أدغار ألان بو... ألغاز لا تزال قائمة

في متحف صاحب قصيدة «الغراب»

متحف بو في ريتشموند
متحف بو في ريتشموند
TT

أدغار ألان بو... ألغاز لا تزال قائمة

متحف بو في ريتشموند
متحف بو في ريتشموند

هنا، في ريتشموند (عاصمة ولاية فرجينيا، مسافة ساعتين بالسيارة من واشنطن العاصمة)، يوجد «متحف بو» رغم أن صاحب قصيدة «الغراب» لم يسكن في هذا المكان، فقد ولد في ولاية ماساجوستس، ولم يعش غير أعوام قليلة في ولاية فرجينيا.
يقع المتحف في حي «شوكو بوتوم» في وسط مدينة ريتشموند، في منطقة تاريخية، جعلت إدارة تخليد الأماكن التاريخية الأميركية تضعها في قائمتها. ويحتل هذا المتحف أقدم منزل في المنطقة، فقد بني عام 1740، قبل 36 عاماً من تأسيس الولايات المتحدة.
ولد «بو» في بوسطن عام 1809، وفي وقت لاحق، انتقل مع عائلته إلى ريتشموند. وعندما كان صبياً، زار المنزل في يوم احتفالات وطنية، وكانت تلك أول وآخر مرة يزوره. لكن، لأعوام قليلة، سكن «بو» بالقرب من المنزل. وعمل مرتين في دار مجلة «ساثيرن ليتراري» (المجلة الجنوبية الأدبية)، القريبة من المنزلين: أول مرة، وهو صبي، حين كان مراسلاً، يقدم القهوة والشاي، وينقل مواد الطباعة من المحررين إلى المطبعة. وثاني مرة، بعد 10 أعوام، صار نائب رئيس تحرير المجلة.
* روايات وقصائد
اشتهر «بو» بعد أن نشر ديوان شعر، وروايتي «بوليتيان»، و«فاوند إن بوتيل» (وجد داخل زجاجة). وتصور هذه الأخيرة بحاراً اختفى في ظروف غامضة في أعماق البحار. وكانت تلك أول روايات الألغاز التي تخصص فيها فيما بعد.
في وقت لاحق، نشر «بو» قصيدة «الغراب». وفيها، أيضاً ألغاز، عن غراب يزور رجلا حزينا فقد حبيبته. ويردد أصواتا مفزعة، ويتصرف تصرفات غريبة، وينطق كلمات بشرية، قادت الرجل نحو الجنون.
وهذه آخر فقرة في القصيدة: «يظل الغراب جالسا يحدق، جالسا يحدق. تبدو عيناه مثل عيني شيطان يحلم. وفوق الغراب ضوء خافت، يعكس ظله على الأرض. ظل مثل شخص على الأرض. ظل هو روحي». زادت ألغاز وأحزان بو مع سوء حظه مع النساء: ماتت واحدة قبل أن يتزوجها، وماتت ثانية بعد أن تزوجها، ورفضت ثالثة أن يتزوجها.
ووسط مزيج من ألغاز رواياته، وألغاز حياته، أدمن الخمر. وفي عام 1849 (كان عمره 40 عاما فقط)، وقع شبه ميت، وهو مخمور، في بولتيمور (ولاية ماريلاند). وتوفي بعد أن نقل إلى المستشفى.
وحسب كتاب «آخر أيام أدغار مو»، يظل موته لغزاً، ربما أهم من كل الألغاز في رواياته. فعندما نقل مخموراً إلى مستشفى واشنطن العاصمة، لم يقدر على أن يشرح ماذا حدث له، كما هناك لغز الملابس التي كان يلبسها في تلك الليلة. فحسب تحقيقات الشرطة، لم تكن ملابسه. من صاحب تلك الملابس؟ وأين ملابسه؟ وكيف، ولماذا، ومتى استبدلها؟ واللغز الآخر اسم «رينولدز» الذي ناداه مرات كثيرة، وهو مخمور في الطريق إلى المستشفى. من هو «رينولدز»؟ ولماذا كرر اسمه؟ وماذا أراد أن يقول له؟ واللغز الأكبر الآخر، حسب الكتاب، اختفاء كل أوراق دخوله المستشفى، ونتيجة فحص الأطباء له، وحتى شهادة موته. لماذا اختفت؟ ومن أخفاها؟ وأين هي؟
يشاهد من يزور بولتيمور اليوم قبر بو، مع قبور أخرى، قرب كنيسة ويست منستر. لكن، في الحقيقة، لم يكن هذا قبره الأول. دفن، أول مرة، قرب الكنيسة البرسباتيريانية القريبة. لكن، أعيد بناء هذه الكنيسة الأخيرة، وصار لها اسم جديد، وتنازعت الكنيستان حول قبره. ثم حفر قبره، ونقل جثمانه إلى مكان آخر قريب.
حتى وقت قريب، ولعشرين عاماً، وفي ليلة عيد ميلاده، كان مجهول يضع وردة حمراء وزجاجة «كونياك» على القبر. (يعتقد أنه كان يحمل واحدة مثلها عندما وجد على الأرض مخمورا).
وتفتخر بولتيمور اليوم بفريق «ريفن» (الغراب) لكرة القدم، الذي سمي على اسم قصيدة بو. لكن، عكس القصيدة الحزينة والغامضة، يحقق الفريق انتصارات كثيرة كل عام، ويبهج مشجعيه.
* قصيدة «أرابيسك»
في عام 1840، نشر بو رواية «غروتيسك آند أرابيسك»، عن أحداث وألغاز في بلد بعيد. وحتى اليوم، يتناقش النقاد الأدبيون في معنى الكلمتين: فـ«غروتيسك» تعني شيئاً فظيعاً، و«أرابيسك» تعني الفن الإسلامي. لكن، ماذا يقصد بو عندما استعمل الكلمتين؟ ولماذا جمع بينهما؟
مؤخراً، في عصر الحرب ضد الإرهاب، قال بعض النقاد إن كلمة «أرابيسك» تعني «الإرهاب». من بين هؤلاء هاري لي بو (حفيد بو). فقد كتب، في كتاب صدر قبل أعوام قليلة: «في روايات بو، تعني كلمة (غروتيسك) الفزع، شيئاً يدعو القارئ للتقزز. لكن، كلمة (أرابيسك) تعني الإرهاب، أي روايات ترهب القارئ».
وفي الحقيقة، استعمل بو كلمة «إرهاب»، لكن في محتوى آخر، رداً على نقاد قالوا إن روايته تحابي الألمان على حساب الفرنسيين.
وربط كثير من النقاد بين الرواية وبين انتصارات الألمان في أوروبا. واتهموا بو بأنه ينتمي إلى «جيرمانيزم» (العقيدة الألمانية، التي سبقت العقيدة الشيوعية. ووصفها أعداؤها بأنها «إرهاب ألماني»).
كتب بو: «نعم، استعملت كلمة (إرهاب) في روايتي. لكن، لا يقتصر الإرهاب على الألمان. الإرهاب في الروح». وقال إنه استعمل كلمة «أرابيسك» (الفن الإسلامي) في رواية لها صلة بالفن الغوطي (فن المعمار الألماني القديم).
لكن، اتفق كثير من النقاد على أن الرواية، مثل روايات بو الأخرى، فيها غموض وألغاز تصعب تحليلها تحليلاً مباشراً ومنطقياً.
* قصيدة «تيمورلنك»
هذه قصيدة عن السلطان تيمور المغولي، الذي توفي عام 1405، وهو مؤسس الدولة التيمورية فيما يعرف اليوم بأفغانستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، وأجزاء من إيران والقوقاز. عاصر مماليك مصر، وخلفاء تركيا، وسلاطين شبه قارة الهند. وأراد إعادة إمبراطورية جنكيزخان، الذي عاش قبله بأكثر من 200 عام. وسمى نفسه «جنكيزخان المسلم». لكن، تحطمت دولته بعد وفاته بوقت قصير.
في القصيدة، يهجر تيمورلنك حبيبة الصبا والشباب، ويقود جيوشاً عملاقة لتأسيس إمبراطورية. لكن، على فراش موته، يندم على ما فعل. تقول القصيدة: «بنيت مملكة فوق قلب محطم».
مثلما في قصائد أخرى، يوجد كثير من الغموض والألغاز في هذه القصيدة. عندما يتحدث عن حبيبته التي هجرها يسميها «ادا». وهذا اسم بنت الشاعر البريطاني لورد بايرون، الذي كان أستاذ بو. في الوقت نفسه، هناك «سارة»، حبيبة بو الحقيقية.
بطريقة ما، يخلط «بو» بين هؤلاء النساء، وبينه، وبين تيمورلنك، وبين الشرق والغرب، والنصر والهزيمة.
وفي وقت لاحق من نشره هذه القصيدة، كتب بو: «ما كنت أعرف كثيراً عن تيمورلنك. لكني شاعر. لهذا، منحت نفسي حرية أن أتخيل ما أريد أن أتخيل».



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.