إسرائيل... الطريق إلى تجذر الأصولية اليهودية

في ضوء القانون الجديد

مئات من اليهود يصلون أمام {حائط المبكى} في القدس القديمة (أ.ف.ب)
مئات من اليهود يصلون أمام {حائط المبكى} في القدس القديمة (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل... الطريق إلى تجذر الأصولية اليهودية

مئات من اليهود يصلون أمام {حائط المبكى} في القدس القديمة (أ.ف.ب)
مئات من اليهود يصلون أمام {حائط المبكى} في القدس القديمة (أ.ف.ب)

هل تسارع دولة إسرائيل الزمن لإصدار قانون يرسخ وضعها بصفتها دولة يهودية قبل الزيارة القادمة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط؟
المؤكد أن ذلك كذلك بالفعل فقد صادق الكنيست الإسرائيلي نهار الأربعاء 10 مايو (أيار) على القراءة التمهيدية الخاصة بمشروع قانون القومية الذي قدمه عضو الكنيست «آفي ديختر» عن حزب الليكود، وبحسب اتفاق تم مع الحكومة، لن يتم دفع مشروع القانون خلال الشهرين المقبلين، ليتم تنسيقه مع مشروع القانون الحكومي.
فكرة قانون القومية الجديد قائمة بالفعل على الأرض، فالأصولية اليهودية لا تحتاج إلى قانون لأنها كائنة وكامنة واقعيا هناك، غير أن حكومة نتنياهو تحاول إصباغ المشهد القانوني الرسمي، لتعزز من حضورها بصفتها دولة دينية لا دولة ديمقراطية كما تدعي.
ينص مشروع القانون على تعريف إسرائيل بأنها دولة يهودية وديمقراطية، وأن القدس عاصمة إسرائيل، وأن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية، وكذلك خفض مكانة اللغة العربية التي تعتبر حتى الساعة بموجب القوانين الانتدابية لغة رسمية، والاستعاضة عن ذلك بالقول إن للغة العربية مكانة خاصة.
يصادر القانون المقترح حق الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض الأصلي، في تقرير مصيره، وينص القانون الذي تجري من حوله النقاشات على أن حق تقرير المصير، يتمتع به الشعب اليهودي فقط... كيف يمكن أن تكون العنصرية أوضح شكلا من هذا الإطار؟
على أن القضية هنا ليست سياسية بالدرجة الأولى، بل أصولية في مبتدئها وخبرها دفعة واحدة، فالأصوليات بأبسط تعريفاتها هي ادعاء امتلاك الحق المطلق، وحرمان الآخر من أي حقوق، بل العمل على عزله وإقصائه، وإن وصل الأمر إلى إزاحته من الجغرافيا والتاريخ مرة وإلى الأبد.
والشاهد أنه لا يمكننا فهم ما يجري على الأرض في الداخل الإسرائيلي، إلا إذا أدركنا كم أن هناك جذوراً أصولية عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، وقانون قومية الدولة ليس إلا نتاجاً لها.
خذ إليك ما جاء به كل من «إسرائيل شاحاك» الكاتب والمؤلف والناشط الحقوقي اليهودي، و«نورتن ميزفنيسكي» أستاذ التاريخ وشؤون الشرق الأوسط في جامعة كونكتيكت الأميركية، اليهودي المعروف بعدائه الصريح للصهيونية.
في كتابهما «الأصولية اليهودية في إسرائيل» إشارة رئيسية إلى ما يجري حاليا، حيث النزعة اليهودية الأصولية المتطرفة التي يطلق عليها «النزعة المسيحيانية» هي الأعمق تأثيراً والأكثر خطراً، التي تعني تهيئة الأجواء لظهور «المسيح المخلص»، وعليه فلا بد من صبغ الدولة الإسرائيلية بصبغة يهودية كاملة براً وبحراً وجواً، عقلاً ونقلاً، نفساً وروحاً، حتى إن تطلب الأمر إصدار قوانين ملزمة.
لم تكن الأصولية اليهودية وليدة اليوم، فهي حاضرة بقوة منذ أزمنة بعيدة، غير أن ارتفاع مدها المدوي والخطير حديثا، تلازم مع حرب الستة أيام، التي يمر عليها خمسين عاما هذه الأيام، فقد تبلورت المبادئ الرئيسية للأصولية اليهودية ولليهود الأصوليين، حول جبرية استعادة وإحياء المجتمع الديني النقي والصافي الذي وجد في الأزمنة الغابرة بحسب الزعم.
يرى هؤلاء الآخرين لا سيما العرب شعوبا لا يمكن أن ترتقي أبدا إلى درجة وكرامة الذات اليهودية، وعليه فإنهم ينظرون لغير اليهودي نظرة احتقار وازدراء، حتى وإن كانت تلك الشعوب حليفة سياسية لهم، فنفس الآخر من الغوييم أو «الأغيار»، تعادل نفس الحيوان، كما تذهب بعض النصوص لديهم، ومن هنا فإن كل من ليس يهوديا، يحتل مرتبة سفلى... هل من تصريحات رسمية عند بعض قادة الأصولية اليهودية تقودنا إلى القطع بتلك الرؤى؟
يتحدث الحاخام الأكبر «كوك» المعروف بميوله وانتماءاته المتطرفة عن معنى ومبنى أن تكون يهوديا فيقول إن «الفرق بين روح اليهود وروح غيرهم جميعهم وفي كل المستويات، أكبر وأعمق من الفرق بين الروح البشرية وأرواح الأنعام»، ومن هنا يأتي الإيمان القاطع عند الأصوليين اليهود، بأن الله أعطى جميع أرض إسرائيل لليهود، ولهذا فإن العرب الذين يعيشون على تلك الأرض ليسوا إلا مجموعة من اللصوص فلماذا لا يكون إذن هناك دولة قومية يهودية وليذهب العرب - مسيحيين ومسلمين - إلى ما شاؤوا أن يذهبوا؟
وتضرب الأصولية اليهودية أطنابها اليوم في جنبات الدولة إلى الدرجة التي دعت الكاتب الإسرائيلي «جدعون ليفي» لأن يكتب في صحيفة «هآرتس» بتاريخ 3 أبريل (نيسان) الماضي تحت عنوان: «ظلام أصولي في إسرائيل»، يقول: «هكذا تبدو الدولة اليهودية التي يريد كثير من الإسرائيليين الحفاظ عليها بأي ثمن: حارس مسلح على مدخل المستشفى يقوم بتفتيش الحقائب... إنه لا يبحث عن القنابل أو الأحزمة الناسفة، ففي هذا الأسبوع يوجد عيد، هو يبحث عن شيء آخر، الحارس المسلح يبحث عن الخميرة، يقوم بفحص الطعام الذي يدخل إلى المستشفى، هو مراقب الحلال يحظر إدخال أي شيء غير حلال». حسب رأيه.
السنة هي سنة 2017، والواقع هو العصور الوسطى، تستطيع إسرائيل التلويح كما تشاء بالديمقراطية الوحيدة، لكنها ظلامية، قسرية ويزداد الظلام فيها.
هل إسرائيل اليوم في طريقها لأن تضحي دولة دينية شمولية كإيران من جراء تصاعد المد الديني اليميني الأصولي فيها؟
السؤال طرحته شبكة الأخبار الأميركية الشهيرة «سي إن إن» قبل نحو أسبوعين في برنامج خاص يواكب تطورات المشهد في إسرائيل، وقد جرت وقائعه لتبين للمشاهدين كيف أن المجتمع الإسرائيلي اليوم بات مختطفا من قبل الأصوليين الذين يعمدون إلى التفسيرات الدينية الضيقة جدا، وتاليا، يميلون إلى تكريس أوضاع الاحتلال عبر القوة والعنف، على الصعيدين الفردي والقومي معا.
يعن لنا هنا الإشارة إلى جزئية مهمة، وهي أن المطالبات داخل إسرائيل عادة ما ترتفع باعتبار الدولة يهودية بمطلق الحال، كلما جنح المجتمع الإسرائيلي لجهة اليمين المتطرف، والحال أنه أصبح الآن يشكل ما يقارب من 70 في المائة من المجتمع الإسرائيلي، وتشكل يهودية الدولة أداة لسن قوانين مصادرة أراضي العرب، ومبررا لاستيعاب الهجرة اليهودية، ورفض حق العودة للاجئين.
لا يمكن لنتنياهو أن يحاجج بالقول إن القانون يحمي يهود إسرائيل من الذين يحاولون انتزاع حقهم التاريخي في الأرض، ذلك أن أدراج الكنيست مليئة بمشروعات قوانين تعزز من عنصرية إسرائيل وتمييزها ضد الفلسطينيين، وتستهدف الوجود الفعلي للسكان الفلسطينيين في القدس والأراضي المحتلة عام 1948.
وعليه، فإن قانون الدولة القومية، لن يضيف للفلسطينيين شيئا، بل إنه سيختصم منهم أشياء، إذ سيزيد من انتقاص حقوقهم المعيشية، كما أنه يحرمهم من اللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية مما سيجعلهم يتعرضون لمزيد من التمييز وعدم المساواة داخل المجتمع الإسرائيلي، وهذه هي الأصولية بذاتها.
في منتصف أبريل الماضي كتب «بواز هندل» مستشار رئيس وزراء إسرائيل السابق، صاحب الاتجاهات اليمينية الأصولية، مقالا في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أشار فيه إلى أن الأصولية الإسلامية هي السبب في انتشار العنف والتطرف في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
يثني «هندل» في نهاية المقال على الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وفق ادعائه، أي دولة إسرائيل متسائلا: «لماذا الدولة الوحيدة التي نجحت في خلق ديمقراطية وليبرالية ورافقها ازدهار اقتصادي كانت تحديدا الدولة اليهودية التي يعيش فيها المسلمون، وليس في دولة إسلامية يعيش فيها اليهود والمسيحيون أيضا؟».
حديث «هندل» لا يخلو من مغالطات تاريخية، وإنكار لحقائق بعينها، ذلك أن فكرة الدولة القومية اليهودية اليوم، تجب مرة واحدة الحديث عن الدولة الديمقراطية، وتكاد تعود بنا إلى دائرة «الغيتو» اليهودي التاريخي في أوروبا القرون الوسطى تحديدا.
في مؤلفه الشهير «البندقية وغصن الزيتون جذور العنف في الشرق الأوسط» يتساءل الكاتب والصحافي البريطاني الشهير «ديفيد هيرست» قائلا: «إذا كانت الأصولية الإسلامية خطر على الغرب حسب المعتقد الغربي، فماذا عن الأصولية اليهودية؟».
يمكن القول جملة واحدة إن تعاظم المد الأصولي اليهودي في الداخل، وإصباغ الصبغة اليهودية بمطلقية المشهد على كل سكانها، ربما يكون أفضل أداة لزخم أصحاب التيارات الأصولية على الجانب الإسلامي، لا سيما من قبل أتباع «القاعدة» و«داعش» ومن لف لفهم، هؤلاء الذين يتخذون من القضية الفلسطينية - وإن بالباطل - تكأة وذريعة لاكتساب مزيد من الأتباع، السائرين على دروب العنف والدماء، والتذرع بالمقدسات الإسلامية التي تتعرض للتهديد، وحتمية الدفاع عنها وتخليصها من بين براثن اليهود، أما عن الارتدادات في الداخل الأوروبي والأميركي، فحتما ستكون سلبية، ذلك أن التيارات الراديكالية هناك، وإن افتقدت للتراتبية التنظيمية، فإنها ستجد من الذئاب المنفردة من هو كفيل باعتبار ما يجري على الأراضي الفلسطينية فصلا من فصول التهديد، والصراع بين الحق والباطل، وسيكون السعي للثأر للانتقام من اليهود والمسيحيين الأقرب لوجيستيا هو أيسر الحلول، ومن هنا يفهم المرء ما أشار إليه «هيرست» في كتابه المتقدم من أنه إذا كان هناك افتراض متداول عند الغرب بطبيعة الحال بأن الأصولية الإسلامية تشكل خطرا على الغرب، فإن الأصولية اليهودية على هذا النحو تشكل خطرا على العالم.
التنبيه والتشديد على خطر الدولة الأصولية اليهودية لا يقف عند حدود «هيرست» و«إسرائيل شاحاك»، أو «جون ميرشايمر» و«ستيفن والت»، وغيرهم كثير من العقول الغربية غير اليهودية، إذ بات يتجاوز هؤلاء ليصل إلى عقول من قلب المؤسسة اليهودية مثل «إبراهام بورغ» رئيس البرلمان الإسرائيلي السابق، وصاحب الصيحات التاريخية الصادمة للدولة الإسرائيلية، من عينة القول إن «تعريف إسرائيل على أنها دولة يهودية هو مفتاح نهايتها» وإنه «ينبغي إبقاء تيوردور هيرتزل خلفا» بل إن الرجل عينه قد نبه إلى كارثية قانون العودة ووصفه بأنه يؤدي إلى طلاق «بيننا وبين يهود الشتات وبيننا وبين العرب»، بل إنه ذهب إلى ما يهز أركان الدولة الإسرائيلية، عندما قال إن «إسرائيل حاليا أشبه ما تكون بألمانيا عشية الحكم النازي».
لم يكن لـ«إبراهام بورغ» أن يقف صامتا أمام تطورات الأحداث الأخيرة في داخل إسرائيل، ومشروع يهودية الدولة، ونتنياهو وآفي ديختر من خلفه.
في مقال أخير له عبر صفحات «هآرتس» جزم الرجل ابن الحاخام «بورغ» بأن التيارات الدينية الصهيونية التي هي قمة جيل الأصولية اليهودية، باتت تمثل تهديدا لمستقبل الدولة، بسبب تحركها الدائم للتأثير على دائرة صنع القرار، واتجاهات المجتمع الإسرائيلي، بما يتوافق مع منطلقاتها الآيديولوجية المتطرفة.
يخلص «بورغ» في مقاله القيم إلى أن «المرجعيات الدينية عملت على إرساء دعائم منظومات قيمية تكرس التطرف الديني والقومي، وتدفع نحو استسهال المس بالآخر، من خلال إعلاء قيم الفداء وقداسة الأرض».
الأصولية الإسرائيلية - اليهودية تنطلق اليوم لتنهش في الجسد الفلسطيني، والأرض الفلسطينية، وغدا سوف تقاتل اليهود أنفسهم، كما تتطلع حركة «لهفاه» المغرقة في الأصولية، والرافضة للقوانين الوضعية والمطالبة بأحكام الشريعة التوراتية، بالضبط كما يسعي «داعش» و«القاعدة».
أسوأ وأبشع مثال للأصولية اليهودية اليوم نجده عند منظمة «شارة ثمن» الإرهابية، التي تستهدف الفلسطينيين ودور عبادتهم، وهي نتاج طبيعي للأفكار ومنظومات القيم التي تروج لها مرجعيات التيار الديني، وأغنيتها المفضلة هي «الانتقام» للمطرب «دوف شورت».
آخر الأصوات التي ارتفعت لتحذر من الأصولية اليهودية الأيام الماضية كان الصحافي الإسرائيلي «يوس كلاين» عبر «هآرتس» أيضا، إذ اعتبر أن الأصولية الصهيونية الدينية المسيطرة حاليا، أشد خطرا على إسرائيل من «حزب الله».
والخلاصة أن الأصوليات دوما وأبدا مخزون من العنف والدماء والكراهية، تتضخم وتنتفخ، عندما تدفع بغلاف الهوية إلى خارج نطاق القانون بحسب «بورغ» وكذا بعيدا عن سيادة الدولة، أي العمل سرا وعلنا لتحقيق النهاية اليهودية التي تضر إسرائيل أكثر مما تفيدها.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.