نيكولاس فان دام: سوريا في معضلة... والنظام لن يقبل أي مشاركة للسلطة

الباحث الهولندي قال لـ«الشرق الأوسط» إن احتمال الانقلاب بات أكبر... واللامركزية الإدارية ممكنة من دون بعد سياسي

نيكولاس فان دام
نيكولاس فان دام
TT

نيكولاس فان دام: سوريا في معضلة... والنظام لن يقبل أي مشاركة للسلطة

نيكولاس فان دام
نيكولاس فان دام

قال الباحث الهولندي نيكولاس فان دام في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن سوريا تواجه «معضلة كبرى»، إذ إن النظام غير مستعد لأي مشاركة حقيقية للسلطة وإن الطريقة الوحيد لتغيير النظام كانت الأسلوب العسكري، في وقت جلب التدخل العسكري «كوارث في دول أخرى». لكنه أشار إلى أن تغيير الدول الغربية موقفها من بشار الأسد وقبول بقائه خلال المرحلة الانتقالية «يفتح الباب لاختبار التسوية».
وأضاف فان دام: «كل من يعرف سوريا وبنية النظام يعرف أن الأسد لن يتنحى بل سيبقى إذا لم يجبر عسكرياً على التنحي»، لافتا إلى أن النظام السوري يختلف عن غيره بأمرين:: «تركيبة القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات والمواقع المفتاحية، كلها مرتبطة في شكل مباشر أو غير مباشر بالأسد. الثاني، التفكير الأقلوي. عندما ترى الأقلية أنها مهددة، سواء كان هذا صحيحاً أو لا، فإنها ستتماسك أكثر». وأضاف: «في دي إن إيه الخاص بالنظام. البقاء. لذلك بقي النظام في السلطة. منع أي مشاركة سياسية. القضاء على شخص ولاؤه محل الشك».
لكن فان دام، الذي درس بنية النظام وأصدر قبل عقود كتابه الشهير «الصراع على السلطة في سوريا»، أشار إلى أن النظام لم يعد محصنا ضد حركة داخله. وقال: «هناك كثير في النظام والجيش ليسوا راضين كيف سارت الأمور. هناك دائماً احتمال لشيء ما، لكن المشكلة أن الضباط العلويين الأكثر قدرة على القيام بانقلاب، هو السؤال: لو قاموا بانقلاب، أي القضاء على أشخاص مفتاحيين، هل سيحصلون على دعم كامل من الجيش كي يحافظون على أنفسهم؟».
ورأى فان دام أن أحد الحلول المقترحة لسوريا هو اعتماد نظام اللامركزية الإدارية مع بقاء مركزية في دمشق. وأوضح: «النظام لن يقبل بأي شيء يهدد سلطته بحسب اعتقاده»، وأن المفاوضات ستتناول «حدود ترخي القبضة وهل ستقبل المعارضة وأقل مما أرادت».
وكان فان دام الذي عمل مبعوث هولندا السابق إلى سوريا وعمل سفيرا لدى دول إقليمية بينها مصر وتركيا، وكتب كتاباً جديداً بعنوان «تدمير أمة». وهنا نص الحديث الذي أجري أول من أمس:

-وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون قبل رحيل الأسد ضمن عملية انتقالية ونظيره الفرنسي قال إن الأولوية قتال «داعش». ما قراءتك لذلك؟
- كان يجب أن يفكرا بذلك قبل ست سنوات. لأن إحدى العقد في العملية التفاوضية السورية، إذا كانت هناك مفاوضات، وجود شرط مسبق بوجوب غياب الأسد. بشرط كهذا، لن يقبل الأسد التفاوض. وأصبحت تلك العقدة في نهاية 2011، يمكن الاختلاف مع بشار الأسد، لكن إذا كنت لا تريد التحدث إليه يجب النصر عليه وهزيمته عسكرياً. وإذا كنت لا تريد ذلك يجب التحدث إليه. كما أن إغلاق السفارات في دمشق كان خطأ. الأقنية يجب أن تبقى مفتوحة مع الأعداء. حوار ثم حوار وحوار... واتصالات.
-لكن الوضع كان مختلفاً في 2011، كان هناك «الربيع العربي» ثم حجم القتل والدمار؟
- صحيح كان مختلفاً ولم يكن هناك نزيف للدماء السورية. قالوا إن الأسد غير شرعي ويجب أن يتنحى. أعتقد، أن وقتذاك كان خطأ. يمكن قول ذلك، لكن كل من يعرف سوريا وبنية النظام سيعرف أن الأسد لن يتنحى بل سيبقى إذا لم يجبر عسكرياً على التنحي. في تلك الظروف، كان خطأ وتفكيراً مشتهى. اعتقدت الدول الغربية أن الأسد سيسقط أو يترك السلطة مثل الرئيس زين العابدين بن علي والرئيس حسني مبارك.

- بنية الجيش والأمن

-ما الفرق في بنية النظام السوري عن باقي الأنظمة مثل تونس؟
- الفرق الرئيسي، تركيبة القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات والمواقع المفتاحية، كلها مرتبطة في شكل مباشر أو غير مباشر بالأسد. هذه ليست الحالة فقط، بل هي مرتبطة بعامل التفكير الأقلوي. عندما ترى أنها مهددة، سواء كان هذا صحيحاً أو لا، فإنها ستتماسك أكثر.
الهيكلية مختلفة عن تونس ومصر. لدى النظام السوري نصف قرن من الخبرة في القضاء على المعارضة مهما كانت ومن أي جهة كانت. أن مؤسسات النظام ركبت في شكل عنفي أكثر. تركيبة النظام والبعد الأقلوي، عاملان يجعلانه مختلفاً.
-هل تغيير الدول الداعمة للمعارضة من الأسد، هل يعني أن النظام سيقبل التفاوض على حل سياسي؟ وأي حل سيقبله؟
- اعتقادي، أن النظام لن يذهب إلى شراكة في السلطة. التسوية بالنسبة للنظام، تعني إعطاء بعض المعارضين مواقع في الحكومة أو نائب رئيس. أكيد، ليس وزارة الدفاع أو الداخلية ولا أي موقع حساس. ممكن إعطاء معارضين وزارة السياحة وحقائب كهذه.
من البداية، النظام لم يكن راغباً بالتفاوض حتى على أمور هامشية. إذا كان الفرق 100 في المائة بين طرفين. إذا أخذ طرف 95 في المائة، هذه ليست تسوية. القضية الجوهرية، هي عدم رغبة النظام في مشاركة السلطة مع أي طرف.
-لكن إلى ماذا سيقود تغيير المعارضة موقفها؟
- يقود إلى احتمال. ربما متأخراً، لكن احتمال أن يكون النظام جدياً أكثر. إذا تحدثت إلى النظام، فإنه سيطلب 99 في المائة لأنه يشعر بالقوة. مع أن موقف الدول الغربية مختلف. هناك نافذة صغيرة فتحت. لكن البلد في معضلة كبيرة اجتماعياً واقتصادياً. على الأقل، تغيير الموقف يفتح احتمالاً. لكن السياسة السابقة الأخرى، عنت عملياً إغلاق أي نافذة للتسوية.

- معضلة سوريا... ولامركزية

-إذن، تعتقد أن الطريقة الوحيدة لتغيير النظام أو سلوكه هو التدخل العسكري. وهذا ليس ممكناً بعد العراق وليبيا. وفي الوقت نفسه النظام لا يقبل تسوية. إذن، سوريا في معضلة؟
- تماماً. معضلة كبرى. إسقاط النظام عسكرياً سيؤدي إلى كارثة لأن التدخل العسكري أدى دائماً إلى كوارث في دول أخرى. الانفتاح تجاه النظام، ربما تعطي احتمالاً لتنازلات لكن ليست بمستوى المشاركة السياسية. إنها في «دي إن إيه» الخاص بالنظام. البقاء. لذلك بقي النظام في السلطة. منع أي مشاركة سياسية. القضاء على شخص ولاؤه محل الشك.
-ما الحد الأقصى عملياً الذي يقبله النظام؟
- نسخة جديدة من «الجبهة الوطنية التقدمية». لكن، ممكن أن يعطي النظام وزارات للآخرين. الراحل صادق جلال العظم، قال في بداية الثورة مرات عدة. لو أن النظام عين رياض سيف (الرئيس الحالي لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض) كان تم تحييد نصف المعارضة. لكن، أعتقد أن المطالب الشعبية كانت ستستمر ولن تقف عند ذلك.
هذا نوع التسوية التي هي في عقل النظام إذا كان هناك شيء. مشاركة السلطة من دون مشاركة السلطة الحقيقية. إعطاء حقائب للمعارضة، من دون تعريض النظام للخطر.
-بعض المعارضين يراهنون على روسيا التي ستضغط على دمشق لقبول تسويات وأن الرئيس فلاديمير بوتين لديه حسابات أخرى للوصول إلى حل مختلف؟
- هذا سيكون أمراً جيداً. روسيا لديها تأثيرا على النظام لكن إلى حد تجعل النظام يقوم بشيء لا يريد القيام به. لا أرى ذلك. هذا يتطلب بعض الإبداع. الوصول إلى شكل آخر من المشاركة السياسية. يمكن الوصول إلى صيغة تترك بعض الأمور في أيدي النظام لكن ليس كل شيء.
-مثل ماذا؟
- اللامركزية. أن تستطيع الوحدات المحلية بالعمل إلى حد ما.
-اللامركزية هو النموذج للمشاركة السياسية؟
- يطلق عليها لامركزية إدارية. المحافظ لديه ما يقول عن المشاريع، لكن لا يعني أن لديه سلطة حقيقية في مركز السلطة مختلف عما تريده السلطة. هذا النموذج، بحيث لا يهدد أثر النظام ونفوذه.
-هذا ينطبق على الكرد؟
- أكيد. الأكراد بقيادة «حزب الاتحاد الديمقراطي» يريدون حكماً ذاتياً سياسياً. لكن هذا لا يقبله كثيرون بينهم معظم الأحزاب الكردية الأخرى. قد يكون للأكراد هامش لممارسة السلطة وما يريدونه وهم في حاجة لموارد في المركز.
-كيف ستنعكس اللامركزية في المركز - دمشق؟
- دعني أعط مثالاً. تحت حكم صدام حسين، كان هناك حكم ذاتي كردي. كان محدوداً وأراد الأكراد بقيادة مصطفى بارزاني أكثر مثل كركوك. عندما يمكن ترجمته إلى سوريا، أي إقليم يمكن أن تحصل على حكم ذاتي معيّن، لكن الدفاع والأمن الداخلي والاقتصاد ستبقى في أيدي الحكومة المركزية. السؤال: مدى إحكام القبضة أو إرخائها. ما دام أن الإدارات خاضعة للمساءلة في المركز، لا مشكلة.
-هيكلية النظام قائمة على النظام المركزي، النموذج الجديد اللامركزي يتطلب تغييرات في المركز. ما هي؟
- أي شيء سيهدد سلطة النظام بحسب اعتقاده، لن يقبل به. مثلاً، الحكم الإداري المحلي، لا يعني أبداً حكماً ذاتياً كاملاً. ممكن لديهم موازنة وإدارات وممكن تخفيف قبضة المركز على المحافظات ودمشق وحلب. لكن السؤال إلى أي حد ترخي القبضة وهل ستقبل المعارضة وأقل مما أرادت.
لست خبيراً بمسألة اللامركزية، لكن هناك نماذج مختلفة تتضمن أن تحتفظ السلطة على البلاد كاملة والحدود، والمحافظات والأقاليم لديها إدارة أو سلطة ما.

- الفصائل المسلحة

-السؤال الكبير، ماذا عن الفصائل المسلحة والمسلحين السوريين وغير السوريين؟
- يجب أن ينضم السوريون إلى الجيش، لكن السؤال يتعلق بالثقة والولاء. إذا الجيش لحماية الوطن وهذا الذي يجب أن يكون وليس للدفاع عن النظام. لكن النظام يريد الحفاظ على وحدات نخبة لحالات الطارئ للبقاء في السلطة. وقلت في كتابي «تدمير أمة» إن قوات النظام لحماية النظام والآخرين لحماية البلد.

- هذا هو أكبر سؤال

-هل تشكيل مجلس عسكري مشترك هو الحل؟
- بين النظام والمعارضة. نعم، مثل «الجيش الحر». إذا كان يمكن لعناصر «الجيش الحر» الانضمام إلى القوات المسلحة لكن يريدون مواقع مفتاحية. النظام يريد المواقع المفتاحية لأن النظام لا يريد أن يهدد. خطوة أولى هي اندماج العساكر الذي انشقوا، لكن هذا صعب إذا كانوا سيكونون تحت سيطرة مطلقة لأشخاص لديهم ولاء للنظام وليس لشيء آخر. المجلس العسكري فكرة تستحق الاختبار.
-أين تضع مناطق خفض التصعيد ضمن هذا المسارات؟
- بالنسبة إلى النظام، هي فترة راحة، لكن لا تعني أبدا التخلي عن الهدف النهائي وهو استعادة باقي الأراضي السورية. يريدون إعادة التسلح والاستعداد. وفي كل الأحوال، خلال فترة الراحة يمكن الحديث عن مستقبل سوريا والقوات المسلحة وليس خلال المعارك. مناطق خفض التصعيد تطور إيجابي، لكن النظام لن يقبل أي مقاومة لاستعادة باقي الأراضي السورية. ثم التفاوض حول مستقبل سوريا، بعد السيطرة الكاملة.
-ومناطق المعارضة؟
- يمكن أنها مناطق مجمدة. ربما فترة راحة للوصول إلى اتفاق متبادل، لكن لا أعتقد أن النظام سيقبل أن تبقى المعارضة في بعض المناطق. هذه منطقة انتقالية للحديث خلال عن التسوية.
-هناك قلق من تقسيم سوريا؟
- النظام والمعارضة يريدان سوريا موحدة. لكن كل منهما يريدها تحت سيطرته. يمكن أن تكون سوريا مقسمة كأمر واقع لمناطق نفوذ مختلفة. أيضا، يتعلق ماذا إذا كان الأميركيون يدعمون المعارضة لأخذ مناطق من الأسد أو يدعمونها عندما يهاجمها الأسد.
طبعاً بعيدا من «جبهة النصرة» و«هيئة تحرير الشام» في إدلب. لا أعتقد أن مناطق خفض التصعيد ستؤدي إلى تقسيم سوريا. حدود الاستعمار التي تم تحديها باتت الآن مقبولة أكثر. لا أعرف أي شخص حتى «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» يريد تقسيم سوريا. بل يريد حكماً ذاتياً سياسيا. لا أعتقد أن سوريا ستقسم بحيث يكون قسم من سوريا دولة أخرى.
-بعض المعارضين يعتقدون أن الدول الغربية تخلت عنهم؟
- نعم. هذا ما قلته في كتابي. الدول الغربية أعطت انطباعات خاطئة لموقف أخلاقي صحيح. المعارضة اعتقدت أن هذه الدول تقوم بشيء جيد، لكن هذا ليس واقعياً. كان على المعارضة أن تعرف موقف الدول الغربية مبكراً. دعمت المعارضة ليس فقط إلى حد أن تنتصر المعارضة. كانت لديها نيات طيبة نسبياً، لكن النتائج كانت مضرة للمعارضة.

- ترنح النظام في 2015
-هل كان النظام سيبقى من دون الدعم الإيراني والتدخل العسكري الروسي؟
- في 2015، كان النظام يترنح. لولا مساعدة الروس والإيرانيين، كان النظام قد سقط. ربما سقوطه لم يكن سهلاً. لكن، الروس قاموا بخطوة مقررة وأنقذوا النظام ولا يمكن سقوط إلا بأسباب أخرى ربما لعوامل داخلية. سقوط النظام لا يعني أن المعارضة فازت.
-من خلال معرفتك ببنية النظام التي أقامها حافظ الأسد وما جرى في السنوات السبع الأخرى، هل النظام محصن من أي تغيير داخلي؟
- ليست لدى النظام حصانة. أظن، هناك كثير في النظام والجيش ليسوا راضين عن كيف سارت الأمور. هناك دائماً احتمال لشيء ما، لكن المشكلة أن الضباط العلويين الأكثر قدرة على القيام بانقلاب، هو السؤال: لو قاموا بانقلاب، أي القضاء على أشخاص مفتاحيين، هل سيحصلون على دعم كامل من الجيش كي يحافظون على أنفسهم؟
النظام ليس محصناً في شكل كامل. هناك عوامل إضافية، الاقتصاد والفساد واقتصاد الحرب والموت. هناك الكثير من القتلى من اللاذقية والجبال قتلوا لأنهم في مواقع حساسة في خطوط القتال الأمامية. حتى لو انتصر النظام عسكرياً، لا يعني الاستمرار وكأن شيئاً لم يحصل. خرج المارد من القنينة، وصعب إعادته.
-كيف ترى سوريا في 2021؟
- الأسد يريد البقاء في السلطة إلى وقتذاك. لكن فرصة لإجراء انتخابات وتغيير النظام. النظام يريد القيام بكل شيء وحسب الموقف الرسمي. لكن الأسد ليس شخصاً لا بديل له. إذا تخلى عن منصبه، لا بد من رئيس قادر على القيام بالتغيير والتطوير في البلاد. 2021، فرصة تأتي بعد أربع سنوات ويمكن أن تكون فرصة لتغيير الرئيس وإجراء انتخابات وليس انتخابات يحصل فيها الرئيس الجديد على 99 في المائة من الأصوات، بل طريقة مختلفة.
-فرصة للانفتاح، المعارضة لا تريد الانتظار لوقتذاك؟
- أتمنى بدء عملية التغيير قبل ذلك بكثير. بل أتمنى ذلك اليوم، لكن الأمر سيأخذ وقتاً. لكن 2021، فرصة في حال لم يحصل شيء قبل ذلك.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».