التمر هندي نشره الفراعنة في المتوسط وأخذه العرب إلى العالم

يطفئ ظمأ العطاشى أيام الصيف

التمر هندي نشره الفراعنة في المتوسط وأخذه العرب إلى العالم
TT

التمر هندي نشره الفراعنة في المتوسط وأخذه العرب إلى العالم

التمر هندي نشره الفراعنة في المتوسط وأخذه العرب إلى العالم

يعرف التمر هندي في العالم العربي على أنه أحد أهم مشروبات شهر رمضان الهامة التي ينتظرها الناس بفارغ الصبر من سنة لأخرى وخصوصا خلال فصل الصيف لفوائده الجمة وقدراته على إطفاء ظمأ العطاشى كما قال أبو بكر الرازي منذ قديم الزمان: «عصارة التمر هندي تقطع العطش لأنها باردة طرية». ويدخل التمر هندي في الفلكلور الشعبي للمشروبات التي تباع عادة في محلات العصير وعلى عربات الباعة في الشوارع والحدائق العامة في دول الخليج العربي واليمن ولبنان وسوريا والأردن والعراق وبعض دول شمال أفريقيا وغيرها. وقد جاء في تحقيق للبيان الطرابلسية اللبنانية في منطقة التل، وصف دقيق للمكانة الهامة التي يحتلها التمر هندي إلى جانب المشروبات الرمضانية الشعبية الأخرى: «طيّب وعسل يا خرّوب»، «يلّي بدوق بيعرف»، «إجا وقتك يا جلّاب»، هكذا كان ينادي «أبو فاروق» على بضاعته، فيشدّ أذن العطشان وقلبه، ورغم أنّها تختلط بأصوات زحمة التلّ، فإنّك تميّز نبرته العالية الشديدة. هو ثلاثيني يقف وراء عربته الصغيرة التي تعلوها صناديق زجاجية مملوءة بعصائر بُنية وبرتقالية وأرجوانية وسوداء اللون، ويطفو على وجهها قوالب من الثلج، وإلى جانبها الزبيب واللوز والجوز والصنوبر. ويقول: «في موسم رمضان نعوّض عن السنة كلّها، والرصيف هذا لا نجرؤ على استباحته إلاّ في هذا الشهر الكريم، وإذا كانت حصّة الأسد للجلاّب والخرّوب، فإنّ المعروضات لا تقتصر عليهما، لأنّ البعض يفضّل شراب السوس والتمر هندي».
أصوله
تعتبر أفريقيا الاستوائية الموطن الأول لشجر التمر هندي، لكن تم زرعه واستصلاحه أيضا لقرون طويلة في شبه القارة الهندية، لذلك تعتبر المنطقتان من المناطق الأصل لهذه النبتة الخاصة. ويؤكد العلماء الذين عثروا على حبوبه في موقع تير - Ter في ثالث أكبر الولايات الهندية، ولاية ماهاراشتران إذ يقولون إن أشجار منطقة ناهران في وادي الغانج شمال الهند التي جاءت منها الحبوب، زرعت على الأرجح في المنطقة ولم تنبت طبيعيا هناك.
وتعود زراعة التمر هندي في مصر إلى عام 400 قبل الميلاد، وتم ذكر ذلك في كتاب الصلوات الهندوسي المعروف براهماسامهيتا الذي جمع بين 200 و1200 قبل الميلاد.
وعلى الأرجح أن العرب الذي استخدموا النبتة لغايات طبية في البداية، جاءوا بها من الهند الشرقية (الجزر الموجود شرق آسيا والتي تضم سنغافورة والفلبين وباكستان وبنغلاديش وماينمار وسريلانكا والمالديف وتايلاند وكمبوديا وإندونيسيا وماليزيا وتيمور الشرقية وبروني ولاوس وبروني)، حيث كان يطلق على النبتة باللغة الهندية «تماري هندي» - Tamari Hindi التي تعني تمر هندي. ويقول البعض إن العرب هم من نشروا التمر هندي خلال فتوحاتهم في أوروبا والعالم ومنحوه اسمه الحالي التمر هندي - Tamarrind. وهو الترجمة العربية للاسم الموجود في الميثالوجيا الهندية، وقد جاء العرب به عبر الخليج العربي مما ترك تأثيرا مباشرا على المطبخين الفارسي والمصري، ولا تزال أصول أهم الوصفات الغذائية التي تستخدم التمر هندي تأتي من المناطق الساحلية لدول الخليج.
لا يوجد أي ذكر للتمر هندي في الأدبيات الإغريقية، مما يعني أنه لم يكن مألوفا في اليونان القديمة.
ومع هذا يقال أيضا إن الفراعنة هم من أدخلوا زراعة التمر هندي في حوض البحر الأبيض المتوسط في العصور. وقد عثر علماء الآثار عليه في قبور الفراعنة.
وحاليا تنتشر زراعة التمر هندي بكثرة في مصر والسودان والكاميرون ونيجيريا وتنزانيا وساحل العاج بالإضافة إلى سلطنة عمان وخاصة في المناطق الساحلية في الجنوب في محافظة ظفار المعروفة باسم أرض اللبان. كما تكثر أشجار التمر هندي وتنتشر وما يعرف الحزام الاستوائي وبشكل خاص في مناطق جبال الإنديز ودول جنوب شرقي آسيا التي ذكرناها سابقا وشمال أستراليا وتايوان والصين ومدغشقر وفلوريدا. ويقال إنه أدخل التمر هندي إلى المكسيك التي تعتبر ضمن الحزام في القرن السادس عشر عبر المستعمرين الإسبان والبرتغاليين، وقد أصبح التمر هندي منذ ذلك الوقت جزءا لا يتجزأ من التركيبة الغذائية في البلاد. ومن المكسيك انتشر التمر هندي في أميركا اللاتينية وجزر الكاريبي.
ومع هذا تعتبر الهند حتى الآن أكثر الدول في العالم إنتاجا له.
وفي مجال الخرافات يقال إنه «خلال العهد الفيكتوري كان الإنجليز الذين يتجولون في مناطق التيبت يضعون قرون تمر هندي خضراء في آذانهم لحماية أنفسهم من الغارات المتكررة، ومن تحرش أهل البلد بهم، حيث كان يعتقد السكان أن قرون التمر هندي الخضراء تسكنها شياطين حاقدة ولئيمة ومتسلطة».
استخداماته
معجون التمر هندي لا يستخدم فقط لإنتاج شراب شهر رمضان (خليط بين التمر والماء والسكر وماء الورد)، فشجره دائم الخضرة وكبير وعال جدا، مما يمكن الكثير من النباتات الهامة النمو تحت دوحته العريضة. وهو من المواد الغذائية التي تستخدم عادة لتغيير نكهة الطعام وبالتحديد لإضافة الحموضة القوية على اليخنات والطبخ بشكل عام ولذلك يستخدم كثيرا في الهند وباكستان ودول جنوب شرقي آسيا وفي عدد لا باس به من الأطباق كأطباق العدس والكاري والأرز. وبالإضافة إلى فوائده الطبية الجمة، يدخل التمر هندي في تركيبة الكثير من الصلصات التي تستخدم مع السمك واللحم.
ولأن التمر هندي يحتوي على حمض الطرطريك، فإنه يستخدم بكثرة في البلدان الآسيوية البوذية لتلميع الأواني والتماثيل والمصابيح النحاسية والبرونزية في المنازل والمعابد.
وبالإضافة إلى ذلك تستخدم أشجار التمر هندي كما تستخدم أشجار الجميز والكثير من النباتات للزينة في الحدائق العامة وعلى جانب الطرقات والقصور وغيره، كما يستخدم خشبه المائل إلى الحمرة لصناعة الأثاث والأدوات المطبخية والمنحوتات الخشبية رغم أن خشبه صعب وغير مرن.
الفوائد
يقال إن التمر هندي كان مهما جدا للبحارة في قديم الزمان، إذ إن محتويات من السكر والحموضة كانت تعوض نظامهم الغذائي النشوي. بأي حال فإن التمر هندي غني جدا بالفيتامينات والمعادن، ولذا فهو من المواد المفيدة جدا لصحة الناس وعافيتها، فالفسفور، مفيد جدا لصحة العظام والهيكل العظمي ولنمو الجسم بشكل عام، والكالسيوم يساعد أيضا في هذا المضمار وحماية الأسنان وضبط ضغط الدم، أما الحديد فيساعد على زيادة الكريات الحمر في الدم وإعادة بناء الخلايا المتضررة. كما يساهم البوتاسيوم على دوزنة دقات القلب، والمغنيسيوم من أهم المواد التي تدعم عمل الأعصاب والعضلات وتحويل السكر في الدم إلى طاقة.
أما من ناحية الفيتامينات، ففيتامين ك يمنع النزيف الحاد، والفيتامين سي يدعم نظام المناعة في الجسم ويحمي من أمراض القلب والنزلات الصدرية وغيره، أما الفيتامين بي 1 فهو من يعيد تجديد كريات الدم الحمراء ويحمي من فقر الدم، أما فيتامين بي 6 فهو مهم للصحة العقلية ويدعم المناعة ويقي من مرض السكري، والأهم من ذلك فيتامين بي 12 الذي يحمي من السرطان والمواد الضارة.
درج العرب على استخدام التمر هندي لغايات طبية منذ القدم، وهكذا فعل أطباء الفرس الذين استخدموا منقوعه شرابا لعلاج بعض أمراض المعدة والحميات النانشة عنها. ولا يزال الهنود منذ قرون يستخدمون صلصاته لعلاج الزكام وإزالة غازات المعدة. أما في الصين فلا يزال الناس يستخدمونه لعلاج الدوسنتاريا ولفتح الشهية وعلاج البرد والغثيان والقياء أثناء الحمل.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».