للشهر الثاني على التوالي، تعيش السيدة نهى (25 عاماً) في منزل والدها، مفضلة بقاءها فيه على العودة إلى حياة زوجية صعبة «ومغمسة بالذل»، كما قالت، على الرغم من أنها قضت مع زوجها 7 أعوام، كان كل عام فيها يأتي أسوأ من سابقه، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع المحاصر للعام الحادي عشر على التوالي.
وتفضل «نهى» الطلاق على أن تبقى حبيسة «الأشغال الشاقة» في منزل صغير ومستأجر، ويعوزه كثير من الاحتياجات.
وعلى الرغم من أن منزل والد نهى لا يبعد عن منزلها سوى 100 متر، لم تفكر حتى في المرور عليه لزيارته، وأبلغت كل الوسطاء بأنها تريد الطلاق من زوجها.
أما زوجها مصطفى (31 عاماً)، فقال لـ«الشرق الأوسط»، إنه يجد صعوبة بالغة في توفير الاحتياجات اليومية لمنزله بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، وتراجع دخله باستمرار مع مرور السنين.
وبحسب مصطفى، فإن راتبه الشهري بالكاد يكفيه، بعد أن يدفع إيجار المنزل، ولا يمكنه توفير طلبات زوجته من الأجهزة الكهربائية التي يمكن أن تساعدها على إنجاز أعمالها المنزلية اليومية.
ويحصل مصطفى على مبلغ 800 شيقل (222 دولاراً)، يدفع منها نحو 600 شيقل (166 دولاراً) بدل إيجار شهري، وما يتبقى لا يكاد يكفيه لأسبوع واحد، مما يضطره للاستدانة دائماً، حسب قوله.
ويقر مصطفى بصعوبة الحياة المشتركة بهذه الطريقة، ويقول إنه يضطر مثلا لشراء القليل جداً من الخضراوات كي لا تفسد صلاحيتها بسبب عدم وجود ثلاجة في بيته.
والأكثر صعوبة بالنسبة لمصطفى أنه لا توجد أي آمال أو مؤشرات لإمكانية تحسن وضعه الاقتصادي، وبالتالي معيشته. ويجد مصطفى عذراً لطلب زوجته الطلاق، بعد تعرضها لأكثر من انتكاسة صحية خلال الأعوام الماضية بسبب الوضع الصحي للمنزل، واضطرارها للغسيل يدوياً، وعدم وجود كهرباء وماء وغيرهما من الضروريات.
ويقول مصطفى إنه يعاني كثيراً من المشكلة الحالية، ولكنه لا يجد لها حلاً.
وتلخص حكاية مصطفى ونهى وضعاً صعباً في غزة، واضطرار كثيرين إلى الانفصال.
وتظهر إحصائية فلسطينية رسمية أن هناك ارتفاعاً في حالات الطلاق، مقابل انخفاض في حالات الزواج، في قطاع غزة خلال عام 2016، وكذلك في الربع الأول من عام 2017.
وبحسب الإحصائية الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، فإن عدد حالات الطلاق بلغ 3188 خلال العام الماضي، بنسبة وصلت إلى 16.6 في المائة، مقابل 14.6 في المائة في العام الذي سبقه، بواقع 2627 حالة (أي نحو 561 حالة طلاق إضافية).
وأشارت الإحصائية إلى وجود انخفاض في حالات الزواج في العام الماضي عن سابقه، بنحو 1450 عقداً، بفارق يصل إلى نحو 8 في المائة. ومن المتوقع أن يشهد العام الحالي ارتفاعاً أكبر في حالات الطلاق، مع تفاقم المشكلات الاقتصادية والحياتية.
ويقول الدكتور حسن الجوجو، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، إن قضايا الحصار، والرواتب المنخفضة، وانعدام فرص العمل، جميعها أسباب أثرت سلباً على واقع الحياة، وزادت من حالات الطلاق. ويشير الجوجو إلى أن 43.1 في المائة من إجمالي حالات الطلاق سبق الخلوة الشرعية، مما يؤشر لعدم قدرة المقبلين على الزواج على إتمام زواجهم لأسباب تتعلق بالظروف الاقتصادية، وشعورهم بعدم القدرة على السير قدماً في هذه الطريق.
ويضيف: «المجتمع في غزة بات يفقد أمنه السياسي والمجتمعي، مما ضاعف من المشكلات الأسرية، وأدى إلى تزايد حالات الانتحار والعنوسة والطلاق، في ظل عدم اهتمام المسؤولين بمشكلات المجتمع التي باتت تشكل عبئاً كبيراً».
واتفق عدد من الشبان الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» على أنهم يفضلون الانتظار على أن «يتورطوا» في الزواج.
وضرب بعضهم مثلا بأصدقاء لهم يعانون نتيجة الظروف الحياتية.
واشتكى صلاح أبو يوسف (28 عاماً) من إلحاح زوجته عليه بمغادرة منزل أهله، والسكن في منزل مستقل، وتهديدها له بالانفصال، في حال استمرا في وضعهما الحالي، خصوصاً أنهما يعيشان منذ عامين في غرفة واحدة، من أصل 3 غرف مخصصة لأكثر من 14 فرداً يقيمون جميعاً في البيت نفسه.
وقال أبو يوسف لـ«الشرق الأوسط» إن كل ما يتحصل عليه من عمله في مصنع للخياطة هو 600 شيقل، وإنه لا يعمل بشكل منتظم، لعدم وجود أعمال دائمة في قطاع غزة. وأشار إلى أنه في حال خرج مع زوجته إلى منزل مستقل (مستأجر)، فإنه لن يتمكن من تدبر أموره الحياتية، وسيدفع المبلغ الذي يتحصل عليه بكامله أجرة للمنزل.
وأقر أبو يوسف بأنه يعيش أوضاعاً حياتية صعبة جداً لا تحتمل، لكنه لا يستطيع تغيير الواقع.
تضاعف حالات الطلاق في غزة في ظل فقدان الأمن السياسي والمجتمعي
شبان مقبلون على الزواج يتراجعون... ومتزوجون «يعانون الأمرين»
تضاعف حالات الطلاق في غزة في ظل فقدان الأمن السياسي والمجتمعي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة