عائلات سورية تفترش أرصفة بيروت في انتظار وجبات الإفطار

أطفال يبحثون عن عابر سبيل

أحمد شيخاني ووالدته نازحان سوريان بات الشارع مسكنهما اليومي («الشرق الأوسط»)
أحمد شيخاني ووالدته نازحان سوريان بات الشارع مسكنهما اليومي («الشرق الأوسط»)
TT

عائلات سورية تفترش أرصفة بيروت في انتظار وجبات الإفطار

أحمد شيخاني ووالدته نازحان سوريان بات الشارع مسكنهما اليومي («الشرق الأوسط»)
أحمد شيخاني ووالدته نازحان سوريان بات الشارع مسكنهما اليومي («الشرق الأوسط»)

عشرات العائلات السورية المشردة تفترش أرصفة شارعين في بيروت غروب كل يوم من أيام شهر رمضان، حيث يغص شارع اليونيسكو بأطفال ينتظرون وجبة إفطارهم من عابر سبيل... كما تغص المنطقة المحاذية للمدينة الرياضية بعائلات جائعة تنتظر وجبات الإفطار أيضاً، بعدما وصل الفقر ببعض اللاجئين السوريين إلى حد الجوع.
لم تكن الظاهرة منتشرة في بيروت قبل رمضان الحالي. بقيت في السابق مخبأة تحت أسقف الخيام ومنازل المحتاجين، رغم أن الأرقام الصادرة عن دراسة أجرتها مفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسيف، تظهر أن أكثر من 70 في المائة من اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر (أقل 3.8 دولار يوميّاً). وتترافق الحاجة للطعام، مع الحاجة للمأوى، التي تثبت بدورها وجود متشردين، في وقت تعتبر مفوضية اللاجئين الأممية أن أكثر من 50 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون في أماكن غير آمنة.
غير أن ظاهرة التشرد تظهر لأول مرة في مدينة بيروت بشكل علني، منذ بدء موجة النزوح السوري إليها. والمؤكد هنا، أن ظاهرة الفقر، تفاقمت، مع وجود معلومات عن أن القسم الأكبر من اللاجئين يضطرون تحت ضغط الحاجة إلى تقليل عدد وجبات الطعام لتخفيف الإنفاق اليومي.
في منطقة الكولا (غرب بيروت)، يمكث الرجل الخمسيني أحمد الشيخاني في الطريق العام منذ مطلع رمضان، بعد أن تعذّر عليه تسديد إيجار المنزل. لا خيار أمام أحمد الذي يعاني من مرض السكري، سوى التشرد، كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ذلك أن التشرد يريحه من النفقات اليومية. فلم تعد هناك أقساط شهرية، تنتظره، ولا مصاريف لتأمين المعيشة. أما فيما يخص برنامج الأمم المتحدة للمساعدات الغذائية، فيؤكد أنه «لم يعد مسجّلاً في مفوضية الأمم منذ سنتين، عندي 4 شبان فوق السن القانونية (18 سنة)، ما يعني بحسب الشروط أنني لستُ بحاجة إلى مساعدة، ولذلك لا أستفيد من أي تقديمات». ورغم أن التشرد قاسٍ، لكنه حل ريثما يتمكن أحمد من إيجاد عمل وتأمين الدخل. يقول: «نحن هنا فقط في شهر رمضان، نأكل مما يقدم الناس لنا، وننام على الرصيف».
حالة عائلة أحمد ليست الوحيدة في لبنان، وفق ما تقول المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد، إلا أنها تصفها بـ«المؤقتة»، وتوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «يُضطَر عدد من اللاجئين السوريين إلى العيش في وضع مزرٍ إما في بيوت غير مهيأة للسكن أو في الشارع ريثما يستعيدون أو يرتبون وضعهم المادي، إلا أن المفوضية تساعدهم إلى حين إيجاد البديل». وتؤكد أن المفوضية على علم بحالة التشرد هذه، وتعمل على معالجتها ومساعدة العائلة من خلال لجنة تضم فريق الحماية الخاص باللاجئين وتواكب العائلة للوصول إلى حل مناسب.
تنفي أبو خالد شطب العائلة من ملف المسجلين في المفوضية، مؤكدة استحالة إلغاء أي اسم موجود في المفوضية، إلا أن الأمر «يقتصر على تقليل المساعدات لا أكثر أو أقل». وتوضح: «يتم فصل عدد من اللاجئين إما من برامج غذائية محددة أو مساعدات مالية، نظراً لوجود عائلات أخرى بحاجة أكثر إلى هذه المساعدات». وتؤكد أن تحديد الفئات الأكثر حاجة أمر اضطراري متعلق بنقص التمويل في المفوضية. فيطال برنامج المساعدات المادية 25 في المائة من اللاجئين السوريين أي ما يقارب 30 ألف عائلة فقط. وتقول: «هذه العوائل الأسوأ حالاً في لبنان، نقدم لها مبلغاً شهرياً يصل إلى 175 دولاراً».
وفي ظل تزايد الاحتياجات، وتراجع التمويل، تتفاقم حالة الفقر التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان. فهناك أكثر من 90 في المائة من اللاجئين غارقون في الديون، حسب ما تقول أبو خالد، استناداً إلى دراسة أجرتها أخيراً مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي. وتشرح: «في ظل هذه المعطيات يضطر اللاجئون إلى استراتيجيات للتأقلم، مثل تقليل عدد وجبات الطعام، أو إرسال أبنائهم للعمل، أو الانتقال من مساكن وملاجئ آمنة إلى الإقامة في مخيمات وخيام هشة أو مستودعات ومبان غير مكتملة».

بانتظار وجبات الإفطار
هذه المعطيات، تترجم على أرض الواقع مع اتجاه اللاجئين السوريين إلى الشارع لتأمين قوتهم في شهر رمضان. فاللاجئة السورية علا (أم ثلاثينية لثلاثة أولاد)، تأتي يومياً مع أطفالها الثلاثة من منطقة الأوزاعي وتفترش الرصيف المؤدي إلى اليونيسكو، بانتظار أن يحمل لها أحد المارة وجبة إفطار لها ولعائلتها.
وكانت علا تعمل في تنظيف المنازل، إلا أنها توقفت عن العمل بعد أن وضعت مولودتها. تقول وهي تحضن طفلتها: «ليس لدي أي مدخول شهري، أجلس يوميّاً هنا للحصول على طعام كي أفطر وأطعم أولادي». وتضيف: «لا أعلم من هم الأشخاص الذين يقدمون لي الطعام. الوجوه تتغير من يوم إلى آخر، تمر أحياناً سيارة ويقدم أحد الراكبين علبة طعاماً، وبالأمس مرت سيارة تابعة للقوة الأمنية أعطتنا طعاماً» تقول وهي تمد يدها لالتقاط كيس طعام من شاب على دراجة نارية.
وفي المنطقة ذاتها، تقف أم محمد (أم لثلاثة أولاد)، لتبيع رزمة من المحارم الورقية والحصول على الطعام كمساعدات خيرية من المارة. كل ما تريده أم محمد هو بيع المحارم كي تتمكن من شراء ملابس العيد لأطفالها. وقوفها في هذه البقعة ليس بهدف تأمين مدخول يومي، فحسب، بل تسعى للحصول على مساعدات غذائية أيضاً. وتقول: «لا أستطيع شراء الطعام، وأنا أصوم في رمضان فلا يسعني سوى انتظار الحصول على الطعام من أي شخص يعطف علينا».



«أطباء بلا حدود»: وضع الأطباء في غزة «لا يزال صعباً جداً» رغم الهدنة

رئيس منظمة أطباء بلا حدود جاويد عبد المنعم (أ.ف.ب)
رئيس منظمة أطباء بلا حدود جاويد عبد المنعم (أ.ف.ب)
TT

«أطباء بلا حدود»: وضع الأطباء في غزة «لا يزال صعباً جداً» رغم الهدنة

رئيس منظمة أطباء بلا حدود جاويد عبد المنعم (أ.ف.ب)
رئيس منظمة أطباء بلا حدود جاويد عبد المنعم (أ.ف.ب)

أكَّد رئيس منظمة أطباء بلا حدود جاويد عبد المنعم، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، أن ظروف المسعفين والمرضى في غزة لا تزال على حالها رغم الهدنة الهشة التي تسري منذ نحو شهرين في القطاع.

وقال عبد المنعم، الأحد، متحدثاً عن ظروف الطواقم الطبية العاملة بمستشفيات غزة إن الوضع «لا يزال صعباً جداً كما كان دائماً»، مضيفاً أن «الرعاية المقدمة للمرضى دون المستوى المطلوب» وأن المساعدات التي تدخل الأراضي الفلسطينية غير كافية.

ودعت المنظمة طرفي النزاع في السودان إلى ضمان حماية العاملين في المجالين الإنساني والطبي.

وقال عبد المنعم: «على كلا الطرفين منح العاملين في المجالين الإنساني والطبي الحرية والحماية وتمكينهم من الوصول إلى السكان»، موضحاً أن طرفي النزاع يواصلان هجماتهما على منشآت الرعاية الصحية.


ما نعرفه عن المعارك الضارية في منطقة كردفان السودانية

نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)
نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)
TT

ما نعرفه عن المعارك الضارية في منطقة كردفان السودانية

نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)
نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)

تشهد منطقة كردفان الاستراتيجية في السودان قتالاً عنيفاً بين الجيش و«قوات الدعم السريع» التي شجعها تقدّمها في إقليم دارفور، وسيطرتها الكاملة عليه.

وحشدت «قوات الدعم السريع» وحداتها في هذه المنطقة الخصبة، والغنية بالنفط، والذهب الواقعة في وسط السودان، وصعّدت هجماتها فيها مع الميليشيات المتحالفة معها بعد سيطرتها على الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، يرى المحللون أن تركيز «قوات الدعم السريع» على هذه المنطقة يرمي إلى كسر القوس الدفاعي الأخير للجيش حول وسط السودان، سعياً إلى استعادة العاصمة الخرطوم، وسواها من المدن الكبرى.

وفي ظل تَناقُض تصريحات الأطراف المتحاربة، يتعذر التحقق بدقة من المعلومات الواردة من منطقة كردفان، بسبب صعوبة الوصول إليها، وانقطاع الاتصالات.

لكنّ مسؤولين محليين وعاملين في المجال الإنساني، إضافة إلى الأمم المتحدة، يشيرون إلى تكثيف القصف، والضربات بالطائرات المسيّرة، ويتحدثون عن نزوح للسكان، وخطر وقوع فظائع.

لماذا كردفان؟

يشكّل إقليم كردفان الشاسع المقسّم إلى ثلاث ولايات، والمعروف بالزراعة، وتربية الماشية، صلة وصل استراتيجية لحركة الوحدات العسكرية، وعلى المستوى اللوجستي، إذ يقع بين المناطق التي يسيطر عليها الجيش في الشمال، والشرق، والوسط، ومنطقة دارفور في الغرب، والتي باتت «قوات الدعم السريع» تسيطر عليها.

ويشتهر كردفان اقتصادياً بإنتاج الصمغ العربي، وزراعة السمسم، والذرة الرفيعة، وحبوب أخرى، تُسهم، إلى جانب الماشية، في الثروة الزراعية للسودان.

وتضم المنطقة مناجم ذهب، ومنشآت نفطية حيوية، تُشكّل مصادر دخل مهمة للمجهود الحربي.

وسيطرت «قوات الدعم السريع» الاثنين على حقل هجليج الذي يُعَدّ المنشأة الرئيسة لمعالجة صادرات جنوب السودان النفطية، وفقاً لتأكيدات متقاطعة من «قوات الدعم السريع»، ومصدر في الجيش، ومهندس اتصلت به «وكالة الصحافة الفرنسية».

من هي الأطراف المتقاتلة؟

يمتلك الجيش السوداني الذي يقوده عبد الفتاح البرهان، دبابات صينية، وطائرات سوفياتية، ومسيّرات تركية، أو إيرانية الصنع، بحسب موقع «أفريكان سيكيورتي أناليسيس» المستقل في ستوكهولم.

أما «قوات الدعم السريع»، بقيادة حليفه السابق وخصمه الحالي محمد حمدان دقلو، فانبثقت من ميليشيات الجنجويد العربية التي استعان بها الرئيس المخلوع عمر البشير لسحق تمرّد لمجموعات عرقية غير عربية في دارفور.

وتحالفت «قوات الدعم السريع» في الآونة الأخيرة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو. ومكّنها هذا التقارب من تعزيز عددها، ومواقعها في جبال النوبة، وفي بعض مناطق ولاية النيل الأزرق الواقعة بالقرب من إثيوبيا، والتي تقع منذ مدة طويلة تحت سيطرة هذا الفصيل المتمرد.

على أية جبهات تدور المعارك؟

يتركز القتال على جبهات مدن الأبيض، وكادوقلي، والدلنج، وبابنوسة التي يتمركز فيها الجيش بكثافة.

وتقع الأبيض، المحاصرة منذ أشهر، وهي عاصمة ولاية شمال كردفان، على طريق استراتيجي يربط دارفور بالخرطوم، وتضم مطاراً استُخدم مدة طويلة لأغراض لوجستية عسكرية.

واستعاد الجيش أخيراً مدينة بارا، الواقعة على بُعد 60 كيلومتراً شمالاً على الطريق نفسه.

وأكدت «قوات الدعم السريع» الأسبوع الفائت أنها «حررت» بابنوسة، في ولاية غرب كردفان، لكنّ الجيش نفى ذلك.

وفي جنوب كردفان، يحرم الحصار المطول لكادوقلي والدلنج آلاف المدنيين من الغذاء، والدواء.

وإلى الجنوب، تتعرض جبال النوبة لضغط متزايد حول كاودا، معقل الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، إذ يسعى الجيش إلى إضعاف هذا الفصيل المتحالف مع «قوات الدعم السريع».

وضع المدنيين

أكدت الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حال المجاعة في كادوقلي، وصنفت الدلنج على أنها معرضة لخطر المجاعة. ومنذ عام 2024، أُعلِنَت أجزاء من جبال النوبة مُعرّضة للمجاعة.

ويدفع المدنيون العالقون وسط المعارك ثمناً باهظاً.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية الاثنين أنّ 114 شخصاً، بينهم 63 طفلاً، قُتلوا الخميس بضربات مسيّرات نُسبت إلى «قوات الدعم السريع» على روضة أطفال، ومستشفى في كلوقي، على بُعد نحو 70 كيلومتراً شرقي كادوقلي.

والأربعاء، قُتِل ستة أشخاص على الأقل في ناما بولاية غرب كردفان جرّاء هجوم بطائرة مُسيّرة نُسب إلى الجيش.

وفي 29 نوفمبر، أسفر هجوم بطائرة مُسيّرة أطلقها الجيش على كاودا عن مقتل 45 شخصاً، بينهم طلاب، في جنوب كردفان.

وفي 3 نوفمبر، أدى هجوم بطائرة مُسيّرة نُسب إلى «قوات الدعم السريع» عن مقتل 45 شخصاً في جنازة بمدينة الأبيض، وفقاً للأمم المتحدة.

وأشارت المنظمة الدولية إلى أن أكثر من 45 ألف شخص نزحوا من كردفان منذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم.


الحوثيون يحاصرون فقراء صنعاء بمنع المبادرات التطوعية

الفقر دفع آلاف الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل وترك المدارس (أ.ف.ب)
الفقر دفع آلاف الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل وترك المدارس (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يحاصرون فقراء صنعاء بمنع المبادرات التطوعية

الفقر دفع آلاف الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل وترك المدارس (أ.ف.ب)
الفقر دفع آلاف الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل وترك المدارس (أ.ف.ب)

في وقت تتصاعد فيه مخاوف دولية من انزلاق اليمن إلى مستويات كارثية من الجوع، تواصل الجماعة الحوثية فرض قيود مشددة على المبادرات الشبابية الطوعية التي شكلت خلال السنوات الماضية متنفساً رئيسياً للآلاف من أشد الأسر فقراً في العاصمة المختطفة صنعاء.

مصادر حقوقية في صنعاء أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن قيادات حوثية في ما يُسمى «المجلس الأعلى لتنسيق الأعمال الإنسانية»، رفضت خلال الأيام الماضية طلبات رسمية تقدمت بها ثلاث مبادرات تطوعية لتقديم مساعدات نقدية وعينية لأكثر الأحياء فقراً في مديريات معين وشعوب والتحرير.

وتشمل تلك المساعدات بطانيات ووجبات ساخنة وملابس شتوية وسلالاً غذائية، إضافة إلى مبالغ نقدية رمزية للإسهام في تخفيف معاناة الأسر التي تعيش أوضاعاً متردية مع بداية موجة البرد القارس. لكن الجماعة، وفق المصادر، لم تكتفِ بالمنع، بل ألزمت القائمين على المبادرات بتسليم كل ما لديهم من معونات وكشوفات المستفيدين لـ«المجلس الأعلى» و«هيئة الزكاة» التابعة لها، بزعم أنهما الجهتان المخولتان بتوزيع المساعدات.

ملايين اليمنيين فقدوا مصادر عيشهم بسبب الانقلاب والحرب الحوثية (الأمم المتحدة)

وقال أعضاء في فريق تطوعي بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» إنهم تعرضوا للتهديد بالاعتقال والغرامة بعد توجههم قبل أيام إلى جهات حوثية لطلب إذن مسبق لتوزيع مساعدات في أحياء مكتظة بالفقراء.

وقال أحدهم: «كنا كل عام نوزع بطانيات ومواد غذائية، أما اليوم فأصبح الأمر شبه مستحيل بسبب التضييق المتواصل على العمل الإنساني». وأضاف: «الجماعة تريد أن يكون كل شيء عبرها فقط، حتى لو مات الناس من البرد والجوع».

خنق الأعمال الإنسانية

تشير شهادات متطوعين سابقين إلى أن الجماعة الحوثية كثّفت في الشهور الأخيرة من استدعاء القائمين على المبادرات، لإرغامهم إما على وقف أنشطتهم أو الحصول على تراخيص «معقدة» تتطلب دفع مبالغ مالية وتقارير مفصلة.

وكشف متطوع سابق عن إيقاف مبادرتهم في منطقة سعوان بتهمة العمل دون تصريح، رغم أن تمويلها يعتمد على جهود شخصية وتبرعات بسيطة من سكان الحي.

ويشكو سكان في صنعاء من أن الحوثيين يوقفون بشكل متعمد ومع سبق الإصرار المساعدات التي تصل عبر المبادرات الشبابية أو من تجار وجمعيات خيرية، مؤكدين أن هذه المبادرات كانت «الملاذ الأخير» لهم في ظل غياب أي برامج دعم رسمية.

اتساع رقعة الجوع يجبر آلاف اليمنيين للاعتماد على المبادرات الإنسانية (الشرق الأوسط)

وتروي أم عبد الله، وهي أرملة تعيش مع طفلين في حي سعوان، جانباً من هذا الحرمان: «آخر مرة حصلنا على بطانيات وسلة غذائية كانت قبل عامين، ومنذ توقف مبادرة شباب الحي ونحن نعيش في برد وجوع. لا نستطيع شراء الحطب ولا نملك القوت الضروري».

وتحمّل أم عبد الله، إلى جانب أسر فقيرة أخرى، الجماعة مسؤولية حرمانهم من وسائل التدفئة والغذاء، وتقول إن سياسات النهب والتجويع التي تُمارسها تسببت في انهيار حياتهم المعيشية.

أما «ابتسام»، وهو اسم مستعار لمتطوعة أخرى، فتؤكد أن الحاجة في صنعاء «لم تعد تقتصر على البطانيات، بل تشمل وقود الطهي، والملابس الشتوية، والغذاء للأطفال، وحتى إيجارات المنازل».

وتتهم قيادات الجماعة بالسعي إلى احتكار كل أشكال الدعم الخيري وتحويلها إلى قنوات مرتبطة بها، ما يجعل آلاف الأسر خارج نطاق المساعدة.

خطر المجاعة

تأتي هذه الممارسات الحوثية في وقت حذرت فيه منظمتا «الأمم المتحدة للأغذية والزراعة» و«برنامج الأغذية العالمي» من أن اليمن يُعد من بين سبع دول مهددة بالانزلاق إلى المجاعة خلال الأشهر المقبلة، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لمعالجة تفاقم انعدام الأمن الغذائي.

ملايين اليمنيين فقدوا أعمالهم وسبل العيش نتيجة الصراع (الشرق الأوسط)

وأوضح تقرير مشترك للمنظمتين حول «النقاط الساخنة للجوع» أن مزيجاً من النزاعات المسلحة والانهيارات الاقتصادية وتغير المناخ والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، يدفع ملايين الأشخاص نحو مستويات خطيرة من الجوع الحاد.

وأشار التقرير إلى أن القيود المفروضة على المساعدات، وعرقلة وصولها إلى أكثر الفئات تضرراً، تُعدان من أبرز العوامل التي قد تدفع اليمن إلى وضع «كارثي»، إذا لم تُنفذ تدخلات إنسانية عاجلة وفعّالة خلال الفترة القريبة المقبلة.