آمال موسى... شعرية «الوجه الهارب»

رسمت ملامحها في ديوانها «والحياة لم تضع بعد مساحيقها»

الشاعرة وغلاف ديوانها
الشاعرة وغلاف ديوانها
TT

آمال موسى... شعرية «الوجه الهارب»

الشاعرة وغلاف ديوانها
الشاعرة وغلاف ديوانها

أجواء من الفقد وحرقة الأحلام والذكريات، وتساؤلات حيرى متناثرة بلا إجابة عن معنى الموت والحياة، والخوف والعشق، تومض في صفحات ديوان «والحياة لم تضع بعد مساحيقها»، الصادر حديثاً للشاعرة آمال موسى... فما بين «حقنة بنسلين»، النص الذي يفتتح الديوان، ولطشة الختام في نص «لا هيبة لك أيها الموت»، تتجسد هذه الأسئلة الحيرى في شكل مرثية لذات تسعى لاستعادة رائحة الماضي، وتستحلبه كأنه لا يزال شاخصاً على عتبة البيت... تقول الشاعرة في النص الأول وكأنها تختزل نشوة الحياة في قبضة الذكرى:
«الصور التي خبأنا بها أسرارنا الصغيرة
كل واحدة من تلك الصور
هي اليوم حقنة بنسلين في جسدي الأعزل».
بينما في النص الأخير، الذي يمثل تحدياً بالأمل في مواجهة الموت إلى حد السخرية والتهكم، وتصويره على أنه زائر أعمى يجهل أصول الزيارة التي تقتضي أن يطرق الباب أولاً... وحسبما تقول الشاعرة في هذا النص:
«شكراً لك أيّها الموتُ
رصاصتُكَ الأولى قتلتكَ
وقتلتْ خوفي منك.
كن أكثر حضارة
لا تكن قاتلاً
وتعلّم أن تبدأ الزيارة بطرق الباب».
في هذا المناخ، تهيمن ثنائية الوجه الهارب على مدارات الفعل الشعري، وتبدو كأنها مفتاح للحاضر والماضي، وتعزز هذه الثنائية ذاتٌ منقسمة على نفسها إلى حد التشظي، فاقدة الثقة في المع والضد، فالشيء هو نفسه ولا نفسه معاً، حتى كأننا أمام أشباه حقائق لم تتح لها الفرصة للكذب.
وتستبطن هذا المعني نصوص الديوان، أحياناً بشكل مباشر وصريح، وعلى سبيل الإشارة والتلميح أحياناً أخرى، فعلى هذا النحو تقول الشاعرة:
«أراني ولا أراني/ نذرت وجهي للتيه/ وعيني للماضي»... وأيضاً: «أسمع ولا أسمع/ أسمع أشباح أصوات/ أشلاء أصوات/ بلا كلمات».
تكسب هذه الثنائية لغة الديوان حالة أشبه بالتأرجح الشجي بين الصدى والرنين، صدى الماضي المعلق دائماً في رنين الحاضر، في الغياب والحضور، في الرغبة والاشتهاء، أن أكون ولا أكون، ثمة إحساس بافتقاد البراءة في الداخل والخارج، يعلو أحياناً مشرباً بنزعة من التمرد إلى حد الصراخ والبكاء، في الوقت نفسه تتكثف حيرة الذات الشاعرة في البحث عن نقطة محايدة، تجعل المسافة محتملة، أو على الأقل ساكنة بين الشيء وضده، بين تعارضات الجسد والروح:
«رأيتني في لقطة محايدة
غير نادمة على شيء
فقط... لا كهرباء بيني والحياة».
إنه حياد بارد، يشبه العدم، صعب أن تستلقي في ظلاله الذات، تعيد ترتيب هواجسها ورؤاها وأحلامها وموقفها من العالم... هنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي يدخل الأملَ أو الحرية في جسد الشعر، هل على الشاعر أن يظل يجتر تأملاته السلبية ليقيم نوعاً من التوازن الرخو بين مأساته، أو محنته الخاصة، ومأساة العالم من حوله؟
في الشعر الخلاق، يمكن أن نتلمس أوجهاً كثيرة للإجابة عن هذه الأسئلة، ربما أبسطها فكرة «العودة إلى البيت»، باعتباره الرحم الأول الذي رافق مولدنا ونمونا، وفيه مخزن طفولتنا وأحلامنا وظلالنا. إنه نقطة التوازن التي تعيد للشاعر أمنه ودفأه الداخلي، وتحفظ لبيته في اللغة خصوصية الروح والجسد، وقبل كل شيء، تحفظ خصوصية الشعر.
تلامس كثير من نصوص الديوان سقف هذه الخصوصية، وتصطدم به كنقطة توازن هاربة من أسوار الذاكرة والحلم، يطالعنا ذلك في نص «بيتُ الطين وتكاثرُ المعنى وبيتُ الإسمنت وذاكرة السرد»، وفيه تقول الشاعرة:
«فضاؤنا الكونيّ
وسرّنا.... بيتنا
ذاكرتُنا الموشّحة باللؤلؤ الأبيض
المكسّوة بشجر الفستق
فاكهة الصوفيين الأكثر زهداً في الماء.
يا أيُّها المفتونُ بأخبار غوث الزمان
علّمتني عشق العطور
علم العطور
شعريّة العطور
فكرة العطر الأولى
عرفان العطور
ومتى تُصبح البيوت سماء للورد.
وكيف يغدو العشّاق ملائكة
وهم يرشّون الكون بروح الورد».
في هذا النص، تسعى الذات الشاعرة إلى كسر الحواجز الهلامية بين الأشياء، خصوصاً بين طاقة الخيال والواقع. يتم ذلك باستعادة المكان/ البيت، استعادة روائحه وتفاصيله الصغيرة، ومفرداته الحميمة، وكأنها تميمة تتحصن بها الذات ضد الموت والزمن، وهواجس الذبول والانطفاء.
إن البيت يصبح برمزيته ومساقطه الدلالية بمثابة بؤرة تيقظ وتفتح للوعي، وعتبة للتشبث بإرادة الحياة والأمل، فالشعر لا يذهب إلى البيت كزائر عابر، أو غريب على العائلة، وإنما يذهب إليه كوعاء حاضن للوجود، وعلى الشاعر أن يدرك طبيعة العلاقة بين الإناء وما يحتويه... إنها علاقة خاطفة ومباغتة، سفر دائم من الداخل إلى الخارج، بين السطح والعمق، بين المرئي واللامرئي، صحو لا مواقيت نمطية له، بحثاً عن معنى آخر في المعنى.
تلتقط الشاعرة هذه المشهد من زاوية خاصة، قائلة:
«في المطارات:
أرى الحياة ناهضة من الغموض للتّو
لم تضع مساحيقها بعد
لم تسوِ تسريحة شعرها
لم تخلع ثوب النوم المخملي الشّفاف
لم ترتد الجينز السّماوي اللّون
لم تلبس حذاءها عالي الكعب
لم تتعطّر بعد
لم تضع إكسسوارات الفّضة
لم ترتشف قهوتها التركيّة قليلة السّكر
لم تضع أسطوانة الموسيقى بعد
إنّني في المطارات:
أباغت الحياة في مضجعها السريّ».
وسط هذا المناخ، تلوح مكابدات الحب والعشق في الديوان، وكأنها توق دائم للحرية، دونها تصبح الذات، بل العالم، في قبضة التيه والمجهول، حرية أن ترى نفسك في من تحب، في مرايا حضوره وغيابه... بهذه الروح، تخاطب الذات الشاعرة الحبيب العاشق، وكأنها لغة أخرى نائمة في بئر الأسرار، قائلة في أحد النصوص:
«قلت لي:
دونك كأنّني في علبة كبريت...
إذن تدرك عناء التنفّس في كون أقل قليلاً من علبة كبريت؟
أهديتُك عُربون العناء في حديقة الوعي السريّة...
ولاّعة من ذهب
مرسومٌ عليها طائر الفينيق.
ولكنّ علبة الكبريت لم تُعدم كما ظننت
إنّني استشعرُها
أسكنُها الآن
أتنفّسُ الآن داخلها
أزاحمُ أعوادها التي لا تتناقصُ أبداً».
هذا المعنى يطالعنا بصيغة تبدو أكثر شمولاً، خالقة نوعاً من الموازاة الرمزية الشيقة بين علبة الثقاب وغواية اللغة، فكلاهما مصدر للدفء على طريقته الخاصة، لكن دفء اللغة يظل الأنقى والأشهى. بهذه الروح، تلعب الشاعرة على أوتار القواعد والأدوات اللغوية، تريد أن تزحزحها عن سياقاتها التقليدية الثابتة، أو على الأقل تشيع في نسيجها حالة من الصخب والتهكم، وكأن هذه الأدوات صدى للعبة الحياة نفسها... الحياة التي يغير البشر كل يوم مساحيقها وألوانها، لكن لا أحد يستطيع أن يغير جوهرها، إنهم زائلون وهي وحدها تستمر... مثلما يشير هذا النص:
«يُذكّرني الجمعُ المذكّر والمؤنّث... بالمبتدأ
وبالزواج الكاثوليكي بين المبتدأ والخبر
ويقول:
إن المبتدأ يستمر
وأقول:
كالمسمار
كالألف
الحياة تستمر».
وهكذا، يمثل هذه الديوان - برأيي - نقطة فارقة في تجربة الشاعرة آمال موسى، فاللغة أكثر تكثيفاً وسلاسة، تستند على مائها الخاص، كما تتضافر حقول الرمز والدلالة، بشكل يمنح المعنى زوايا متنوعة للتأويل وإعادة القراءة وطرح الأسئلة، من داخل نسيج التجربة، وفي مشهد شعري متماسك، يحيل إلى نفسه، منفتحاً على الداخل والخارج ببصيرة تعي حيويتها وتوترها، وتمتلك القدرة على دفعهما إلى الأبعد والأعمق.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.