أعلنت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، أمس، أن مجلس الأمن سيجري خلال هذا الأسبوع نقاشا حول مشروع قرار يفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية، على أن يعرض للتصويت الاثنين المقبل.
وتؤيد فرنسا وبريطانيا واليابان فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية، في حين لم يعرف بعد موقفا موسكو وبكين اللتين أدانتا التجربة النووية السادسة التي قامت بها كوريا الشمالية أول من أمس.
في غضون ذلك، أعلنت سيول أمس أنها رصدت مؤشرات تفيد بأن كوريا الشمالية تعد لعملية إطلاق صاروخ باليستي جديد، فيما عززت دفاعاتها غداة قيام بيونغ يانغ بأكبر تجربة نووية وإعلانها أنها قنبلة هيدروجينية.
واستعرضت هايلي سلسلة العقوبات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي ضد كوريا الشمالية منذ عام 2006. وأشارت إلى أن تصرفات بيونغ يانغ وتجاربها الصاروخية وتهديداتها النووية تشير إلى أنها تستجدي لإشعال حرب باستخدام الصواريخ. وأوضحت أن بلادها لا تسعى للحرب، لكن «للصبر الأميركي حدود، وسندافع عن بلادنا وحلفائنا»، على حد قولها.
وطالبت هايلي في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي باتخاذ أقوى التدابير الممكنة، وقالت: «يكفي ما وصلت إليه الأمور، وآن الأوان لوقف (نصف الإجراءات) في مجلس الأمن ولاستنفاد جميع الوسائل الدبلوماسية». وقالت إنه رغم جهود مجلس الأمن على مدى 24 عاما، فإنه «أصبح البرنامج النووي لكوريا الشمالية أكثر تقدما وأكثر خطرا عما سبق، ولديهم إمكانات صواريخ عابرة للقارات، فضلا عن ورود تقارير عن أن بيونغ يانغ تحضّر لاختبار آخر لصواريخ عابرة للقارات».
وأعربت هايلي عن خيبة أمل المجتمع الدولي في الأسابيع الأخيرة من ازدياد التصرفات العدائية من جانب كوريا الشمالية، وقالت إن «اتّباع نهج تدريجي في التعامل مع الطموحات النووية لكوريا الشمالية وإجراء حوارات، قد يفشل. وقد دفعنا ذلك (الحلول الدبلوماسية) على طول الطريق، ولم يعد هناك أي طريق آخر». وطالبت السفيرة الأميركية باتّخاذ أقصى وأقوى العقوبات بوصفها أفضل الطرق الدبلوماسية، وشددت على أن بلادها ستعد أن أي دولة لديها تعاملات تجارية مع كوريا الشمالية هي دولة توفر موارد مالية لدولة مارقة تستخدمها في برامجها النووية.
ووزعت مندوبة الولايات المتحدة مشروع قرار، يتضمن فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية، على الدول الخمس عشرة الأعضاء بالمجلس، للتشاور بشأنه وإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي ضد كوريا الشمالية بحلول الاثنين المقبل. وبذل المجتمع الدولي جهودا عدة للحيلولة دون القيام بعمل عسكري، من أجل وقف كوريا الشمالية، لكن العقوبات الاقتصادية أو العزلة الدولية لم تؤد في نظر الأميركيين إلى نتائج مرضية.
وقبل جلسة مجلس الأمن بساعات، حذّرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من رد عسكري واسع النطاق. وأكّد جيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي عقب اجتماع فريق الأمن القومي بالبيت الأبيض أن كوريا الشمالية ستواجه «ردا عسكريا هائلا»، إذا هددت الولايات المتحدة أو حلفاءها. وقال: «لقد عقدنا اجتماعات لفريق الأمن الوطني مع الرئيس ونائبه بشأن أحدث استفزاز في شبه الجزيرة الكورية، ولدينا كثير من الخيارات العسكرية. ويريد الرئيس إحاطته بكل خيار متاح». وتابع: «لقد أوضحنا أن لدينا القدرة على الدفاع عن أنفسنا وحلفائنا (كوريا الجنوبية واليابان) ضد أي هجوم»، مضيفا أن «أي تهديد للولايات المتحدة أو أراضيها، بما في ذلك قاعدة غوام، أو حلفائنا، سيواجه باستجابة عسكرية هائلة ورد فعل فعّال وساحق».
بدوره، حذر البيت الأبيض كوريا الشمالية الأحد من أن واشنطن لن تتوانى عن استخدام كل إمكاناتها، بما في ذلك السلاح النووي، إذا ما واصل نظام كيم جونغ أون تهديداته لواشنطن أو حلفائها.
وقالت الرئاسة الأميركية في بيان إن «الرئيس ترمب جدد التأكيد على التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن بلادنا وأراضينا وحلفائنا بكل ما لدينا من إمكانات دبلوماسية وتقليدية ونووية».
في المقابل، رأت الصين وروسيا أمس أن الأزمة مع كوريا الشمالية ينبغي أن تحلّ بشكل سلمي، بحسب ما أعلن مندوبا البلدين لدى مجلس الأمن الدولي، من دون الحديث عن اتخاذ إجراءات جديدة ضد بيونغ يانغ. وقال سفير الصين لدى مجلس الأمن لو جيي: «ندعو كوريا الشمالية إلى الحوار». وأضاف في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن حول كوريا الشمالية: «بفضل الحوار، يمكننا أن نتوصل إلى جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة منزوعة السلاح النووي».
وجدد الاقتراح الصيني - الروسي بوقف المناورات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، مقابل أن تعلّق كوريا الشمالية برنامجها النووي، وهو ما ترفضه واشنطن.
والصين هي الداعم الأول لكوريا الشمالية، ووجهة 90 في المائة من صادراتها.
ودعا كذلك المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا للحوار في سبيل حلّ الأزمة مع كوريا الشمالية. وقال إن بلاده «تدعو كل الأطراف إلى الحوار واستئناف المفاوضات». وأضاف: «ليس هناك حل عسكري»، مشددا في الوقت نفسه على أن كوريا الشمالية تعاملت «بازدراء» مع القرارات الدولية. وشدد على «ضرورة الحفاظ على الهدوء» و«عدم الانجرار وراء المشاعر، والعمل بشكل هادئ ومتوازن» فيما يبدو أنه تلميح للرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي توعّد كوريا الشمالية في الأسابيع الماضية «بالنار والغضب».
يذكر أن الصين قدمت احتجاجا رسميا أمس لدى كوريا الشمالية بعد التجربة النووية التي أجرتها الأحد، وعبرت عن استيائها من التهديدات الأميركية بوقف «كل المبادلات التجارية» مع الدول التي تتعامل مع بيونغ يانغ. وقال المتحدث باسم الخارجية غينغ شوانغ للصحافيين خلال مؤتمر صحافي إن «الصين قدمت احتجاجا قاسيا لدى الشخص المكلف شؤون سفارة جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية لدى الصين» في إشارة إلى كوريا الشمالية.
وأضاف أن «الصين تعارض تطوير جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية برنامجها النووي والباليستي، ونحن ملتزمون بنزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة. هذا الموقف معروف، كما أن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية تعلم هذا الأمر تماما».
وردا على التلويح الأميركي بقطع العلاقات التجارية مع الدول التي تتعامل مع كوريا الشمالية، قال الناطق باسم الخارجية الصينية إن «ما هو غير مقبول إطلاقا من جانبنا، هو أننا نبذل جهودا شاقة من جهة لتسوية سلمية للقضية (الكورية الشمالية)، ونرى من جهة أخرى مصالحنا تتعرض للخطر وتعاقب». وأكد أن «الأمر يجب ألا يكون كذلك، وهذا غير عادل»، مشددا على أن «الصين لا تريد أن تمس مصالحها».
واجتمع مجلس الأمن أمس في ثاني اجتماع طارئ يعقد خلال أقل من أسبوع، فيما يعدّ العاشر الذي يجتمع فيه لمناقشة ملف كوريا الشمالية هذا العام. وكان المجلس قد أصدر بيانا رئاسيا الأسبوع الماضي أدان فيه قيام بيونغ يانغ بإطلاق صاروخ فوق اليابان، إلا أن واشنطن تريد هذه المرة إصدار قرار دولي.
وأدلى رئيس الشؤون السياسية، جيفري فيلتمان، بإحاطة قبل انطلاق جلسة مجلس الأمن، قال فيها إن قوة التجربة النووية السادسة، التي بلغت 6.3 على مقياس ريختر، تفوق بـ5 أضعاف قوة القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما. وأكد فيلتمان في كلمته أن «التطورات الخطيرة الأخيرة تتطلب استجابة شاملة من أجل كسر دائرة الاستفزازات من جمهورية كوريا الشمالية»، مشددا على أهمية أن «تشمل هذه الاستجابة دبلوماسية حكيمة وجريئة لكي تكون فعالة».
وأضاف فيلتمان أن كوريا الشمالية وصفت هذا الحدث بأنه «نجاح تام في اختبار قنبلة هيدروجينية للقذائف العابرة للقارات»، وأنه خطوة كبيرة جدا في اتجاه استكمال القوة النووية للدولة.
كما أشار فيلتمان إلى ما ذكره الأمين التنفيذي للجنة التحضيرية لمنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في فيينا، من أن محطات المراقبة التابعة للمنظمة قد التقطت حدثا زلزاليا غير عادي في منطقة الموقع المستخدم للتجارب النووية السابقة بكوريا الشمالية.
وتابع فيلتمان أن رئيس كوريا الشمالية قد تفقد ما زعم أنها قنبلة هيدروجينية، التي عرضت بشكل واضح أمام قذيفة عابرة للقارات من طراز «هواسونغ 14»، مضيفا ما زعمته الدولة الكورية من أن «القنبلة الهيدروجينية هي سلاح نووي حراري متعدد الوظائف، وذو قوة تدميرية كبيرة يمكن تفجيرها حتى على ارتفاعات عالية».
على صعيد متصل، اتفق الرئيسان الأميركي والكوري الجنوبي دونالد ترمب ومون جاي إن، أمس، على إلغاء سقف القدرة الصاروخية لكوريا الجنوبية، وفق مكتب الرئاسة في سيول، في حين قرر مجلس الأمن الدولي عرض مشروع بفرض عقوبات على كوريا الشمالية للتصويت بعد أسبوع.
واتفق الرئيسان، وفق بيان الرئاسة الكورية الجنوبية، خلال اتصال هاتفي على رفع سقف القدرة الصاروخية «في موازاة» التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية الأحد. وكان يسمح لسيول سابقا بحيازة صواريخ باليستية لا يزيد وزن رأسها الحربي على 500 كيلوغرام، وفق اتفاق ثنائي مع الولايات المتحدة.
وكوريا الجنوبية التي تستضيف نحو 28.500 جندي أميركي، ممنوعة من بناء ترسانة نووية، بموجب اتفاق وقعته مع واشنطن في عام 1974 يمنحها في المقابل «مظلة نووية» ضد أي اعتداء محتمل، كما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وأعلنت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية أنها تعزز من دفاعاتها الوطنية، عبر عدة وسائل؛ من بينها نشر مزيد من الأنظمة الأميركية الدفاعية المضادة للصواريخ، مثل ذلك المعروف باسم «ثاد».
وأجرت سيول، أمس، مناورات عسكرية بالذخيرة الحية وأطلقت صواريخ باليستية في محاكاة لهجوم على موقع للتجارب النووية في كوريا الشمالية.