لا يزال الجنيه الإسترليني يتعرض لمزيد من الضغوط التي تكاثفت مع بداية الأسبوع الحالي تزامنا مع صدور بيانات من مزود خدمات الدفع «فيزا»، التي تظهر تراجع إنفاق المستهلكين البريطانيين للشهر الثالث على التوالي في يوليو (تموز) الماضي، ليسجل أطول موجة هبوط فيما يزيد على 4 سنوات.
وما زال انخفاض الدخل الحقيقي ونسبة الادخار الأسري، التي بلغت بالفعل أدنى مستوى لها في 50 عاما بحسب وكالة «فيتش»، أمس، يشيران إلى أن الإنفاق الاستهلاكي مستمر في التباطؤ، في حين ستؤثر حالة عدم اليقين حول «بريكست» على معدلات الاستثمار في العامين الحالي والمقبل.
وانخفض الإنفاق الاستهلاكي بنحو 0.8 في المائة على أساس سنوي، بعد تراجعات متتالية في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) الماضيين، ورغم أن تقارير «فيزا» لا ترتبط عادة بالجنيه الإسترليني، فإن بيانات هذا الشهر تركزت على تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي وانخفاض مبيعات التجزئة إلى الارتفاعات التضخمية التي تفوق الأجور، في إشارة أخرى إلى امتداد تأثير التصويت وقرار الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
وتزيد وتيرة الهبوط عن مثيلتها في يونيو البالغة 0.2 في المائة بعد تراجع أيضا في مايو، مما يمثل أطول موجة هبوط منذ فبراير (شباط) 2013 حين كان الاقتصاد لا يزال هشاً ويكافح للتعافي من الأزمة المالية، وهو العام ذاته الذي وعد فيه رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون الناخبين بإجراء «التصويت المشؤوم» على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، منتشيا آنذاك بقوة تأثير حزبه في الشارع البريطاني، ومقتنعا باستطلاعات الرأي التي رجحت اختيار البريطانيين البقاء.
وقال كيفن جنكينز، المدير العام لـ«فيزا» في المملكة المتحدة وآيرلندا، في تصريحات له أمس: «يدلل الرقم على أن ارتفاع الأسعار وثبات نمو الأجور يضغطان على جيوب المستهلكين».
وخفض «بنك إنجلترا» الأسبوع الماضي توقعاته للنمو الاقتصادي للعامين الحالي والمقبل بما يرجع جزئيا إلى زيادة الأجور بوتيرة أبطأ من التوقعات، وتوقعات أضعف لإنفاق الأسر، مقارنة بقطاعات الاقتصاد الأخرى.
ويعتمد اقتصاد المملكة المتحدة بشكل كبير على الطلب المحلي، وفي حال استمرار تباطؤ الإنفاق لفترة طويلة، فإنه لن يتبقى لاقتصاد بريطانيا من منفذ نحو النمو إلا تكثيف التوجه نحو التصدير بصورة أكبر من أجل تحقيق نمو اقتصادي شامل وضمان استمرار انخفاض أسعار الفائدة في «بنك إنجلترا» لفترة أطول.
إلا أن خطوة «بريكست» من الممكن أن تعوق هذا المسار، نظرا لتعنت «الشريك» الأوروبي في مسألة منح بريطانيا «انفصالا فائزا»، ممتزجا باتفاقات تجارة تفضيلية من شأنها أن تحافظ لها على مكاسبها التجارية عقب الخروج من الاتحاد.
وعلى صعيد القطاعات، انخفضت 5 قطاعات من أصل 8، وشهد قطاعا النقل والاتصالات انخفاضا بشكل حاد بنحو 6.1 في المائة على أساس سنوي، يليهما قطاعا الملابس والأحذية بنسبة 5.2 في المائة، وهو ما يعد ثاني أسرع انخفاض في الإنفاق منذ أبريل (نيسان) 2012، وذلك بعد ذروة مايو الماضي.
وانخفض الإنفاق على السلع المنزلية بنحو 4.0 في المائة، وقطاعي الصحة والتعليم بنحو 2.4 في المائة، بينما ارتفع الإنفاق في قطاعي الفنادق والترفيه بنسب 6.0 و1.3 في المائة على التوالي.
وفي مؤشر آخر على تعسر الإنفاق، قال بنك «هاليفاكس» للقروض العقارية إن أسعار المنازل البريطانية ارتفعت بأبطأ وتيرة فيما يزيد على 4 أعوام خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في يوليو مع تأثر المستهلكين بارتفاع معدل التضخم بوتيرة أسرع من الأجور.
وارتفع متوسط أسعار المنازل خلال هذه الفترة 2.1 في المائة عنه قبل عام، مقارنة مع زيادة 2.6 في المائة في يونيو، وانخفاضا من وتيرة نمو تجاوزت 8 في المائة في يوليو من العام الماضي. وتوقع اقتصاديون في استطلاع أجرته «رويترز» زيادة اثنين في المائة.
وفي شهر يوليو وحده ارتفعت أسعار المنازل 0.4 في المائة لتتعافى جزئيا من هبوط شهري نسبته 0.9 في المائة في يونيو، وهي نسبة أعلى قليلا من متوسط التوقعات في استطلاع أجرته «رويترز» الذي أشار لنمو بنسبة 0.2 في المائة.
ونزلت الأسعار 0.2 في المائة في الفترة ما بين مايو ويوليو مقارنة مع الأشهر الثلاثة السابقة، وهو رابع هبوط فصلي على التوالي؛ بما يمثل أطول موجة نزول من نوعها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2012.
وتباطأت سوق الإسكان البريطانية كثيرا منذ التصويت لصالح «بريكست» في استفتاء يونيو 2016 حين كانت الأسعار تزيد بنحو 10 في المائة سنويا.
وانخفض الجنيه الإسترليني أمام الدولار بنحو 0.11 في المائة إلى 1.3025 دولار، كما تراجع أمام اليورو بنحو 0.3 في المائة إلى 1.1042 يورو، بحلول الثالثة عصرا بتوقيت غرينيتش، بعد أن تراجع الإسترليني إلى أدنى مستوى في 9 أشهر مقابل اليورو الخميس الماضي. وانخفض العائد على السندات انخفاضا حادا بعدما صوت «بنك إنجلترا المركزي» لصالح إبقاء أسعار الفائدة عند مستواها القياسي المنخفض وعدل توقعاته للنمو بالخفض.
ورغم رفع وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2017 و2018، فإنها تشعر بالقلق من تعثر الاقتصاد البريطاني مع تكثيف مفاوضات بروكسل.
وقد تم تأكيد التباطؤ في المملكة المتحدة منذ أواخر عام 2016 ومع صدور الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من العام الحالي، الأمر الذي أوضح أن النمو ما زال ضعيفا عند 0.3 في المائة.
«إنفاق البريطانيين» في أسوأ حالاته منذ «وعد كاميرون»
الادخار الأسري في أدنى مستوياته منذ 50 عاماً
«إنفاق البريطانيين» في أسوأ حالاته منذ «وعد كاميرون»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة