د. خالد يايموت
بإعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الاثنين، الأول من أغسطس (آب) 2016، أن الجيش الأميركي شن أولى ضرباته الجوية على مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش في ليبيا، تكون الاستراتيجية الأميركية لمحاربة الإرهاب قد توسعت عمليًا، لتبدأ في مجال حيوي جيو - استراتيجي هو شمال أفريقيا.
أظهرت الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا منذ عام 2015م أن هذه الدولة الأوروبية أصبحت مسرحًا للإرهاب المعولم. فلوقت قريب كانت فرنسا في طليعة دول البحر الأبيض المتوسط القوية المواجهة للإرهاب في عقر داره في أفغانستان، وفي الصحراء الأفريقية كذلك، خاصة مالي، وفي العراق، وأخيرا في سوريا وليبيا. في كل هذه الجغرافية الواسعة كانت الوحدات الخاصة والجيش الفرنسي تخوض حربًا حقيقية ضد التنظيمات والجماعات التي تعتبرها باريس إرهابية.
أعاد الهجوم الإرهابي المروّع الذي ضرب مدينة نيس الفرنسية وهي تعيش أجواء الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، خلط أوراق السلطات الأمنية؛ كما أثار حفيظة الباحثين المختصين في تطور الفكر والممارسة الإرهابية في أوروبا والشرق الأوسط. ذلك أن محمد لحويج بوهلال منفذ العملية، لم يختر الساحة العامة لممارسة الفعل الإجرامي فقط، بل اختار قبل ذلك زمنا سياسيا يتعلق بذكرى تحيل على الثورة الفرنسية، وما تمثله من رمزية تاريخية وسياسية وآيديولوجية في الفكر الغربي عامة، والفرنسي على وجه التحديد.
مثل كتاب نوح فيلدمان «سقوط وقيام الدولة الإسلامية»، (الصادر سنة 2014 عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر)، واحدة من المحاولات العلمية الغربية البارزة التي حاولت مناقشة تفكك واستعادة الدولة لقوتها في الجغرافية السياسية الإسلامية. وتدور أطروحته المركزية حول النظام الديمقراطي الدستوري، وارتباط الشريعة بسيادة القانون، وما يطرحه ذلك من تحديات تتعلق ببناء نظام مؤسساتي يحدد شكل الدولة الإسلامية، ويضفي عليه طابعا ديمقراطيا متجددا تسود فيه العدالة، ويتجاوز الهيكل التنظيمي الموروث، الذي يمنح الأولوية لسلطة تنفيذية مستبدة.
أعاد تنصيب الملك محمد السادس ملك المغرب لـ«المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» إلى واجهة الدور الديني المغربي التاريخي بأفريقيا، وما تلعبه المملكة من دور فعال في مواجهة الإرهاب الذي يتوسّع في جغرافية القارة السمراء. المبادرة المغربية التي جاءت في حفل داخل جامعة القرويين بفاس يوم الخميس 11 رمضان 1437هـ - 16 يونيو (حزيران) 2016، جمعت 99 عالما وعالمة أفارقة من 30 دولة؛ إلى جانبهم 20 عالما وعالمة مغاربة، في أكبر مؤسسة دينية بالقارة. وتجدر الإشارة إلى أن «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» أحدثت بظهير ملكي مؤرخ بيوم 6 يونيو 2015. وهي تحت رئاسة الملك.
مع تسابق بعض الحركات المتشدّدة مثل «القاعدة» و«داعش» الرافعة لواء الإسلام والزاعمة التكلم باسمه على احتكار المضامين السياسية للدين الحنيف، نعرض فيما يلي نموذجين مخالفين تمامًا لما يزعم المتطرّفون أنه يجسد مفهوم الإسلام لـ«الدولة»، ويقدمان نظرتين إصلاحيتين متبصّرتين للفكر الديني المستنير والإصلاح الدستوري الحديث. بقي العالم الإسلامي، خصوصًا، في عهد النهضة الحديثة ودعوتها الدينية الإصلاحية، مترابط الحلقات ومتجاوزًا اختلافات المذهبية والطائفية ومستحضرًا بقوة التقدّم الأوروبي وأطماعه في المشرق والمغرب الإسلامي.
ظلت المسألة الدينية والسياسية إلى اليوم محط مناقشات نخبوية أكاديمية متجددة؛ غير أن هذا التجدد الفلسفي الأنواري، أخذ أبعادا أخرى مع بروز وتوسع الثقل العلمي لفئة مهمة من المفكرين الغربيين. ومما زاد من أهمية الأطروحات المعاصرة المقدمة حول الدين والسياسة، أنها قُدمت من داخل خريطة النسق المعرفي الغربي، ومن داخل مدرسة الحداثة والعقلانية والليبرالية السياسية.
تعرَّض الوضع السياسي العام على امتداد الجغرافية العربية في السنوات الأخيرة لهزات عنيفة، لم تعهدها طبيعة البنيات وخصائصها المستمدة من السلوك التقليدي الديني. ولم يعد ممكنا في عصر ما بعد الحراك المجتمعي العربي تحليل أنماط السلوك والفعل بالتحليل النظري المفترض المألوف عند الباحثين حول الدين والشباب؛ بل أصبح لزاما الانتقال من التصورات القبلية للواقع الذي فرضته فترة استغلال المعرفة من طرف السياسة بشكل ضيق، إلى النظر العلمي في الواقع المعيش وفاعلية الفاعلين فيه. ومن تلك المواضيع التي تفرض على الباحثين العرب مسحا إثنوغرافيا سوسيولوجيا، مسألة ارتباط الشباب بالدين والعنف.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة