مقاربة روسية لتعزيز «الاستقرار المحلي المؤقت» والتنسيق مع دمشق

وزير الدفاع حض دي ميستورا على تسهيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق «خفض التصعيد»

TT

مقاربة روسية لتعزيز «الاستقرار المحلي المؤقت» والتنسيق مع دمشق

تكشف وثائق ومراسلات مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وخبراء ومسؤولين أميركيين سابقين، مقاربة روسية تقوم على إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق «خفض التصعيد» السورية والتركيز على دعم «الاستقرار المؤقت» واقتراح تشكيل «لجان محلية» بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة لتوفير الخدمات الرئيسية.
وبحسب رسالة من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دي ميستورا، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، فقد أبلغت موسكو المبعوث الدولي أن وزارة الدفاع الروسية «استكملت تأسيس مناطق خفض التصعيد في درعا والقنيطرة والسويداء والغوطة الشرقية، وباتت وحدات الشرطة العسكرية الروسية منتشرة وتوفر الأمن وممرات إنسانية آمنة».
وتوصلت في 9 يوليو (تموز) الماضي روسيا وأميركا والأردن لـ«هدنة» جنوب غربي سوريا، ثم رعت روسيا ومصر هدنة أخرى في كل من غوطة دمشق وشمال حمص. وانتشر عشرات من عناصر الشرطة الروسية (من الشيشان) بين قوات الحكومة وفصائل المعارضة في خطوط التماس ومناطق «خفض التصعيد».
وجاء في رسالة شويغو: «لا تزال الحالة الإنسانية معقدة (في مناطق خفض التصعيد)، حيث إن عودة الناس في هذه المناطق إلى حياتهم الطبيعية تتطلب توفير الطعام والمياه واللباس والدواء والأدوات الطبية» وأنه «بالإمكان تحسين الوضع بتكثيف النشاطات الإنسانية في المناطق السورية؛ حيث توقفت العمليات العدائية خصوصاً في منطقتي خفض التصعيد في الجنوب وغوطة دمشق» التي تضم دوما المشمولة بالهدنة بين دمشق و«جيش الإسلام» بضمانة موسكو ورعاية القاهرة، والقطاع الغربي وجوبر غير المشمولين بوقف النار بسبب وجود «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة».
وأضافت الرسالة: «نعتقد أن الشروط المطلوبة توفرت لزيادة النشاطات الإنسانية في هذه المناطق (الهدنة)، وأن عبور القوافل الإنسانية سينفذ من الشرطة العسكرية الروسية بالتعاون مع السلطات السورية».
وبحسب خبراء، فإن «مركز المصالحة» في قاعدة حميميم العسكرية الروسية في اللاذقية، وزع 50 طناً من الطعام، ومياهاً، على 30 ألف سوري في مناطق سيطرة القوات الحكومية كان معظمها في حلب شمال البلاد.
في موازاة ذلك، حض خبراء ومسؤولون سابقون أميركيون وروس بعد لقاء بينهم، واشنطن وموسكو على ضرورة دعم مفاوضات سياسية بين وفدي الحكومة والمعارضة في جنيف التي ينوي دي ميستورا استئنافها الشهر المقبل للبحث عن «حل سياسي للنزاع السوري». لكن في الوقت نفسه، حضوا موسكو على ضرورة «توسيع» عملية «آستانة» وضم أميركا إلى روسيا وإيران؛ دولا ضامنة لاتفاق آستانة، علما بأن واشنطن لم تقبل إلى الآن بأكثر من «دور المراقب» بسبب تحفظها على دور طهران؛ حيث كان هذا بين أسباب العمل على إنجاز «هدنة الجنوب» بعيدا من إيران لإبعاد تنظيمات تابعة لها عن حدود الأردن.
كما أوصى الخبراء والمسؤولون السابقون بضرورة توفير المساعدات الإنسانية وانخراط اللاعبين المحليين في «نشاطات الاستقرار المؤقت» بمن في ذلك أوروبا والدول المانحة والقطاع الخاص، مع احتمال تشكيل لجنة فنية بين الحكومة والمعارضة لمناقشة الاستقرار وإعادة الإعمار وتوفير خدمات الطاقة والمياه. وتضمنت المقترحات بحث فكرة تأسيس عملية دولية لتثبيت السلام في سوريا.
وكان المبعوث الدولي استعجل استئناف مفاوضات جنيف الشهر الماضي لإرسال إشارة إلى السوريين مفادها بأن مناطق «خفض التصعيد» مؤقتة ولن تكون دائمة وأنها لن تؤدي إلى تقسيم سوريا.
في موازاة ذلك، قالت مصادر مطلعة إن الاجتماع الفني بين ممثلي روسيا وإيران وتركيا في طهران قبل يومين حقق «تقدما مفاجئاً» بإقرار الخبراء من الدول الثلاث وثائق بينها واحدة تتعلق بآلية مراقبة الهدن والرد على الخروق. وتنتظر هذه الوثائق إقرارا سياسيا لدى اجتماع ممثلي الدول في «آستانة» قبل نهاية الشهر الحالي. وعزا مسؤول غربي «التقدم المفاجئ» في اجتماع طهران إلى «مرونة» تركية - إيرانية للبقاء في «عملية آستانة» بعدما نجحت موسكو في «الضغط» على البلدين لدى عقدها مع أميركا والأردن اتفاق «خفض التصعيد» في الجنوب ومع مصر اتفاقي الغوطة وريف حمص من دون انخراط مباشر لإيران وتركيا.
وتبحث أنقرة عن دور رئيسي في إدلب؛ المنطقة الرابعة لـ«خفض التصعيد»، (بعد الجنوب والغوطة وريف حمص)، بسبب خشيتها من اعتماد أميركا على «قوات سوريا الديمقراطية» وقيام «حزام كردي» من الشرق إلى الغرب على البحر المتوسط مروراً بريف حلب. ويُعتقد باحتمال إبداء أنقرة مرونة مع موسكو لدعم فصائل في «الجيش الحر» لقتال «جبهة النصرة» التي سيطرت على إدلب، مقابل إغلاق الحدود ودفع «الائتلاف الوطني السوري» المعارض والحكومة المؤقتة إلى الانتقال لمنطقة «درع الفرات» شمال حلب، مما يعزز خيار «الحل المحلي». ولوحظ قبل أيام توقف الدعم المالي الذي كان يأتي من قطر إلى تركيا ثم يسلم إلى رئاسة «الائتلاف».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.