منظمات تونسية تحذر من إقحام الجيش في حل الملفات الاجتماعية

إثر طلب الرئيس من المؤسسة العسكرية حماية مناطق الإنتاج

وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي خلال اجتماع مع مسؤولين أوروبيين في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي خلال اجتماع مع مسؤولين أوروبيين في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
TT

منظمات تونسية تحذر من إقحام الجيش في حل الملفات الاجتماعية

وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي خلال اجتماع مع مسؤولين أوروبيين في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي خلال اجتماع مع مسؤولين أوروبيين في بروكسل أمس (أ.ف.ب)

حذرت مجموعة من المنظمات الحقوقية التونسية والدولية من تداعيات إقحام المؤسسة العسكرية في معالجة ملف الاحتجاجات والحراك الاجتماعي الذي تشهده أكثر من مدينة تونسية، وذكّرت في هذا السياق بتدخل الجيش خلال الأزمات التي مرت بها البلاد منذ الاستقلال، ونتائجه السلبية، خاصة خلال أحداث سنة 1978 عندما نشبت الأزمة بين اتحاد الشغل والحكومة، وأحداث الخبز سنة 1984. عندما تضاعفت أسعار الخبز بقرار حكومي.
وحذر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة) من تفاقم الأوضاع الاجتماعية المتأزمة في تونس، موضحا أن كل المؤشرات أصبحت تدل على توجه الأوضاع نحو أزمة شديدة بداية من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وبعد فصل الصيف الذي ستقتصر فيه جل هذه الاحتجاجات على نقص المياه وقطعها في المناطق الداخلية، على حد تعبيره.
واعتبر عبد الرحمان الهذيلي، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في مؤتمر صحافي عقده أمس وسط العاصمة أن «قرار تكليف الجيش الوطني بحماية مناطق الإنتاج، الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية الباجي القائد السبسي في خطابه أمس، يعد أمرا خطيرا لأنه يقحم المؤسسة العسكرية في مواجهة القضايا الاجتماعية في البلاد»، داعيا إلى ضرورة فتح قنوات الحوار مع المحتجين والمعتصمين بصفة سلمية، تفاديا لتفاقم احتقان الأوضاع الاجتماعية.
وأوضح الهذيلي أن خطاب الرئيس كان موجها برمته وبالأساس ضد الحركات الاجتماعية والفئات المحتجة، واتهم حكومة يوسف الشاهد بالفشل في التعاطي مع الملف الاجتماعي والتنموي، بدليل وجود عدد كبير من القضايا التي أحيلت على القضاء بعد موجة الاحتجاجات، حيث بلغ عدد الشبان المتابعين نحو 300 شاب، جرى اعتقالهم بعد المظاهرات بتهمة تعطيل المرافق العمومية.
وفي السياق ذاته، انتقدت هذه المنظمات مشروع إعادة هيكلة وزارة الداخلية، وخاصة الجانب المتعلق بتوسيع صلاحيات الوالي (المسؤول الحكومي الأول في الجهة)، واعتباره ممثلا لرئيس الجمهورية والمشرف الأوّل على الوضع الأمني في الجهة، علما بأنه جرى بعد الثورة إلحاق الوالي برئاسة الحكومة، ولم يعد تابعا لوزارة الداخلية، وهو ما سيطرح نزاعا على مستوى الصلاحيات المخولة للوالي (المحافظ).
وبهذا الخصوص أوضح عياض بن عاشور، وهو أستاذ مختص في القانون، أن إعادة هيكلة وزارة الداخلية سيخلف إشكالا قانونيا، باعتبار أن دستور 2014 لا يمنح سلطة تنفيذية مطلقة لرئيس الجمهورية، وبالتالي فإنه لا يمكن له أن يتدخل في صلاحيات السلط في الجهات.
من ناحية أخرى، عقد يوسف الشاهد رئيس الحكومة أمس اجتماعا دوريا مع الأحزاب والمنظمات الموقعة على «وثيقة قرطاج» من أجل تدارس الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وأيضا لإيجاد سند سياسي نتيجة انفراط عقد أغلب الأحزاب السياسية التي قدمت له الدعم قبل نحو ثمانية أشهر.
وحسب مراقبين، فقد خصص هذا الاجتماع أساسا لبحث سبل توفير مزيد من الدعم السياسي لحكومة الوحدة الوطنية، والاتفاق النهائي على تركيبة لجان الإصلاحات الكبرى وموعد انطلاق أشغالها بصفة رسمية.
من جهة ثانية، تواجه الحكومة غدا السبت غضب الشارع التونسي من خلال تنظيم مسيرة احتجاجية ضد قانون المصالحة الاقتصادية والاجتماعية، المطروح حاليا على لجنة التشريع العام في البرلمان، والذي يشكل موضوع خلاف حاد بين الائتلاف الحكومي وأحزاب المعارضة، التي هددت بالنزول إلى الشارع في حال التصديق عليه من قبل الأغلبية البرلمانية، ممثلة في حزب النداء وحركة النهضة.
ويأتي هذا الاجتماع في ظل حدوث تغير في خريطة الأطراف السياسية الموقعة على وثيقة قرطاج، إذ تراجع حزب الاتحاد الوطني الحر، الذي يقوده سليم الرياحي، عن دعمها، معلنا أن «الوثيقة انتهت»، وقاد نفس الحزب بمعية حركة مشروع تونس، بزعامة محسن مرزوق، تشكيل جبهة الإنقاذ والتقدم، بهدف تقديم بديل سياسي واجتماعي واقتصادي لحكومة الوحدة الوطنية.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.