«مكتوب حبي» لعبد اللطيف كشيش يحدق طويلاً

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (7): حكاية بلا تفاعلات

المخرج التونسي عبد اللطيف كشيشي مع مدير مهرجان فينيسيا السينمائي ألبرتو باربيرا قبل عرض فيلم «مكتوب حبي» (إ.ب.أ) - مشهد من فيلم «مكتوب حبي»
المخرج التونسي عبد اللطيف كشيشي مع مدير مهرجان فينيسيا السينمائي ألبرتو باربيرا قبل عرض فيلم «مكتوب حبي» (إ.ب.أ) - مشهد من فيلم «مكتوب حبي»
TT

«مكتوب حبي» لعبد اللطيف كشيش يحدق طويلاً

المخرج التونسي عبد اللطيف كشيشي مع مدير مهرجان فينيسيا السينمائي ألبرتو باربيرا قبل عرض فيلم «مكتوب حبي» (إ.ب.أ) - مشهد من فيلم «مكتوب حبي»
المخرج التونسي عبد اللطيف كشيشي مع مدير مهرجان فينيسيا السينمائي ألبرتو باربيرا قبل عرض فيلم «مكتوب حبي» (إ.ب.أ) - مشهد من فيلم «مكتوب حبي»

شوهد مرة ونصف (نصف مرة خلال عرضه الأول، ثم مرة ثانية في اليوم التالي)، وكان يكفيه نصف المرّة الأولى، لأن الفيلم إذ يبدأ بلا تبلور للأحداث أو للشخصيات يستمر على هذا النحو حتى مشهده الأخير.
إنه فيلم المخرج الفرنسي عبد اللطيف كشيش، وعنوانه «مكتوب حبي»، وهو مؤلف من 3 ساعات و6 دقائق، وليس أقل من طن من الحوار، مما يعني أن السيناريو كان يحتاج لقوة بدنية لحمله. المخرج نفسه أبلغ المدير العام للمهرجان، ألبرتو باربيرا، بأنه لم يستخدم كل ما صوّره، وربما حقق جزأين لاحقين، مما يدفع للتساؤل عما إذا كان الاثنان هما الوحيدان السعيدان بهذا الفيلم.
منذ أول أفلامه المشهورة «سمك بالكُسكُسي يا سمك» (2007)، والمخرج يميل إلى المطولات، سواء أكانت بصرية أم حوارية، لكن ذلك الفيلم الذي أثار عاصفة من الإعجاب، حمل ناحيتين لم تتكررا على النحو الجيد ذاته في أي من أعماله اللاحقة: الجالية العربية وبيئتها، وسرد الحكاية على نحو تتبلور فيه كمضمون وكحالات إنسانية. لا يعني ذلك أن على المخرج الانصراف إلى الحديث عن المهاجرين من تونس (موطن المخرج أصلاً) في كل فيلم، لكن في ابتعاده شيء من التجاهل، خصوصاً أن اختياراته لمواضيعه خلال السنوات العشر لم تتعاطَ مسائل اجتماعية آنية، بقدر ما صورت حالات اجتماعية مفتوحة، ولو حاضرة.
لكن الخيط غير الرفيع الذي حافظ عليه كشيش منذ ذلك الفيلم هو تلاعبه بالجسد. «سمك بالكسكسي» عشر دقائق من الرقص الشرقي المثير الذي وفّرته الممثلة حفصية حرزي (ذابت بعد ذلك في أفلام فرنسية مختلفة بعد بارقة نجاح واعد). بناء على نجاح هذا الفيلم، قام المخرج بتحقيق فيلم متوسط الطول (45 دقيقة)، مبني على حياة راقصة في ملهى، مع حرزي في الدور أيضاً.
«فينوس سوداء» (شوهد هنا سنة 2010)، كان حول الحياة (الحقيقية) لامرأة أفريقية اقتيدت، في مطلع القرن الثامن عشر، لتكون فقرة في ألعاب السيرك في بريطانيا، ثم لتكون عاهرة في باريس، لكي تنتهي كجزء من بحث علمي حول النشأة والتطور من منظور عنصري بالكامل. في هذا الفيلم طرح جاد لموضوع يتجاوز المعطيات الواقعية إلى تلك الفكرية. في الوقت ذاته، هو فيلم عن ذلك الجسد.
ثم فتح المخرج باب الحديث عن الجسد على مصراعيه في فيلمه المفجع «الأزرق أكثر الألوان دفئاً»، الفيلم الذي نال سعفة «كان» الذهبية سنة 2013.
لا الحديث بعينه، بل ذلك البصري حول حب شبق بين امرأتين داوم المخرج تصويرهما في المخدع لمعظم ساعاته الثلاث. وبضم هذا الفيلم الجديد الذي يصور الأجساد في حالات شتى، فإن الواضح أن المخرج لديه حالة عاطفية أو نفسية مع جسد المرأة.
«مكتوب حبي» هو عن أمين (شاهين بومدين) الشاب الباريسي الذي يمضي إجازة على شاطئ البحر المتوسط. الفيلم يبدأ به يقود دراجته الهوائية في ربوع بلدة سيت (Sète)، قاصداً بيت صديقة (لم تربطه بها علاقة) اسمها أوفيللي (أوفيللي باو)، ليجدها منهمكة في ممارسة الحب مع شاب تونسي آخر، يحمل اسم طوني (سليم كشيوش). يسترق السمع والبصر، لكن كاميرا المخرج لن تفوّت الفرصة للانتقال إلى داخل البيت لمتابعة التفاصيل!
يستطيع مخرج متمكن من حذف كل هذه البداية لأنها بالكاد تحتوي على ما يرتبط بما سيلي؛ هي ليست حتى ضرورية لتقديم أمين الذي سيتصرف كما لو أنه وصل للتو بعدما انتهى المشهد الداخلي. أوفيللي ستفتح الباب الأمامي، وطوني سيفر من الباب الخلفي. لاحقاً أمين وقريبه طوني سوف يجالسان فتاتين على الشاطئ؛ كل منهما سينجذب إلى واحدة، وبذلك يبدأ سجال لا ينتهي من المشاهد الطويلة المملوءة بالحوار المثرثر. صحيح أن الثرثرة هي في حياة كثير منا، لكن هذه الثرثرة لا تنقل الحياة إلا من الخارج. بخلو الحوار، ولاحقاً كما سندرك سريعاً الأحداث، من أي طرح مهم في أي شأن (على الأقل كانت أفلام الشواطئ التي أخرجها إريك رومير مبهجة، ولها مقصد فكري مباشر).
خلال ذلك وبعده، وصولاً إلى مشهد لا ينتهي أيضاً للشباب والبنات (الأربعة صاروا أربعين) يقع في ملهى ليلي، كاميرا ماركو كرازيابلينا لا تكف عن التحديق بالأجساد.
لدى أمين عواطف إيجابية بلا ريب؛ إنه يحدق في جسد أوفيللي تحت البلوزة والجينز الضيقين. وحين يتعرف على فتاة الشاطئ التي تبادله الاهتمام، يراقبها وقد «لطشها» سواه.
مهما كانت دوافع المخرج الذاتية وراء الاهتمام بتصوير أجساد نسائه، وحاجته الدفينة لهذا الفيلم وسابقه، فإنه لا شيء يبرر أسلوباً قائماً على عدم الرغبة في شحن ما يدور بطاقة درامية مواكبة. المناطق الوحيدة التي يختفي فيها الحوار هي مشاهد الرقص، وفي أخرى قليلة تصوّر أمين كشاب هادئ يقترب من الحياة التي يعيشها ابن عمّه طوني بقدر ما يبتعد؛ إنه رومانسي لكن ذلك بحد ذاته ليس بعداً، بل مجرد حالة.


مقالات ذات صلة

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
سينما بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

يأتي فيلم «سعود وينه؟» بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.