعار الأسد رمزاً لمملكة بوهيميا، كما تحمل أجزاء منه لمسات لفنون المعمار في القرن التاسع عشر بعد تجديدها جراء ما تعرضت له من دمار أثناء الحرب العالمية الثانية.
وكنموذج لمبنى بالغ الحداثة تم اختيار مبنى رئاسة نادي السيارات أو الـÖAMTC؛ إذ تم تشييده من الزجاج على شكل عجلة قيادة يحملها درج لولبي متعرج أسطواني بنتوءات تستخدم كمكاتب.
يتيح المقر لزواره فرص الاطلاع على طريقته في العمل من داخل مركزه للاتصالات الذي يعمل 24 ساعة دون انقطاع، وله 150 شاشة تتعامل مع 3 ملايين مكالمة هاتفية سنويا، وسقفه مهبط لطائراته المروحية.
ولكونها مدينة المسارح، سواء كانت إمبراطورية فخمة أم حديثة بسيطة، لن يخلو البرنامج من مسرح يفتح أبوابه. وفي هذا السياق، وقع الاختيار هذه المرة على مسرح أوديون باعتباره مبنى مميزا كان في سابق الزمان مقرا للبورصة الزراعية لتخزين وتبادل المنتجات الزراعية عن طريق المقايضة لعدم وجود أوراق مالية مطبوعة، ثم تطور به الأمر ليمسي أخيرا مبنى فنيا يضم مسرحا وغرف ممثلين وكومبارس وخياطة وماكياج ومقهى، وهكذا.
يتميز المبنى بأعمدته الثقيلة ونوافذه المقوسة وسقفه المجوف المرتفع الشاهق وهياكل مزخرفة؛ مما يضيف للدراما التي يقدمها كمسرح أبعادا تزيدها سحرا وعمقا.
من جانب آخر، وفي لمسات تعكس أقصى ما يمكن أن تقدمه الخبرة المعمارية، يفتح منزل سكني خاص أبوابه لمن يرغب في زيارة منزل لا تزيد مساحته على 49 مترا فقط، ويرتفع لثلاثة طوابق، بكل طابق غرفة نوم وحمام، وبالطبع له مطبخ وصالون. والأهم أنه يطل على مساحة خضراء ومنظر بانورامي خلاب لا تحجبه أسواره وجدرانه الزجاجية، كما يمتاز المنزل بجهاز استشعار لتنقيته.
ومن بين المساكن الشبابية الحديثة تم اختيار «العمارات الصفراء» وهي وحدات سكنية تم تشييدها العام الماضي من تصميم معماريين إسبان الجنسية فازوا بجائزة «أوروبان 7» التي نظمها الاتحاد الأوروبي تحت عنوان «تحدي الضواحي».
يعود اسم الوحدات ليس لجمالها، وإنما للونها الأصفر الفاقع، وتتكون كوحدات منفصلة 115 شقة كسكن مدعوم من تلك النوعية التي توفرها بلديات بأطرافها.
من مزايا العمارات الصفراء، إذا لم نتوقف كثيرا عند شكلها المعماري الذي يبدو كـ«صناديق»، أنها توفر مساحات مفتوحة وهواء طلقا وملاعب أطفال بجانب مواقع مشتركة كالمغاسل ومواقف سيارات كهربية.
من جانبها، تفتح أبوابها مستقبلة الزوار وحدة سكنية باسم «البيت السلبي»، وهذه فخورة بكونها مثالا لأحدث خبرة معمارية نجحت في توفير مواقع سكن رغم إزعاج الحياة الحديثة بما اعتمدته من مهارات هندسية تقاوم الأصوات والهزات والضجيج.
وتعود تسمية المبنى بـ«السلبي» لكونه مغلقا تحيطه واجهة تحمي سكانه من صوت وهزات قطار الأنفاق الذي يعبر من أمامه؛ إذ يقع مقابلا لمحطة شتادلاو، والخط 2 بمنطقة مولقروند.
وكمثال لمقدرات فيينا في الاستفادة من مبانيها الإمبراطورية العريقة وتحويل دواخلها إلى مقار حديثة تناسب احتياجات القرن الـ21 يفتح قصر سابق أبوابه، عارضا تجربته كمبنى يصلح مع التعديل لأكثر من غرض حديث؛ إذ استخدم مقرا للمصرف الوطني النمساوي، محتفظا بهيكله التاريخي الخارجي، في حين أدخلت تعديلات على باطنه بطريقة مميزة حافظت على سقوف الغرف التي تدخل ضوءا طبيعيا، وبإضافة خلفيات تتحرك أصبحت غرفة صالات واسعة تستخدم اليوم مستودعا تقنيا حديثا لحفظ وحماية بيانات المستشارية النمساوية.
مما يجدر ذكره، أن مقرا آخر لمصرف فيينا الوطني تم تحويله أخيرا مقرا فخما لفندق «بارك حياة»، مشترطين على إدارة الفندق استخدامه دون إحداث أي تغييرات أساسية في معماره؛ كونه مبنى تراثيا ضمن لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، وهكذا أمسى موقع الخزينة بهوا للفندق وغرفة الخزينة مطعمه، وما أروعه.
هذا، ولا يقتصر برنامج اليوم المعماري المفتوح على مبانٍ ومساكن نمساوية فحسب بل تشارك جهات أجنبية تفتخر بمقارها، ومنها المركز الثقافي الكوري والسفارة العراقية التي تمتلك قصرا فخما يقف قبالة أجمل الحدائق العامة بالمدينة (الاشتات بارك)، تقدم السفارة في هذا الإطار برنامجا يحمل طابع حضارات عراقية متنوعة. وهكذا يوفر البرنامج المعماري المفتوح والمجاني فرص جولات من الداخل لمبانٍ مميزة، وليس فقط النظر سريعا عبر الجدران والواجهات المحروسة.
فيينا تفتح أبواب مبانيها العامة للزوار
في يوم معماري سنوي تشارك فيه المقرات الحكومية والبنوك والسفارات
فيينا تفتح أبواب مبانيها العامة للزوار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة