من غير المعتاد أن تخرج دائرة اهتمام مجلة «ملادينا» عن الأحياء المحيطة بليوبليانا عاصمة سلوفينيا، وذلك رغم أن المجلة التي كانت تعد فيما سبق الصحيفة الناطقة باسم تيار الشباب داخل الحزب الشيوعي اليوغسلافي أصبحت اليوم المجلة السياسية الأبرز داخل سلوفينيا. وعليه، بدا من الطبيعي تماماً أن يظهر الرئيس السلوفيني لـلاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا»، ألكسندر تشيفرين، على صفحات المجلة ويجري معها مقابلة تحدث خلالها عن إمكانية فرض حد أقصى للأجور؛ الأمر الذي أثار اهتمام الكثيرين ليس داخل سلوفينيا فحسب، وإنما أيضاً خارج حدودها.
وقال تشيفرين: «في المستقبل، سيتعين علينا أن ننظر بجدية إلى إمكانية فرض قيود على الميزانيات التي تخصصها الأندية لأجور اللاعبين. إن الأندية الأكثر ثراءً تزداد ثراءً، وتتفاقم الفجوة بينها وبين باقي الأندية». وفي إطار حديث أوسع نطاقاً دار حول قضايا سياسية وأخرى تتعلق بالنخبة وغياب المساواة، بدا تشيفرين حريصاً على توضيح أن أي من هذه الخطط ستلقى مقاومة كبيرة. وأضاف: «إن أصحاب النصيب الأكبر من المال هم الأقوى ويملكون العلاقات الأفضل على الصعيد الإعلامي. وإذا ما نجحنا في مساعينا، فإن هذا سيكون بمثابة تحول تاريخي».
من ناحية أخرى، فإنه بالنسبة للكثير من مشجعي كرة القدم، تحظى فكرة فرض حد أقصى على الأجور بقدر هائل من التأييد، ومع ذلك يرونها أقرب إلى المستحيل. ومن شأن وجود مبلغ ثابت لإنفاقه على اللاعبين سنوياً ضمان الأمن المالي للأندية، وخلق فرصة واقعية أمام كل نادٍ لأن يصبح بطلاً للبطولة التي يشارك بها.
المؤكد أن تشيفرين لم يصبح المسؤول الإداري الرياضي الأبرز على مستوى سلوفينيا دون امتلاكه مهارات سياسية كبيرة، وكان محقاً تماماً في الإدلاء بهذه التصريحات بنبرة حذرة. المؤكد أن فرض حد أقصى على مجمل الرواتب بمجال كرة القدم، سواء كان ذلك على مستوى بطولات «يويفا» أو بطولات الدوري المحلية في أوروبا، لن يكون بالمهمة اليسيرة، وبخاصة أن الأندية الثرية ناجحة بالفعل وتجني عائدات كبيرة تمكنها بسهولة من دفع مكافآت للاعبيها أفضل بكثير عن خصومها؛ الأمر الذي سيخلق صعوبة كبيرة في إقناعها بالتخلي عن هذه الميزة.
بيد أنه في واقع الأمر تأتي جهود التنظيم المالي الأكبر في كثير من الصور والأحجام. والملاحظ أنها قائمة بالفعل عبر غالبية النشاطات الرياضية، بما في ذلك كرة القدم الإنجليزية. جدير بالذكر، أن أندية دوري كرة القدم تعمل حالياً في ظل ما يمكن وصفه بحد أقصى «ناعم» للأجور في ظل «بروتوكول إدارة تكاليف الرواتب»، والذي بمقتضاه يتعين على الأندية المشاركة في دوري الدرجة الأولى إنفاق أكثر عن 60 في المائة من عائداتها على الأجور، بينما يتعين على أندية دوري الدرجة الثانية إنفاق أكثر عن 55 في المائة. على المستوى الأعلى، يفرض نظام «يويفا» المالي لضمان اللعب العادل قيوداً على حجم الخسائر المالية التي يمكن لناد تحملها خلال فترة زمنية ما.
كما أن كلتا المنظومتين القائمتين في إطار كرة القدم الإنجليزية تتناول القضية الأولى والتي ربما تهم مشجعي الأندية، وهي ضمان مستوى مستديم من الإنفاق؛ الأمر الذي يمكن اتفاق غالبية المشجعين على أهميته (وإن كانت ستبقى هناك دوماً استثناءات). أما فيما يخص النقطة الأخرى، الخاصة بخلق توازن تنافسي أكبر داخل بطولة دوري، فإنه يمكن القول إن مثل هذه الإجراءات تعمل بقوة ضد ذلك الأمر، بمعنى ضمان تمتع الأندية الثرية على ميزة في مواجهة الأندية الأفقر.
وتبعاً لما ذكره شخص يعمل بمجال التنظيم المالي الكروي، فإن تشيفرين كان يتحدث إلى جمهور بعينه. وقال: «ترمي تعليقات تشيفرين بصورة أساسية إلى كسب تأييد مسؤولين من بطولات الدوري الأصغر، مثل سلوفاكيا وسلوفينيا وبولندا وآيرلندا ـ فمثل مسابقات الدوري تلك تمثل جمهوره الانتخابي».
ومن خلال حديثه عن الفجوة في الأجور، يمكن لتشيفرين إظهار أمام الدول الأصغر وعيه بالتفاوتات الهيكلية القائمة، لكن من غير المحتمل أن يتمكن من فعل أي شيء فعلياً حيال ذلك. وقال المصدر: «ربما يفكر (يويفا) في تنفيذ إصلاحات على صعيد التنظيمات المالية التي تضمن اللعب العادل بهدف جعلها أقوى، لكن إذا ما نظرت إلى ما يقوله تشيفرين من الناحية الظاهرية، فإنه من المتعذر تطبيقه عملياً. إنه أمر يتعذر حتى تخيله».
وبينما من الممكن أن يؤدي فرض حد أقصى قوي على الأجور، مثلما الحال مع الاتحاد الوطني لكرة القدم، إلى تناول مسألة التوازن التنافسي (وإن كان ذلك غالباً ما يسفر في الوقت ذاته عن عجز الأندية عن خلق فترة مستديمة من النجاح)، فإنه سيكون من المستحيل تقريباً فرض ذلك بمجال كرة القدم. على سبيل المثال، فإن القواعد التنظيمية حسب الصورة التي تطبقها «يويفا» لن تنطبق بالضرورة في البطولات المحلية. كما ستظهر مسألة كيفية تطبيق حد أقصى للأجور عبر الأدوار المختلفة مع ضمان استمرار حركة الصعود والهبوط. وستزداد جاذبية المعدلات الضريبية المنخفضة بالنسبة للاعبين ووكلائهم. وذلك خلال القضايا القانونية الخلافية التي سيتعين حسمها عبر محكمة العدل الأوروبية التي تتولى الإشراف على قواعد اللعب العادل.
وعليه، تبقى مسألة فرض حد أقصى على الأجور في كرة القدم سراباً مثلما كانت دوماً، وستظل الأندية الكبيرة محتفظة بمكانتها. ومع ذلك، يرى أحد الخبراء أننا ينبغي أن نشعر بالامتنان تجاه وجود قواعد اللعب العادل التي تضطلع بهذه المهمة فعلياً. وقال: «قد يبدو هذا القول غريباً للبعض، لكن السبب الأكبر وراء الانتقادات التي تتعرض لها قواعد اللعب العادل أن اسمها يعني للبعض ضمان التوازن التنافسي، ويعتقدون أنها أقرت لتحقيق ذلك، لكن الحقيقة أنها أقرت بهدف الحيلولة دون انهيار الأندية؛ الأمر الذي حققت فيه نجاحاً مذهلاً».
تشيفرين: الأندية الأكثر ثراءً تزداد ثراءً والفجوة تتفاقم بينها وبين الفقيرة
رئيس «يويفا» يطالب بإقرار حد أقصى لأجور اللاعبين وفرض قيود على الميزانيات
تشيفرين: الأندية الأكثر ثراءً تزداد ثراءً والفجوة تتفاقم بينها وبين الفقيرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة