حصافة القضاء ورصانة الشورى

رحيل الشيخ حمود الفائز عن 77 عاماً

الشيخ حمود الفائز
الشيخ حمود الفائز
TT

حصافة القضاء ورصانة الشورى

الشيخ حمود الفائز
الشيخ حمود الفائز

في عالم اليوم، أناس نعرفهم بسيماهم، يعزفون عن بهرجة الأضواء، فلا تستطيع الوصول إليهم ولو حرصت، وآخرون لا يتزاور الوهج عنهم ذات اليمين ولا يُقرضهم ذات الشِمال، يتجاذبونه إلى أنفسهم، ويتعلّقون بشظاياه، وما يدرون أنهم قد يحترقون بها، أكثر مما يستضيئون.
والشيخ الفائز، الذي افتقده ديوانا القضاء والشورى في السعوديّة يوم أول من أمس، بعد غيبوبة دامت بضعة أشهر، لم يغب خلالها عن مشاعر أحبابه، كان من «عجينة» متوارية عن الشهرة والأضواء، ولا يجيد فنّ تصدّر المحافل، فهو يشقى به، ويُتعب ميوله واهتماماتِه.
شخصيّة قضائيّة فذّة، لا تختزن قواعد المعلومات عنه سوى رؤوس أقلام، من تاريخ ميلاده الذي لا يزيّفه (1940) في بيئة تخرّج فيها في القرن الماضي، مع ما فيها من شظف العيش وشقاء الحياة، ثلّة من علماء الشريعة، وكان الفائز واحداً منهم، نموذجاً في السعي لطلب العلم، ومثالاً للعصاميّة والاصطبار، فكان بين مسقط رأسه (المذنب في جنوب القصيم) ومنازل أسرته (شمال غربي إقليم الوشم وقاعدته شقراء) يتردّد في صغره جيئةً وذهاباً، إما على قدميه أو على الراحلة، كي يوفّق بين منزل والدته ومقر دراسته، وبقي طيلة حياته (77 عاماً) وفيّاً لعهد السنين، شغوفاً بحبّ الديار، يأنس بصورها، ويتردّد عليها متى سنحت له فرص الحياة، لا ينافس تلك المرابع عنده سوى بقاع الحرمين الشريفين.
ومع أنه سار في سلّم التعليم الجامعي الحديث بكل مدارجه، فإنه يكنّ لمشايخه التقليديّين؛ عبد الله بن حميد وعبد العزيز بن باز وصالح الحصيّن ذكرى التبجيل والاحترام.
قضى حياته في منأى عن التباهي والكِبْر، متدرّجاً بهدوء في مراتب القضاء ورئاسة ديوان المظالم وعضويّة مجلس الشورى، وعندما انتهى منها، عاد إلى منزله متفرّغاً للقراءة والبحث والتبتّل واجتماعيّات الأحباب، وتكريس الجهد لإصلاح ذات البين بين الفُرَقاء، مترسّماً في مسيرة حياته خطى شيخه العالم المستنير محمد بن جبير، وزير العدل ورئيس الشورى الأسبق.
عرفه عشرات من زملائه في القضاء وفِي الشورى، ومن جلسائه في علاقاته الاجتماعيّة، فوجدوه في كل موقع ومناسبة، تزداد المعرفة به إجلالاً ووثوقاً، وما ألْفوه يوماً مدّعياً لعلم، أو مترفّعاً بفوقيّة، أو متشدّقاً بفتيا، أو حتى متقدّماً لإمامة صلاة، فهو خرّيج مدرسة لا يُسجّل فيها ولا يتخرّج إِلَّا الأشدّاء من الرجال، الأقوياء على أنفسهم، مدرسةٍ ليست لأصول الفقه ولا لمبادئ العلوم والفلسفة فحسب، بل مدرسةٌ في أصول الأخلاق، وأكرم بها من مدرسة، وحسبك بها من دبلوم امتياز.
وهو ينحدر من بيت برز فيه أكثر من شاعر، فكان من الصعوبة على عارفيه أن يكسبوا منه اعترافاً بنظمه فضلاً عن روايته، وكانت الرجاءات وسيلة الظفر بأبيات من ابنه الشيخ فيصل، رثى بها أباه يقول منها:
بكيت بدمع العين، لو ينفع البكا
وأصدرت آهات تهزّ الجوامدا
إنه نموذج تواضع العلماء الكبار، وقدوة ذوي الأنفس العزيزة، ومثال الواثقين من أنفسهم، الذين لا يبيعون الذمّة، ولا يبتذلون الكرامة، فعاش كريماً ورحل على ذلك.
*إعلامي وباحث سعودي



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».