شاهد على الزلزال... صرخة ابنتي أنقذتني من موت محقق

جانب من الدمار الذي خلفه الزلزال في دوار إيمينتلا قرب أمزميز (إ.ب.أ)
جانب من الدمار الذي خلفه الزلزال في دوار إيمينتلا قرب أمزميز (إ.ب.أ)
TT

شاهد على الزلزال... صرخة ابنتي أنقذتني من موت محقق

جانب من الدمار الذي خلفه الزلزال في دوار إيمينتلا قرب أمزميز (إ.ب.أ)
جانب من الدمار الذي خلفه الزلزال في دوار إيمينتلا قرب أمزميز (إ.ب.أ)

كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف ليلا، عندما عدت إلى شقتي بمدينة المحمدية مع ابنتي سارة التي أصرت على مرافقتي لقضاء عطلة قصيرة في المغرب. ذهبت سارة إلى بلكونة الشقة لتستمتع بمنظر البحر والأمواج، وهربا من الحرارة المفرطة في غرفتها، بينما ذهبت لأتوضأ لصلاة العشاء.

فجأة ومن دون مقدمات بدأت جنبات الحمام تهتز بقوة، وسقطت المرآة المعلقة وسطه، وقبل أن أستفيق من هول الصدمة سمعت صراخ ابنتي ينبعث قويا من البلكونة. ركضت إليها لأهدئ من روعها، لكن في هذه اللحظة بالذات سمعنا صوت ارتطام قوي داخل الشقة. دخلنا بحذر إلى الصالون لنكتشف أن منبع الصوت القوي هو سقوط السقف وارتطامه بالأرضية والأثاث. حمدنا الله كثيرا على نجاتنا من موت محقق لأننا كنا دائما نفضل السمر في الصالون، وقررنا أن نترك الشقة ونفر مع الجيران إلى حديقة إقامتنا السكنية.

خرج جميع السكان إلى الحديقة بملابس النوم، بعضهم كانوا حفاة من دون أحذية، يحملون أطفالهم الصغار الذين كانوا يغطون في نوم عميق، فيما كانت تشعر النسوة بحرج دفين لأنهن وجدن أنفسهن لأول مرة مرغمات على الخروج إلى الشارع ببيجامات خفيفة. ترك الجميع كل شيء ثمين خلف ظهورهم... لا ساعات ثمينة، ولا مجوهرات فاخرة ولا مفاتيح سياراتهم الغالية، أو أموالهم المخبأة في خزانات البيوت... فعندما يصبح الموت قريبا من الحلقوم يصبح كل ما عداه مجرد تفاصيل.

كانت المعلومات شحيحة، رغم تأكدنا من أن الذي عشناه هو زلزال قد يتكرر حدوثه بعد دقائق قليلة. فقرر الجميع الهروب إلى شاطئ البحر القريب من البيت خوفا من سقوط البنايات، بعد أن توقفت خطوط الاتصالات، وأصبحت المكالمات الهاتفية شبه مستحيلة، أما أنا فقد قررت أن أعود إلى الشقة للبحث عن مفتاح السيارة للهرب بعيدا من المكان، رغم معارضة ابنتي الشديدة. دقائق قليلة بعد ذلك سمعنا جلبة كبيرة قادمة من البحر، بعد أن قرر السكان الهاربون إلى الشاطئ العودة مجددا إلى الإقامة السكنية، بعد أن أخبرهم أحد السكان أن الزلزال ضرب في عمق البحر، وسيحدث «تسونامي» مدمر سيضرب المدينة الساحلية برمتها لا محالة.

تسابق الجميع إلى سياراتهم للهرب بعيدا عن المدينة بعد أن تسرب هذا الخبر الزائف، وفي خضم هذا التسابق والفوضى وقعت حوادث متفرقة. كان الجميع يقودون سياراتهم من دون اتجاه محدد، ودون معرفة أين سيبيتون ليلتهم مع أسرهم في أمان.

قضينا تلك الليلة دون نوم في ساحة قريبة من منزل العائلة مع مئات الأشخاص الذين رفضوا العودة إلى منازلهم، وفي الصباح الباكر بدأت تتضح الصورة القاتمة للزلزال، وكم كان مدمرا وقاتلا وفوق كل التوقعات. دواوير مسحت من الأرض بكاملها... عشرات الجثث مطمورة تحت الركام والأنقاض... أطفال صغار فقدوا كل أفراد عائلاتهم ينتظرون وصول قريب لمواساتهم، والوقوف معهم في محنتهم... مصابون يبكون من شدة الألم، ولا يملكون أدوية أو مسكنات للتخفيف من معاناتهم. كانوا يتألمون بصمت لأنهم يعرفون أن فرق النجدة والإسعاف لن تصل في وقت قريب، بعد أن دُمرت الطرق الجبلية الوعرة، وكستها أطنان من الحجارة الثقيلة.

* حزن وتضامن

خيم حزن كبير على البلاد، التي لم تعش منذ زلزال أغادير كارثة بهذا الحجم الكبير من الدمار، فقرر المواطنون في كل ربوع البلاد القيام بحملات لجمع التبرعات والأدوية والأغطية والخيام والمواد الغذائية والطبية اللازمة للمتضررين. كان حجم التجاوب كبيرا وفوق كل التوقعات، وأصبح حديث الصحف وتلفزيونات العالم، رغم أن موسم العودة إلى المدارس كان قد استنزف ميزانيات وجيوب جل الأسر المغربية. ومن لم يستطع شراء مواد غذائية بسبب ضيق ذات اليد جلب أغطية منزله وملابس أبنائه ومؤونة مطبخه، بينما عرضت نساء طاعنات في السن حليهن، وخواتم الزواج كنوع من التضامن مع متضرري الزلزال القاتل، فيما اصطفت طوابير المواطنين لعدة أيام أمام المستشفيات للتبرع بالدم، يتقدمهم نجوم الفن والسياسة والرياضة وزعماء سياسيون.

لكن في كل الكوارث والمآسي يظهر أيضا تجار الموت والمحتالون والانتهازيون ومروجو الإشاعات، والذين يستغلون المآسي أبشع استغلال لتضخيم جيوبهم. فمنذ اليوم الأول للزلزال ضاعف بعض التجار أسعار البطانيات والخيم والحصائر، وكدّس البعض الآخر المواد الغذائية الأساسية، كالزيت والدقيق، أملا في بيعها بأسعار مضاعفة، فيما عمدت بعض شركات الطيران منخفض التكلفة إلى بيع التذاكر بأسعار مضاعفة لسياح مراكش، الذين قرروا مغادرة المغرب سريعا خوفا على حياتهم. كما استغل بعض المحتالين التضامن الشعبي الواسع للمواطنين، وسياراتهم المكدسة بالمساعدات الغذائية، للحصول على أكبر كمية من المؤونة والسلع الغذائية، بعد ادعائهم بأنهم ضحايا الزلزال، لكن تبين بعدها أنهم أعادوا بيع ما حصلوا عليه وحولوه لتجارة رابحة.

قبل مغادرتي مراكش التقيت عددا من السيّاح الفرنسيين والبريطانيين والإسبان. كانوا متأثرين جدا لما حدث للمدينة التي أحبوها وتعودوا على زيارتها، لكنهم كانوا متأثرين أكثر بحجم الكرم الذي أبداه المغاربة لاستضافتهم والترحيب بهم، ومعاملتهم في يوم الزلزال كأفراد عائلاتهم، حيث قدموا لهم الطعام والشراب، بعد أن غادروا فنادقهم خوفا من سقوطها فوق رؤوسهم، وقرروا أن يبيتوا الليلة الأولى للزلزال معهم في ساحة «جامع الفنا» الشهيرة. قال لي سائح بريطاني بتأثر واستغراب شديدين: «لا أفهم كيف عرض عليّ أناس لا أعرفهم، ولم ألتق بهم يوما في حياتي، المبيت عندهم ومشاركتهم المأكل والشراب بالمجان... إنه شيء نادر الحدوث ومستحيل في بريطانيا».

تذكرت أيضا موقفا طريفا حدث مع أحد المشردين الذين يقيمون في مدينة البيضاء. قال لي بنبرة ساخرة: تخيل عزيزي. نام إلى جانبي في العراء ليلة الزلزال إطار أمني رفيع مع زوجته وأطفاله الثلاثة. الحمد لله. لقد ساوى الزلزال اللعين بين المشردين وأولاد الذوات.

قبل دخول الطائرة في مطار مراكش للعودة إلى لندن، تذكرت الطفل زكرياء، أحد أقارب والدتي الذي يقطن مع أسرته في منطقة «أمزميز» التي ضربها الزلزال، وتذكرت آخر لقاء جمعني به قبل بضع سنوات. أخبرني وقتها أن حلمه الكبير هو أن يوفر بعض المال ليسافر إلى مدينة البيضاء ليحضر مقابلة لفريقه المفضل «الرجاء». اتصلت بأخته عدة مرات للاطمئنان لكن كانت الخطوط وقتها متوقفة. حاولت للمرة الأخيرة قبل إقلاع الطائرة، فأجابتني عائشة بصوت مبحوح. سألتها كيف حالكم وحال زكريا. قالت وهي تغالب دموعها: زكريا ابتلعه الزلزال!


مقالات ذات صلة

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا ولم يسفر عن ضحايا أو إصابات خطيرة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لآثار الزلزال الذي ضرب ملاطية العام الماضي (غيتي)

شعر به سكان مدن سورية... زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب شرق تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.9 درجة هز إقليم ملاطية في جنوب شرق تركيا، اليوم الأربعاء، وشعر به سكان مدن سورية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)
آسيا أصدرت اليابان تحذيراً من احتمال وقوع تسونامي في جزيرتي إيزو وأوجاساوارا النائيتين على بعد نحو 600 كيلومتر جنوب طوكيو (أرشيفية - أ.ب)

رصد تسونامي منخفض في جزيرة يابانية نائية بعدما ضربها زلزال

أعلنت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية أنه تم رصد تسونامي منخفض في جزيرة هاشيجوجيما اليابانية النائية بعدما ضرب المنطقة زلزال بلغت قوته 5.9 درجة جزر إيزو.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

حمدوك: السودان مهدد في وجوده

رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك (رويترز)
رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك (رويترز)
TT

حمدوك: السودان مهدد في وجوده

رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك (رويترز)
رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك (رويترز)

قال رئيس وزراء السودان السابق، عبد الله حمدوك، الذي يترأس حالياً تحالفاً مدنياً كبيراً باسم «تقدم»، إن أولوياته القصوى الآن هي العمل على وقف إطلاق النار ومعالجة الأزمة الإنسانية وحماية المدنيين، وصولاً إلى عملية سياسية شاملة لإنهاء الحرب.

وأضاف خلال زيارة له إلى بريطانيا أن السودان «يمر بأكبر كارثة في تاريخه تهدد وجوده، إذ يمكن أن نصبح غداً ولا نجد السودان كما نعرفه، فلا بد إذن من أن نحرص على بقائه. هناك قوى شريرة ظلامية تعمل على تمزيقه، وهي التي سيطرت على مقدرات السودان طيلة 30 عاماً، وأجهضت مؤسساته وخيراته».

وقدم حمدوك محاضرة في معهد «تشاتام هاوس»، قال فيها أيضاً: «يجب التفكير الآن في فرض حظر على الطيران لتوفير مناطق آمنة داخل البلاد».