منتدى أصيلة يبدأ دورته الـ39 بندوة حول مكانة أفريقيا في العالم

عرب وأفارقة رصدوا ما عانته القارة من تحديات في العقود الماضية... وفرصها المستقبلية

محمد بن عيسى الأمين العام لـ«مؤسسة منتدى أصيلة» برفقة نبيل بن عبد الله وبجانبه نبيل الحمر مستشار ملك البحرين خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى (تصوير: مصطفى حبيس)
محمد بن عيسى الأمين العام لـ«مؤسسة منتدى أصيلة» برفقة نبيل بن عبد الله وبجانبه نبيل الحمر مستشار ملك البحرين خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

منتدى أصيلة يبدأ دورته الـ39 بندوة حول مكانة أفريقيا في العالم

محمد بن عيسى الأمين العام لـ«مؤسسة منتدى أصيلة» برفقة نبيل بن عبد الله وبجانبه نبيل الحمر مستشار ملك البحرين خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى (تصوير: مصطفى حبيس)
محمد بن عيسى الأمين العام لـ«مؤسسة منتدى أصيلة» برفقة نبيل بن عبد الله وبجانبه نبيل الحمر مستشار ملك البحرين خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى (تصوير: مصطفى حبيس)

شكلت أفريقيا وعلاقتها بالعالم موضوع نقاش أولى ندوات منتدى أصيلة «أفريقيا والعالم: أي عالم لأفريقيا؟»، شارك فيها مجموعة من الباحثين العرب والأفارقة.
وبحث المشاركون، مساء الجمعة، في الندوة، التي تنظم في إطار موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ39، بمكتبة الأمير بندر بن سلطان، التغييرات الجوهرية التي تعيشها القارة الأفريقية في السنوات الأخيرة، ورصدوا طريقها في التحول من قارة للفقر والأوبئة والديكتاتوريات، إلى مدار استقطاب دولي واسع بتجارب تنموية رائدة.
وقال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، وعمدة المدينة ووزير خارجية المغرب الأسبق، إن الندوة موضوع النقاش فرصة مهمة من أجل إنجاز مقاربة شمولية بأساليب ورؤى مبتكرة لتناول مشكلات وقضايا القارة الأفريقية، وتغيير النظرة التقليدية التي لطالما تعاملت معها على أنها فقط خزان للثروات المادية، مشدداً على أن الوقت قد حان من أجل النظر للقارة من زاوية الثروة اللامادية التي لا تفنى، وحددها في الإنسان الأفريقي الذي تجاهله العالم، لكنه نبه إلى أن الأفارقة واعون جيدا بالوضع الراهن، ومدركون أيضاً لما يزخر به هذا الفضاء الشاسع من قدرات بشرية خلاقة تركت بصمات إيجابية من خلال الإبداع في مجالات الفنون والموسيقى والآداب والعلوم والتكنولوجيا.
من جهة ثانية، أشار بن عيسى إلى أن موسم أصيلة الثقافي كان منذ انطلاقته عام 1978 ولا يزال حريصاً على مواكبة إشكالات القارة الأفريقية في كل مظاهراته، لافتاً إلى أن المملكة المغربية لم تتخلَّ عن النظر إلى أفريقيا، ليس فقط كشريك جغرافي، بل كمصير إنساني واقتصادي موحد وجامع.
من جانبه أشاد نبيل الحمر، مستشار العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بدور منتدى أصيلة كمحطة لجمع أهل الفكر والمعرفة، وتحدث عن علاقته بالمدينة والمنتدى وبعرابه محمد بن عيسى، مشيراً إلى مشروع استنساخ منتدى أصيلة في البحرين قبل سنوات، وقال إنه حقق نجاحاً معرفياً وجسد دور التعاون الإيجابي بين الشرق العربي وأقصى الغرب العربي، وتمنى لو يتم استنساخ التجربة في كل عاصمة عربية من أجل بناء ثقافة عربية جميلة.
أما محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال (الإعلام) المغربي، فتطرق في مداخلته إلى علاقة أفريقيا بالعالم في ظرفية اتساع الهوة بين العوالم، وما يقتضيه ذلك من نباهة في التعاطي مع قضايا التنمية في أفريقيا، انطلاقاً من قناعة وإيمان أبنائها بإمكانية رفع هذا الرهان بقوة الإرادة وعمق الثقة، مشيراً إلى بعض النقاط التي شدد عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطبه ذات البعد الأفريقي، وكذا انخراطه الميداني في دينامية انطلاق مشاريع وشراكات ذات آفاق تنموية ووحدوية على المستوى القاري.
وأضاف الأعرج أن رفع التحديات والرهانات التي سيناقشها منتدى أصيلة لن يكون ممكنا خارج ثالوث الفكر والثقافة والإنسان، مشيرا إلى أن العمق الإنساني هو «فضاء للتعبير عن قوة المشترك ووحدة المصير في هذا الكوكب».
من جهته، تحدث ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، عن أهمية البعد الأفريقي بالنسبة للمغرب، موضحاً أنه يحظى بالأولوية في سياسة المملكة الخارجية، وعلى هذا الأساس تشكل السياسة الخارجية للمملكة في المقام الأول التزاماً قوياً وشخصياً لعاهل اختار إعطاء التوجه الأفريقي للمغرب بعداً جديداً، مشيراً إلى أنه أيضاً ثمرة تفكير عميق لإضفاء روح التضامن والإصرار والإرادة على عمل المغرب «من أجل إقلاع أفريقيا»، ويتعلق الأمر بتغيير جذري للمعايير ومراعاة الموقع الاستثنائي الذي تحظى به أفريقيا.
واعتبر بوريطة أن عام 2017 هو عام الاحتفال بأفريقيا، لأنه تُوِّج بعودة المملكة المغربية إلى بيتها الأفريقي، وكذا بالموافقة المبدئية لرؤساء دول وحكومات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على طلبها لانضمامها لهذا التجمع الإقليمي، الذي يشكل نموذجاً ناجحاً للاندماج الاقتصادي للقارة.
وقال بوريطة إن هاتين الخطوتين تسعيان إلى توطيد التزام المغرب بأفريقيا في علاقاته الثنائية من أجل إعطاء قوة للمساهمة الفاعلة في رؤية أفريقيا من أجل السلم والتنمية، وذلك في إطار الشراكة المنتجة للثروة والمبنية على مبدأ المنفعة المتبادلة في مجالات كثيرة.
أما جون أجيكم كوفور، رئيس جمهورية غانا سابقاً، والرئيس المشارك للمنتدى الأفريقي - العربي - اللاتينو - أميركي، فقد قدم لمحة تاريخية عن الوضعية الاقتصادية للدول الأفريقية قبل وبعد الاستعمار، ورصد في مداخلته المشكلات التي خلفتها الأزمات على التوالي في كل فترة، وهي كلها تحديات، حسب رأيه، لم تكن أفريقيا قادرة على مواجهتها، وراكمت وراءها التخلُّفَات حتى أصبحت عاجزة. ورأى كوفور في رسالة وجهها إلى المنتدى، وتلاها نيابة عنه ممثل خاص، أن أفريقيا تعيش اليوم انتعاشاً اقتصادياً مهمّاً من خلال شراكات التبادل التجاري، والتطور الاقتصادي المطرد، وهي بوادر مشجعة للتنمية، كما تعززت مكانتها كأحد الأطراف الناشطة في المنظومة الاقتصادية العالمية.
ولأن أفريقيا مزيج بين دول تجمعها كثير من الخصائص وتفرقها أخرى، فقد استهل السنغالي أليون سال، المدير التنفيذي لمعهد مستقبل الأفارقة، مداخلته حول الهوية الأفريقية، معتبراً أن أفريقيا ليست كتلة واحدة، بل تجمع عدة أفريقيات، وأوضح أن العنصر الأفريقي «هو مزيج بين العرب والزنوج، وإذا أردنا أن نناقش أفريقيا فلا بد من أن نطرح بعض الأسئلة التي اعتبرها مهمة، أولها: ما إذا كانت أفريقيا جمعاً أم فرداً، ثم ما هي الآلات لقياس الأوضاع من باب النمو الاقتصادي؟»، فالتحسن الجديد في الوضع الاقتصادي، برأيه، ليس أمراً جديداً بل حدث قبل ذلك وعاد للانخفاض لاحقاً.
وبشأن الحكامة، أشار سال إلى أن هناك منظومات سياسية أفريقية تشهد التفتت والانفصال والانطواء على الذاتية والتطرف والاختلاف، ثم تساءل إذا كانت أفريقيا قد استعادت مكانتها التي لم يكن يجب أن تفقدها أم أنها مجرد حمل أسفرت عن إجهاض؟ً
من جهته، أشار إدريس الكراوي، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي وعضو في مجلس إدارة المجلس الدولي للعمل الاجتماعي، إلى أن منظومة الاقتصاد العالمي في طور إعادة توزيع القوى السياسية، موضحاً أن المغرب من بين الدول الصاعدة في أفريقيا نتيجة للعمل المضني الذي يقوم به، مما دفعه إلى اكتساب مكانته راعياً أول في أفريقيا، ومبرزاً أن أفريقيا باتت تشهد اليوم ثورة جديدة من خلال الصناعات والثروة الطبيعية والذكاء المعرفي والقوة البشرية، وتوقع، في السياق ذاته، أن تصبح أفريقيا من بين الدول العظمى عالمياً من حيث عدد السكان، الذي سيصل إلى 61 في المائة من سكان العالم، بما يزيد عن مليارين وأربعمائة مليون نسمة، وهو ما سيتطلب ضرورة تحسين إدارة الثروات الطبيعية وتحسين العجز في بعض المجالات، وذلك عبر إعادة أنماط التنمية بحيث تكون العملية في أيدي الأفارقة أنفسهم، من دون أن نغفل المشكلات التي تواجهها القارة اليوم، ثم التخطيط على المدى المتوسط واعتماد مبدأ المساءلة، بناء على تفكير مستقل وطرح للواقع دون تشاؤم أو تفاؤل مفرط.
من جهته، تطرَّق موسى سيك، رئيس المركز الأفريقي الاستراتيجي، إلى مشكلة الجوع في أفريقيا، باعتبارها من المشكلات المستعصية في القارة السمراء، ورأى أنه قبل التفكير في أي شيء من أجل أفريقيا يجب التخلص من الجوع لأن الثقافة الغذائية، في رأيه، تعد من أهم الأمور التي يجب تجاوزها ليتمكن الأفارقة من تقديم شيء آخر لأنفسهم وللمجتمع، موضحاً أن أفريقيا يمكنها أن تنتج من الحبوب ما يكفي العالم كله لأنها تملك ثروة بشرية هائلة، وأراضي شاسعة يمكن استغلالها من أجل تحقيق التنمية.
من جانبه، قال يوسف العمراني، المكلف مهمة في الديوان الملكي المغربي، والوزير المنتدب السابق في الخارجية، إن «انخراط أفريقيا في هذه المنظومة مهم، لكن دون أن تمس بمصالحها وخصوصيتها، فالأفارقة أصبحوا مدركين أن المجتمع الدولي عاجز عن حل الأزمات، وعليهم إعادة النظر في الهياكل الدولية»، متسائلاً ما إذا كان يجب على الأفارقة أن يقبلوا التباين في الطرح في التعامل مع الأزمات وضمان اندماجهم في العالم؟
والرد بالنسبة للعمراني واضح؛ فأفريقيا «بحاجة إلى المزيد من التكامل والحكم الرشيد، فهناك أزمات ومشكلات أمنية جدية يجب التعاون من أجل إيجاد حل لها، أما العولمة فلها إيجابياتها، شريطة أن تتم السيطرة عليها حتى لا تهمش أحداً، والرهانات التي لا تتوافق معها تتطلب ردود فعل مشتركة، والعولمة نمط يمكن الاستفادة منه شرط أن تكون التنمية البشرية في صلبه».
أما برونوين بروتن، نائبة مديرة المجلس الأطلسي، فانتقدت موقف الولايات المتحدة في تعاملها مع أفريقيا وتهميشها، والنظر إليها بعين الارتياب بسبب المشكلات التي تعاني منها، وقالت إن أفريقيا نشطة وأميركا يجب ألا تتجاهل هذا الأمر بسبب المشكلات من خلال انطباعات جاهزة.
بيد أن بروتن قالت إنها متفائلة بشأن أفريقيا، حيث تتوقع أن تحقق نمواً حقيقياً في ظرف أربعة عقود، مضيفة أنه يجب على أميركا أن ترى فيها منبع الفرص الجديدة، وليس التركيز على الجوانب السلبية، فأميركا تشيخ، في نظرها، والعكس يحصل في أفريقيا.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.