«مقتل بائع الكتب»... رواية فكرية في إطار بوليسي

رشحت ضمن القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» العربية

«مقتل بائع الكتب»... رواية فكرية في إطار بوليسي
TT

«مقتل بائع الكتب»... رواية فكرية في إطار بوليسي

«مقتل بائع الكتب»... رواية فكرية في إطار بوليسي

أثارت رواية «مقتل بائع الكتب» لسعد محمد رحيم، منذ وصولها إلى القائمة القصيرة لجائزة البُوكر العربية لعام 2016 حتى الآن، كثيراً من الأسئلة التي تتعلق بالنوع الأدبي، والشكل، والمضمون، والشخصية السيرية، وما تنطوي عليه من إشكالية معقدة، يتلاقح فيها الأدب والفن والفكر من دون أن يهمل الرؤية السياسية المشوشة لبطل الرواية محمود المرزوق، أو لبقية الشخصيات الثانوية التي تُسهم في حبكة الثيمة التي تتحرّك ضمن أنساق سردية تعتمد كثيرًا على الاستعادات الذهنية، لاستجلاء الحقائق التي تتعلق ببائع الكتب قبل مقتله في ظروف مُلتبِسة سوف تؤسس شيئاً فشيئاً متن الكتاب الذي كُلِّف به الصحافي ماجد بغدادي، من قِبل شيخ سبعيني غامض لن نتعرّف عليه إلاّ في الصفحات الأخيرة من الرواية.
ليس غريباً أن يُصنِّف بعض النقاد العراقيين والعرب هذه الرواية بالبوليسية (Detective) لأن تركيز القارئ سينصرف مباشرة إلى ثلاثة ألغاز لا بد من حلِّها؛ الأول: مَنْ هو الرجل السبعيني الغامض الذي كلّف الصحافي ماجد بغدادي لإنجاز كتاب عن محمود المرزوق الذي قُتل في شارع الأطباء ببعقوبة؟ والثاني: مَنْ هو القاتل الذي اغتال المرزوق في رابعة النهار؟ والثالث: مَنْ هي الجهة التي تقف وراء القاتل؟ هذه الأسئلة هي التي دفعت النقّاد لتوصيف الرواية ضمن خانة أدب الجريمة، وهم محقّون في ذلك لأن سعد محمد رحيم حوّل جريمة مروِّعة إلى نص روائي ينطوي على كثير من الترّقب والتشويق والإثارة، وهي من أبرز عناصر أدب الجريمة Crime Fiction الذي يطرح دائماً سؤالاً محدداً، مفاده: مَنْ الفاعل؟ أو مَنْ القاتل؟ Whodunit؛ وكلا السؤالين يحضر بقوة في رواية «مقتل بائع الكتب».
ويختلف الشكل الروائي في «مقتل بائع الكتب» عن روايتيه السابقتين: «غسق الكراكي» و«ترنيمة امرأة.. شفق البحر»، فالزمن الروائي لا يندفع بشكل خطّي مستقيم، وإنما يعتمد على استرجاعات ذهنية كثيرة، تستحضر ماضي البطل محمود المرزوق منذ لحظة اغتياله على مقربة من سرداب العمارة التي يسكن فيها حتى أيام صباه ويفاعته الأولى، مروراً بدراسته الجامعية، وسجنه في «نقرة السلمان»، وسفره إلى براغ، وهربه إلى باريس، وعودته المفاجئة إلى بعقوبة، التي سوف يُغتال فيها على يد قاتل مُحترف.
ويعتمد رحيم في صياغته للشكل الفني، الجديد نسبياً، على خمس تقنيات، وهي: الصور الفوتوغرافية، وشريط التسجيل، واللوحات الفنية، والرسائل، واليوميات التي استقاها تباعاً من مصطفى كريم، والقاص هيمن قره داغي، والرسّام سامي الرفاعي، وفراس سليمان، و«رباب» التي تسترت وراء هذا الاسم المُستعار الذي اختاره لها المرزوق تدليعاً وتحبباً، وهي تقنيات متنوعة كسرت أفق السرد في الأقل، وأنقذته من احتمالية الوقوع في مطبّ الرتابة.
ويتجلى مضمون الرواية في ثيمات متعددة، من بينها استبداد السلطة، وحرية المواطن، والحُب، والسجن، والتعذيب، والحرب الطائفية، والاحتلال الأميركي، والمنفى، واليأس، والإحباط، واهتزاز القناعات الفكرية باليسار العراقي، وانهيار المعسكر الاشتراكي، هذا إضافة إلى ثيمات الثقافة والفن والإبداع والرومانسية التي تتمحور عليها شخصية محمود المرزوق المُبهمة المحيِّرة لأصدقائه القدامى والمحدثين. وبما أن الثيمات كثيرة يصعب حصرها في مقال واحد، فسوف نركِّز على ثلاثٍ منها لأنها تُشكِّل الركائز الأساسية في شخصية المرزوق، وهي: الحُب، والموهبة الفنية، والإيمان الفكري. فبعد أن سُجن في «نقرة السلمان» خمس سنوات، خسر ثلاثة أشياء مهمة، وهي: إيمانه الكلي بالحُب، بعد أن تزوجت حبيبته غادة. كما خسر ثلاثة أرباع إيمانه بموهبته كفنان تشكيلي. أما على الصعيد الفكري، فقد خسر نصف إيمانه باليسار، فكراً وتنظيمات. ما يهمنا على صعيد المضمون هو الخسارة الثالثة. فعلى الرغم من اقترابه الشديد من الماركسية، فإنه لم ينتمِ إلى حزب. ومع ذلك، فقد زُجّ به في السجن، وعُذِّب، فآثر الرحيل إلى المنافي الأوروبية، لكنه فوجئ بانهيار المنظومة الاشتراكية. ولعل ما تعرّض له في براغ أقسى بكثير مما صادفه في المعتقلات والسجون العراقية، لذلك قرر العودة إلى بعقوبة؛ المكان الأول الذي أحبّه، وتعلّق فيه، لكنه عاد كشخص عدمي، غير ملتزم، وقد تحريفي كما يصفه البعض، لا يعتقد مُطلقاً أن العراقيين قد أصبحوا أحراراً بعد سقوط الصنم لأن الحرية الحقيقية تحتاج إلى سنوات طويلة كي تتحقق في بلد مثل العراق، ما دام «التاريخ فيه يسير على السكة الخاطئة» (ص34).
وتُشكِّل الشخصية السيرية القسم الأكبر من النص الروائي. وبما أنها وعرة، ويكتنفها الغموض، فلا غرابة أن تحمل معها إثارتها مع كل اكتشاف جديد، بدءاً من الصور الفوتوغرافية التي التُقطت له من قِبل أصدقائه اليساريين إثر خروجه من السجن، مروراً بالكاسيت الذي سجّل محاضرته الوحيدة التي باح بها بكل شيء تقريباً، وانتهاءً بلوحاته وتخطيطاته ورسائله ويومياته.
لعل سائلاً يسأل عن مكمن القوة في هذه الرواية تحديداً؟ فيأتي الجواب سريعاً، ومن دون تردّد: حلاوة اللغة، وطلاوة السرد، وعذوبة الأفكار التي تتدفق على مدار النص الروائي، غير أن النهاية تبدو قلقة مُرتبكة، فمن غير المعقول أن القاتل المحترف يَقتل الإنسان الخطأ بسبب مصادفة عمياء، فلم يكن محمود المرزوق على لائحتهم أصلاً!
تتوهج لغة رحيم في صياغة الأفكار، وتطويع اللغة الفلسفية، فكيف سيكون الأمر حينما تنغمس شخصياته في معترك الحُب، وتغرق بالعواطف الإنسانية الجيّاشة؟ هذا الزخم اللغوي يشتدّ في أثناء الفوران الوجداني الذي لمسناه مع غادة أو رباب، وناتاشا الروسية التي أحبها في براغ، وجانيت الفرنسية التي سيتركها دون إرادته وهي تصارع السرطان اللعين وحدها، أو سماهر التي تعلقت به لمدة ثلاث سنوات، قبل أن تتزوج من غيره ليتنفس الصعداء وهو يقف في محطة العمر الأخيرة.
ينحدر المرزوق من عائلة برجوازية تمتلك البساتين وتُتاجر بالأقمشة، لكنه انحرف صوب الإبداع الفني الذي سيقلب حياته رأساً على عقب، ويزرع فيه بذور التمرد، ليس في الفن فقط وإنما في مختلف مناحي الحياة الفكرية والثقافية. فهو قارئ جيد، وقد وجدوا على طاولته كتباً نوعية، كما أنه فنان تشكيلي ظل منهمكاً في الرسم، مواظباً عليه طوال حياته. والدليل أن كرّاسة الاسكتشات الأخيرة كانت تحتوي على كثير من التخطيطات التي لم تُترجم إلى لوحات فنية. أما على الصعيد الفكري، فهو يساري، لكنه لم ينتمِ حزبياً، وسوف يظل محسوباً على اليسار في العراق، أو في براغ، أو في فرنسا، وقد دفع أثماناً باهظة لهذه القناعة الفكرية. وحسناً فعل الروائي، حينما تناول هذه الشريحة الواسعة من المثقفين العراقيين المحسوبين على اليسار العراقي، من دون أن ينتموا. ومحمود المرزوق هو النموذج المثالي لهذه الفئة المتنورة التي ضحّت بالغالي والنفيس من أجل قناعاتها الفكرية.
لم تنجُ الرواية من أصداء «مصطفى سعيد»، وثنائية الشرق والغرب، وبعض الأفكار الكونية، مثل: «الخراب»، و«العدم»، و«اللاجدوى»، حيث يقول المرزوق: «تخربت حياتي هنا منذ ذلك اليوم، يوم جرجروني مثل كلب أجرب، ووضعوني في ذلك القطار.. سعيت أن أصلح بعض الأشياء ولم أفلح.. تخرّب الحال، تخرّب العالم» (ص57). وهي الفكرة ذاتها التي اجترحها قسطنطين كافافي، حينما قال: «إذا خرّبت حياتك في هذا الركن الصغير من العالم، فهي خراب أينما حللت».



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.