«داعشيان» من العراق وسوريا يرويان رحلتيهما مع التنظيم

«الشرق الأوسط» زارت مقر مكافحة الإرهاب في أربيل

«داعشيان» من العراق وسوريا يرويان رحلتيهما مع التنظيم
TT

«داعشيان» من العراق وسوريا يرويان رحلتيهما مع التنظيم

«داعشيان» من العراق وسوريا يرويان رحلتيهما مع التنظيم

راودني شعور غريب وأنا أجلس في مقر مكافحة الإرهاب في أربيل، وسط مئات من «الدواعش» الموزّعين على غرف السجن وزنزاناته. شعرت بإثارة كنت أعتقد أنها تصيب الصحافي المبتدئ وحده. لكنها أمراض المهنة وفي طليعتها الفضول الجارف. في الصباح كنت في مقر إقليم كردستان أحاور رئيسه مسعود بارزاني عن مستقبل الأكراد والعراق والتبعات الإقليمية لاستقلال أكراد العراق. وفي المساء وجدتني أستجوب معتقلين عن ظروف التحاقهما بتنظيم داعش.
في المقر مئات من المعتقلين غالبيتهم من العراقيين ثم السوريين، إضافة إلى عدد من جنسيات أخرى. مر فيه فرنسيون سُلّموا إلى حكومتهم. وسويديون سلّموا أيضاً إلى سلطات بلادهم. ولا يزال في المبنى ثلاثة من «الدواعش» الأميركيين أصحاب الخبرة في المجال الإلكتروني، أضيف إليهم حديثاً «صيد ثمين طازج» هو «داعشي» غير عربي وقع في قبضة البيشمركة أثناء محاولته الفرار من العراق إلى سوريا وقد كان له دور بارز في إدارة المعارك.
يخضع المعتقلون للتحقيق ويسلّمون إلى بلدانهم حين يكون ذلك متاحاً. أما الذين ارتكبوا جرائم على أرض الإقليم فيحالون على المحاكمة. ويتلقى المعتقلون زيارات دورية من الصليب الأحمر الدولي ومنظمات إنسانية وتوفّر لهم عناية طبية.
ساهمت اعترافات المعتقلين في كشف أشياء كثيرة عن «داعش» وأسلوب عمله وطريقته في التجنيد والترهيب وتنفيذ الأحكام. وهي كشفت عن أن التنظيم كان يعد مجموعات للتحرك لاحقاً في حال سقطت معاقله بأيدي القوات المهاجمة. لهذا هناك من يتوقع أن يستمر التنظيم في شن هجمات إرهابية في المنطقة والعالم.
شملت التدريبات للمرحلة المقبلة كيفية التصرف في المطارات وتزوير الجوازات والاختفاء في المدن وشراء المواد الضرورية لصنع المتفجرات فضلاً عن رصد الأهداف وتحديد ساعة الصفر للتنفيذ. وأوحت روايات المعتقلين أن العالم قد يشهد موجة أخرى من الإرهاب «ما لم يعالج وضع السنة في العراق وكذلك في سوريا».
تحدث معتقلون عن خيوط إقليمية تدير «داعش» أو تُحرّك أقساماً منه أو تؤثر عليه. لفت هؤلاء إلى علاقات غامضة على الحدود التركية - السورية. ولفتوا إلى أن «القاعدة» كانت حتى في أيام «أبو مصعب الزرقاوي» تقيم علاقات مع إيران عبر «والي ديالى» وأن هذه العلاقة استمرت في زمن «داعش».
وكشفت التحقيقات عن أن «أبو أيوب المصري» الذي خلف الزرقاوي كان وراء فكرة استقطاب أصحاب اختصاص. كما أوضحت أن فكرة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» انطلقت على يد ضباط عملوا في جيش صدام حسين «وانضموا إلى المقاومة و(القاعدة) و{داعش} رداً على السلوك الطائفي للحكم الجديد في بغداد». وعلم من إفادات المعتقلين أن فكرة الخلايا في المدن بدأت حين كلّف صدام ضابطاً يعرف بـ«الحاج سمير» في 1990 بإنشاء خلايا في المدن والمحافظات لتتولى المقاومة في حال سقوط بغداد في حرب الخليج الأولى. وقالوا إن «داعش» أفاد كثيراً من انضمام عسكريين إليه أصحاب خبرة في الأمن والاستخبارات والتصنيع العسكري.
حاورت في المقر «داعشياً» من العراق وآخر من سوريا، طلبا عدم نشر صورتيهما لكنهما وافقا على التقاط صور لهما بجوالي لأرشيفي الشخصي، وتخوّفا من عواقب نشر اسميهما الصريحين على عائلتيهما واتفقنا على الاكتفاء بالحروف الأولى.
حاورت الرجلين في مكتب بالمقر وبحضور حارسين.
دخل ن. أ وألقى التحية. إنه عربي من مواليد 1990 في عامودا، قرب القامشلي السورية. تلقى علومه في الرقة وانتسب بعد البكالوريا في الفرع العلمي إلى معهد فني - مساحة. وقال: «أنا من عائلة تتشكل من أربعة شبان وأربع فتيات. قطعت دراستي بسبب اندلاع الثورة. شاركت في المظاهرات السلمية في البداية على أمل تغيير النظام الذي أعتبره مستبداً وفئوياً. لم أكن بعثياً وإن كانوا سجلونا في الحزب أوتوماتيكيا طلابا».
وأضاف: «عندما تحوّلت المواجهة عسكرية قاتلت في الرقة في صفوف الجيش الحر وكان خالي المسؤول المباشر عني. بعدها أخرج الجيش الحر من المحافظة فالتحقت بـ(داعش)». وقال: «التحقت لأنني أريد مواصلة القتال ضد النظام. ثم لأن {داعش} طرحت نفسها مدافعا عن السنة ضد وحشية النظام. وكذلك للحصول على راتب وكنت أتقاضى 50 دولاراً شهرياً. في البداية كان المسؤول عنا أبو علي الشايب ولاحقاً جاء آخرون. أمضيت ثلاث سنوات مع (داعش) شاركت خلالها في عمليات ضد الجيش الحر في ريف الرقة».
وأضاف: «أخضعت لدورات إعداد ديني كانت تركّز على التوحيد والجهاد وقتال الكفار والروافض والجيش السوري. وأخضعت لدورة عسكرية دربوني خلالها على السلاح الفردي وعلى إطلاق القذائف والرمي بالدوشكا. لم يكن السوريون متشددين أصلاً. كرههم للنظام وعمليات التدمير التي كان يقوم بها دفعت كثيرين إلى أحضان (داعش). وخلال الفترة رأيت مقاتلين من جنسيات مختلفة. من الشيشان وأوروبا والمغرب والجزائر والخليج. لاحظت أن المقاتلين يكنون ولاء غير محدود للبغدادي وأن سلوك المقاتلين الأجانب يتميز بالعنف الشديد».
وروى: «في العام الماضي طلب مسؤول من خمسة منا التسلل إلى إقليم كردستان العراق في مهمة أمنية. دوري الشخصي كان أن أتقرب من البيشمركة وأكسب ثقتهم وأعدهم بتزويدهم معلومات عن الرقة على أن أتحوّل عميلاً مزدوجاً مهمته التجسس على البيشمركة. وقعنا في كمين في منطقة الحدود واعتقلنا في أغسطس (آب) الماضي، أي قبل سنة».
نفى أن يكون شارك في أي عمليات ذبح وقال إنه كان يتفادى الذهاب إلى ساحات تنفيذ الأحكام لكنه شاهد مرة قرب بيت عمه جثتين لشخصين اتهما بتشكيل خلية تابعة لـ«الجيش الحر». قال إنه نادم على الالتحاق بـ«داعش» لكنه غير نادم على مقاتلة النظام. أكد أنه غير قادر على العودة إلى سوريا في حال الإفراج عنه ويفضّل الالتحاق بشقيقه الطبيب في تركيا ليشكل عائلة هناك.
قبل المغادرة تمنى علي ألا أنشر صورته أو اسمه كاملاً «فلا {داعش} يرحم ولا النظام يرحم»، فأكدت له واكتفينا بلقطة «سيلفي» وداعية.

«الداعشي» الآتي من تلعفر
دخل «ج. و» مستغرباً بعض الشيء. ألقى التحية وجلس. قال: «أنا من سكان بغداد لكن أصلي من قضاء تلعفر. من مواليد فبراير (شباط) 1986. درست في بغداد حتى المرحلة المتوسطة ثم عملت مع والدي في شركة تجارة أجهزة كهربائية. شهدنا في بغداد ما تعرّض له السنة خصوصاً في سنوات حكم نوري المالكي من تمييز واغتيالات وتهميش. تصوّر أنني لم أكن أجرؤ على الخروج وقد عشت في الكرادة ومناطق أخرى. زوّرت بطاقة باسم نبراس آزاد وأوحيت أنني مسيحي كردي وصرت أتجول بها. في هذا الجو من الخوف والتصفيات وأنباء العثور على جثث، شجعني شقيقي صفاء على الالتحاق بـ(داعش) وهو سبقني في هذا الطريق وهكذا كان».
وأضاف: «التحقت بالتنظيم في 2015 في تلعفر وانتميت إلى خلية. اعتبرت جندياً في البداية ثم تحولت إدارياً يخدم في كتيبة. وفي تلعفر شاهدت مقاتلين من تركيا وطاجيكستان وأذربيجان والشيشان فضلاً عن أوروبيين وآخرين من منطقة المغرب العربي وبعض الخليجيين».
وتابع: «أنا نادم لأنني خُدعت كما خدع كثيرون غيري. اعتبرنا أن السنة يتعرضون لمحاولة اقتلاع وأن (داعش) سيدافع عنهم خصوصاً بعدما صارت بغداد محكومة بميليشيات طائفية إيرانية الهوى. واكتشفنا لاحقاً عن أن (داعش) أخطر أداة لتدمير السنة وأن عمليات الإفراج عن الإسلاميين من سجون عراقية وسورية كان الغرض منها تمكين (داعش) من التوسع لاستخدام ذلك لاحقاً ذريعة للتدمير والتهجير والقتل. كل الخسائر البشرية والمادية وقعت في مناطق السنة».
واتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بأنه «تعمّد دفع السنة إلى أحضان {داعش} لتنفيذ ثأر قديم يرمي إلى تغيير طبيعة بغداد والعراق وتدمير المناطق السنية وهذا ما حصل أخيراً في العراق. وقع بعض السنة في الفخ لاعتقادهم أن (داعش) قد يرد الميليشيات الشيعية عنهم كما التحق آخرون بسبب التطرف الديني أو ضمان الرواتب أو الزواج المتكرر ووعود الجنة».
قال إن «العيش في ظل (داعش) فظيع وكئيب وإنهم يعاقبون الناس بلا رحمة ولا يقبلون أقل من الطاعة الكاملة. تصوّر أن رجلاً مسناً حاول العبور بعائلته إلى إقليم كردستان هرباً من العنف والجوع فقتلوه على الفور لأنه ذاهب إلى الكفار كما قالوا».
سلّم نفسه إلى سلطات الإقليم قبل خمسين يوماً وقال إنه لا يعرف شيئاً عن شقيقه «الداعشي» الذي كان يعمل عسكرياً في دوريات التنظيم. وكشف عن أن أمه زارته في المعتقل ونقلت إليه تهديداً من عمه «الداعشي» بتصفيته في أول فرصة.
وأشاد بالمعاملة التي يلقاها في الإقليم آملاً في أن يبقى فيه يعد الإفراج عنه و«كي لا أضطر إلى اللجوء إلى أجزاء من أرض العراق بلد الشقاق والنفاق».
إنها مجرد قصص صغيرة من بحر من الآلام أطلقه «داعش». استوقفني الكلام أن نسخة جديدة من «داعش» قد تولد لاحقاً ما لم تقم دول تتسع لكل مكوناتها.


مقالات ذات صلة

إردوغان يلوح لأوروبا بالأمن... وحزب كردي يطالب بحرية «أوجلان»

شؤون إقليمية إردوغان متحدثاً أمام السفراء الأجانب في تركيا (الرئاسة التركية)

إردوغان يلوح لأوروبا بالأمن... وحزب كردي يطالب بحرية «أوجلان»

دعا حزب تركي مؤيد للأكراد إلى تخفيف ظروف سجن زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان حتى يتمكن من القيام بمهامه في الدعوة التي أطلقها لحلّ الحزب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي مقاتلون حوثيون يستعرضون قوتهم في صنعاء باليمن... 21 سبتمبر 2024 (رويترز) play-circle

الخارجية الأميركية تصنّف جماعة الحوثي اليمنية «منظمة إرهابية أجنبية»

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، اليوم (الثلاثاء)، أنها صنّفت جماعة الحوثي في ​​اليمن، المعروفة رسميا باسم «أنصار الله»، «منظمة إرهابية أجنبية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جانب من المباحثات التركية - البريطانية في أنقرة (الخارجية التركية)

تركيا طالبت خلال محادثات مع بريطانيا برفع كامل للعقوبات الغربية

أكدت تركيا ضرورة رفع جميع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا ودعم شعبها في المرحلة التي تسعى فيها إلى استعادة عافيتها

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا أفغان ينتظرون عبور معبر تورخام المغلق مع باكستان، حيث تبادلت القوات الباكستانية والأفغانية إطلاق النار بين عشية وضحاها في تورخام بأفغانستان يوم الاثنين 3 مارس آذار 2025 (أ.ب)

تراجع الاشتباكات بين باكستان وأفغانستان وآلاف يبحثون عن مأوى

قال سكان ومسؤولون إن اشتباكات اندلعت خلال الليل بين قوات الأمن الباكستانية والأفغانية عند معبر الحدود الرئيسي بين البلدين تسببت في فرار آلاف السكان من منازلهم

«الشرق الأوسط» (بيشاور (باكستان))
أوروبا قوات خاصة من الشرطة تفتش شقة في لودفيغسهافن حيث يقال إن سائق مانهايم الذي صدم حشداً من الناس كان يعيش فيها وفي 3 مارس قاد مشتبه به يبلغ من العمر 40 عاماً سيارته نحو مجموعة من الناس في وسط مدينة مانهايم ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة آخرين (د.ب.أ)

ألمانيا: مقتل شخصين وإصابة آخرين بعملية دهس نفذها «مريض نفسي»

قُتل شخصان، وأصيب 11 آخرون بجروح جراء دهس سيارة عدداً من المارة، ظهر الاثنين، في وسط مدينة مانهايم غرب ألمانيا، حسبما أفادت الشرطة التي أوقفت المشتبه به.

«الشرق الأوسط» (مانهايم)

«قمة فلسطين» بالقاهرة ترفض «التهجير» وتدعو ترمب لدعم مسار السلام

TT

«قمة فلسطين» بالقاهرة ترفض «التهجير» وتدعو ترمب لدعم مسار السلام

صورة جماعية للقادة والرؤساء وروؤساء الوفود المشاركين في اجتماع القمة العربية الطارئة بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
صورة جماعية للقادة والرؤساء وروؤساء الوفود المشاركين في اجتماع القمة العربية الطارئة بالقاهرة (الرئاسة المصرية)

مؤكدين رفض «تهجير» الفلسطينيين، وآملين في تعاون وثيق مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق السلام في المنطقة، اجتمع قادة وزعماء الدول العربية، الثلاثاء، بالقاهرة، في «قمة غير عادية» حملت عنوان «قمة فلسطين».

وجاء انعقاد «القمة الطارئة» بناءً على طلب فلسطين؛ بهدف الخروج بخطة بديلة، رداً على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، وتحويل القطاع «ريفييرا الشرق الأوسط».

في هذا الصدد، اعتمدت مسودة البيان الختامي للقمة «الخطة المصرية لمستقبل غزة»، ودعت المجتمع الدولي والمؤسسات المالية إلى «تقديم دعم سريع للخطة المصرية»، بحسب ما نشرته قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية.

وفي إطار مواجهة مخططات «التهجير»، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمته، إنه «بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، تم تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة من الفلسطينيين الإداريين والتكنوقراط توكل لها إدارة قطاع غزة والإشراف على الإغاثة مؤقتاً»، مشيراً إلى أن «القاهرة تعكف على تدريب الكوادر الأمنية الفلسطينية لتولي مهام الأمن في المرحلة المقبلة».

وأضاف السيسي أن «مصر عملت بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والمؤسسات الدولية المعنية على بلورة خطة لإعادة الإعمار تتضمن الإغاثة العاجلة والتعافي المبكر وصولاً لإعادة الإعمار»، داعياً إلى «اعتماد الخطة المصرية».

وأشار السيسي إلى أنه «بالتوازي مع خطة إعادة الإعمار، لا بد من إطلاق مسار خطة للسلام من الناحيتين الأمنية والسياسية»، داعياً إلى «اعتبار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل نموذجاً لتحويل حالة العداء والحرب والرغبة في الانتقام إلى سلام». وقال: «مصر دشنت السلام منذ خمسة عقود وحرصت عليه، وهي لا تعرف سوى السلام القائم على الحق والعدل وعدم خلق واقع طارد للسكان خارج أراضيهم».

وأعرب الرئيس المصري عن ثقته في قدرة نظيره الأميركي دونالد ترمب على تحقيق السلام فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن «القاهرة سوف تستضيف مؤتمراً لإعادة إعمار غزة الشهر المقبل».

وأكد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في كلمته، رفض بلاده «أي محاولات للتهجير والاستيطان»، مشيداً بـ«مبادرة مصر بشأن قطاع غزة»، داعياً إلى «دعم الخطة المصرية التي تسهم في تقوية روابطنا الأخوية وحماية أمننا القومي وتعزيز قدرتنا على مجابهة التحديات بما يحفظ مكتسباتنا التنموية».

وقال إنه «تأكيداً على ما جاء في (قمة البحرين)، فإن التمسك بمسار السلام الدائم والشامل، هو الضامن لينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في تقرير المصير استناداً لحل الدولتين كما أكدت المبادرة العربية للسلام وجميع القرارات الدولية في هذا الشأن».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (على اليمين) يرحب بملك الأردن عبد الله الثاني قبل «القمة العربية» بشأن غزة (أ.ف.ب)

وأكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن اجتماع القاهرة يستهدف التأكيد على أربعة محاور، وهي الرفض التام للتهجير والتأكيد على دعم خطة واضحة لإعادة إعمار غزة ضمن جدول زمني تُعرض على الشركاء الفاعلين لكسب الدعم والتأييد الدولي، وثانياً دعم جهود السلطة الفلسطينية في الإصلاح وإدارة قطاع غزة وربطها بالضفة وتوفير الخدمات وتحقيق الأمن.

وأضاف أن «المحور الثالث يتعلق بوقف التصعيد الخطير في الضفة لمنع تفجير الأوضاع، ورابعاً التأكيد على أن حل الدولتين لتحقيق السلام العادل والشامل».

ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نظيره الأميركي إلى «دعم خطة إعادة إعمار غزة». وقال إن «دور دولة فلسطين مهم في قطاع غزة من خلال المؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية للسلطة التي ستتسلم مسؤوليتها بعد هيكلة وتدريب كوادرها في مصر والأردن». وأكد أهمية «اعتماد الخطة المصرية - العربية لإعادة إعمار غزة، وتشكيل صندوق ائتمان دولي لإعادة الإعمار وإنجاح المؤتمر الدولي لإعادة الإعمار في مصر».

ودعا إلى «تكليف اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية بإجراء اتصالات وزيارات لعواصم العالم لشرح خطة إعادة الإعمار والتأكيد على دور السلطة الفلسطينية في غزة والعمل من أجل انسحاب إسرائيل من غزة».

وفي سياق الداخل الفلسطيني، أعلن عباس تعيين نائب للرئيس ولمنظمة التحرير الفلسطينية.

وقال عباس «قررنا استحداث منصب جديد وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين». وأكد الرئيس الفلسطيني في كلمته أمام القمة إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة «فتح»، كما أعلن جاهزيته لإجراء انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية، خلال العام المقبل حال توفرت الظروف الملائمة لذلك، في غزة والضفة والقدس الشرقية.

فلسطينيون نازحون من وسط قطاع غزة يعودون إلى منازلهم في شمال القطاع (أ.ب)

بدوره، عدَّ الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، القمة «حدثاً مهماً في تاريخ القضية، قضية شعب ظُلم ولا يصح أن يظلم مرة أخرى بأن يقتلع من أرضه»، وهي قمة عنوانها «ألا ترتكب في حق الفلسطينيين نكبة جديدة وأن يحفظ للشعب حقه في الاستقلال والحرية والعيش الكريم وتقرير المصير».

وقال أبو الغيط إن «إعادة إعمار غزة نضال نختار أن نخوضه، وإعمار غزة ممكن بوجود أهلها... ممكن إن صمت السلام وانسحبت إسرائيل من القطاع»، معرباً عن «تقديره لكل جهود السلام ولدور الولايات المتحدة التاريخي والحاضر». وأضاف، لكن «القبول بمشروعات غير واقعية يزعزع استقرار المنطقة ويقوض هيكل السلام الذي استقر فيها لعقود»، مجدداً «رفض منطق تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه».

ورحَّبت المسودة بعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة في القاهرة الشهر المقبل. ودعا القادة العرب، وفق المسودة، إلى إجراء انتخابات في المناطق الفلسطينية كافة خلال عام واحد إذا توافرت الظروف المناسبة لذلك.

وتتضمن «الخطة المصرية»، بحسب مسودة البيان الختامي نشرتها قناة «القاهرة الإخبارية»، قبل ساعات من انعقاد القمة، أن «تتولى لجنة غير فصائلية إدارة قطاع غزة لمدة 6 أشهر كفترة انتقالية».

ووفق الخطة، «ستكون اللجنة مستقلة ومكونة من شخصيات غير فصائلية (تكنوقراط) تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية»، و«سيجري تشكيل لجنة إدارة غزة خلال المرحلة الحالية تمهيداً لتمكينها من العودة بشكل كامل للقطاع وإدارة المرحلة المقبلة بقرار فلسطيني»، وتشير الخطة إلى أن «مصر والأردن يعملان على تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيداً لنشرها في القطاع». وأشارت الخطة إلى أنه «من المطروح دراسة مجلس الأمن فكرة الوجود الدولي بالأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وغزة». ودعت إلى «إصدار قرار بنشر قوات حماية حفظ سلام دولية بالأراضي الفلسطينية في سياق متكامل لإقامة الدولة الفلسطينية».

فلسطينيون في سوق أقيمت في الهواء الطلق قرب أنقاض المباني التي دمَّرتها الضربات الإسرائيلية (رويترز)

وكانت قمة البحرين التي عُقدت بالمنامة في مايو (أيار) الماضي، قد تضمنت دعوة مماثلة لـ«نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين».

وقالت «الخطة المصرية» إنه «يمكن التعامل مع معضلة تعدد الجهات الفلسطينية الحاملة للسلاح إذا أزيلت أسبابها من خلال عملية سياسية ذات مصداقية»، مؤكدة «ضرورة أن تصبّ الجهود المبذولة في تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية». ودعت إلى «إبرام هدنة متوسطة المدى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لفترة زمنية محددة بالمناطق الفلسطينية كافة».

وأكدت «الخطة المصرية» أن «حل الدولتين هو الحل الأمثل من وجهة نظر المجتمع والقانون الدوليين، وأن القطاع جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية»، كما أدانت «قتل واستهداف المدنيين، ومستوى العنف غير المسبوق والمعاناة الإنسانية التي خلفتها الحرب على غزة».

«الخطة المصرية» حثَّت كذلك على «ضرورة مراعاة حقوق الشعب الفلسطيني وبقائه على أرضه دون تهجير»، مشددة على «ضرورة تكاتف المجتمع الدولي من منطلق إنساني قبل كل شيء لمعالجة الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب». وركزت الخطة على الإشارة إلى أن «محاولة نزع الأمل في إقامة الدولة من الشعب الفلسطيني أو انتزاع أرضه منه لن تؤتي إلا بمزيد من الصراعات وعدم الاستقرار».

مراسلون عرب يشاهدون شاشة تظهر الرئيس المصري (على اليمين) يستقبل رئيس السلطة الفلسطينية (أ.ب)

وفي شأن الهدنة في القطاع، طالبت «الخطة المصرية» بـ«ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة». وقالت: «سيكون من أبرز آثار انهيار وقف إطلاق النار إعاقة الجهد الإنساني وعملية إعادة الإعمار»، مشيرة إلى أن «تنفيذ إعادة الإعمار يتطلب ترتيبات للحكم الانتقالي وتوفير الأمن بما يحافظ على آفاق حل الدولتين».

وذكرت أن هناك «أهمية كبيرة للعمل على مقترح تدريجي يُراعي الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه، فضلاً عن ضرورة مراعاة حقه في تحقيق تطلعاته المشروعة بإقامة دولته مُتصلة الأراضي بقطاع غزة والضفة»، ومطالبة بضرورة «التعاطي مع القطاع بأسلوب سياسي وقانوني يتسق مع الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن». وطالبت الخطة المصرية بضرورة «بدء التفكير في كيفية إدارة المرحلة المقبلة للتعافي المبكر بما يضمن الملكية الفلسطينية». وأكدت أهمية «استمرار جهود السلطة الفلسطينية لاتخاذ مزيد من الخطوات لتطوير عمل المؤسسات والأجهزة الفلسطينية».

ووفق «الخطة المصرية»، سيتم توفير سكن مؤقت للنازحين في غزة خلال عملية إعادة الإعمار، ومناطق داخل القطاع في 7 مواقع تستوعب أكثر من 1.5 مليون فرد، بحسب ما نقلته «القاهرة الإخبارية». وتتكون «الخطة المصرية» من نحو «112 صفحة تتضمن خرائط توضح كيفية إعادة تطوير أراضي غزة وعشرات الصور الملونة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لمشاريع الإسكان والحدائق والمراكز المجتمعية، وميناء تجاري ومركز للتكنولوجيا وفنادق على الشاطئ، بحسب وثيقة حصلت عليها «رويترز»، أشارت إلى أن تكلفة إعادة الإعمار ستبلغ 53 مليار دولار.