ترتبط جماهير كرة القدم بعلاقة مثيرة مع الضربات الركنية. واللافت أن الركلات الحرة، التي تبعاً للإحصاءات الصادرة عن «أوبتا»، تؤدي إلى هدف في 3.2 في المائة فقط من حالات، لا تحظى بالقدر ذاته من الإثارة والاهتمام. والملاحظ أن الاستاد عادة ما تتعالى به هتافات الجماهير بمجرد احتساب الحكم ضربة ركنية، ويصاحب القرار ترقب واضح، وربما خوف على الفريق الذي تشجعه. ومع هذا، لم يسبق من قبل أن وصلت الآراء حول هذه النوعية تحديداً من الكرات الثابتة إلى المستوى الحالي من النقد والمرارة، مع احتواء الكثير من منتديات المشجعين الإنجليز على الإنترنت على موضوعات نقاشية من عينة «لماذا نحن بهذا السوء في الضربات الركنية؟».
إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل حقاً أنه في الوقت الذي يبدو أن قدرة اللاعبين الفنية تحسنت على امتداد العقد الماضي، وبخاصة من المنظور الهجومي، فإن قدرتهم على تصويب كرة من على مسافة 25 ياردة إلى داخل منطقة المرمى قد تدهورت؟
عند إمعان النظر في الإحصاءات الخاصة بالمواسم الخمسة الماضية، نجد أن معدل الأهداف على مستوى الدوري الممتاز من ضربات ركنية تحرك بالكاد، وتنوع ما بين 0.32 هدف للمباراة و0.38، وربما من الإنصاف الاعتقاد بأن هذا المعدل لا يختلف كثيراً عن الوضع داخل بطولات الدوري الممتاز الكبرى على الصعيد الأوروبي، أو على صعيد الكرة الدولية. وعليه، يظهر سؤال آخر: إذا لم يكن ثمة تراجع مفاجئ قد حدث في فاعلية تسديد الضربات الركنية فيما يخص خلق أهداف، فلماذا يبدو الآن كما لو أن نظرة الغالبية أصبحت سلبية تجاه هذه النوعية من الركلات؟.
يمكن البدء في الرد على هذا السؤال من نقطة أن آراءنا على هذا الصعيد ربما متأثرة بحجم المباريات التي نشاهدها عبر التلفزيون. إذا كانت الركلات الركنية تثمر أهدافاً في 3.2 في المائة فقط من الحالات، فإن هذا سيؤدي حتماً إلى أن غالبية الضربات الركنية لن تترك بداخلنا أثراً إيجابياً، وكلما زادت أعداد الركلات الركنية التي نشاهدها، ترسخت بداخلنا النظرة السلبية تجاهها. وثمة اعتقاد سائد بأن اللاعبين الذين يتقاضون أجوراً ضخمة ينبغي على الأقل أن يكونوا قادرين على تسديد كرات ركنية ناجحة، يتفوقون خلالها على أول لاعب متقدم من دفاع الخصم في منطقة الـ6 ياردات. وهنا تحديداً، هناك سوء فهم خطير لدى الكثير من المشجعين حول ما يشكل ضربة ركنية فاعلة. في الواقع، هناك اختلاف هائل بين توجيه الكرة من ضربة ركنية إلى داخل منطقة المرمى، وخلق فرصة خطيرة من وراء مثل هذه الركلة.
إذا ما ركزنا الانتباه على الضربات الركنية أثناء مباريات فترة الستينات وسبعينات القرن الماضي، سنلحظ أنه كان هناك ميل أكبر لتصويبها إلى داخل منطقة مرمى الخصم. عبر هذا الأسلوب، سيمكنك بصورة شبه مؤكدة التغلب على مدافع الخصم المتقدم للأمام، لكنك ستضطر حينها إلى التحرك بالكرة بوتيرة بطيئة. كان هذا أمرا لا بأس فيه في حقبة كان بمقدورك فرض بعض الضغوط البدنية على حراس المرمى الذين كانوا لا يزالون يفضلون الإمساك بالكرة؛ ما يعني أنه من الممكن بسهولة التحايل عليهم لإسقاطها من أيديهم. إلا أنه في الوقت الحاضر، لم يعد هذا النمط من التعامل مع الضربات الركنية مستساغاً، وبات حراس المرمى يفضلون دفع الكرة بعيداً بهدف التقليل من احتمالات ارتكاب خطأ في التعامل مع الكرة والتمتع بحماية أكبر من جانب الحكام.
ويعني ذلك أنه كي تنجح ضربة ركنية بالفعل في إثارة حالة من الذعر داخل صفوف دفاع الخصم، فإن واحدة من أفضل المناطق لتصويبها إليها خلف أول مدافع في مقدمة منطقة الياردات الـ6 مباشرة. ويعتبر هذا في حد ذاته هدفاً صعباً للغاية، أشبه بالتصويب على الزاوية العليا من المرمى عند التصدي لركلة حرة؛ ذلك أنه يتعين على اللاعب في هذه الحالة التأكيد من إطلاق الكرة بسرعة صاروخية وزاوية مائلة، بجانب الحرص على عدم ركلها بقوة مفرطة تجعلها قريبة للغاية من حارس المرمى. ومع تمركز المدافع الأول المتقدم على بعد قرابة 20 ياردة، فإن تصويب ضربة ركنية بفاعلية يتطلب إسقاط الكرة خلف هذا المدافع مباشرة لتوفير أفضل فرصة للمهاجمين لاقتناص الكرة قبل انقضاض الدفاع عليها.
في الواقع، جاء الهدف الذي أحرزه ناصر الشاذلي من ضربة ركنية لحساب وست بروميتش ألبيون في مرمى آرسنال الشهر الماضي رائعاً بجميع المقاييس، وكان لمدرب آرسنال آرسين فينغر كل الحق في الإشارة إلى هذا بغض النظر عن العيوب التي تكشفت في خط دفاعه. المؤكد أن إسقاط الكرة في نقطة بعينها مهارة يصعب إتقانها ـ وربما يكون هذا الأمر تحقيقه أسهل من ركلة حرة عندما يقف حائط على مقربة منك ويعاونك على تقييم المسافات بصورة أفضل.
حقيقة الأمر، ثمة عوامل كثيرة تتعين دراستها عند تصويب ركلة ركنية، وكذلك مجموعة متنوعة من الأساليب بعضها أكثر صعوبة عن البعض الآخر. وهناك احتمال أكبر أن يتمكن المدافع المتقدم من التخلص من ضربة ركنية حال تسديدها من نقطة متقدمة عن الأخرى التي يجري تسديدها من نقطة متأخرة. وربما تثمر محاولات إتقان التسديد نهاية الأمر عن أن أربعا من بين كل 10 ركلات ركنية بهذا الأسلوب لا تفلح في تجاوز المدافع المتقدم، لكن الـ6 التي تفلح في اجتيازه تحمل في طياتها فرصاً لإحراز أهداف أكبر بكثير عن غيرها.
وهناك عوامل أخرى وراء صعوبة الضربات الركنية. وبالنظر إلى حجم الأموال التي تنفقها الأندية المحترفة الكبرى لضمان توفيرها كل ما بوسعها لمنح اللاعبين أفضل فرصة لتقديم أداء جيد، فإنه عندما يتعلق الأمر بجعلهم يشعرون بارتياح، فإن أداءهم في تسديد الضربات الركنية يبقى أقل كثيراً من المأمول. في حين وراء خطوط التماس داخل استاد أولد ترافورد، ثمة انحناءة في أرض الملعب عند الزاوية.
وعليه، فإن اللاعبين الذين يتصدون لتسديد الركلات الركنية على أرض أولد ترافورد يتحتم عليهم الجري فوق منطقة مرتفعة قبل إطلاق الكرة. وتتسم ملاعب أخرى بعقبات مشابهة وبعضها لا يزال يفتقر إلى مساحة مناسبة للجري بها تمهيداً لتسديد الكرة ـ وبالتأكيد المساحة لا تشبه تلك التي يحظى بها اللاعبون في ملاعب التدريب. على مدار العقد الماضي، وضعت معظم الأندية عشبا اصطناعيا خلف خط التماس للحيلولة دون حدوث تآكل في المنطقة بسبب حركة مساعدي الحكام واللاعبين البدلاء. ويعني ذلك أن اللاعبين الذين يتصدون للركلات الركنية غالباً ما يتعرضون لإعاقة بسبب شعورهم بحدوث تغير في سطح أرض الملعب تحت أقدامهم مع استعدادهم لتسديد الضربة الركنية. وبينما لا يسع المرء سوى الشعور ببعض التعاطف مع اللاعبين في خضم مواجهتهم مثل هذه المشكلات التي ربما تبدو صغيرة، فإن العجيب حقاً أنه لا تزال هناك تحسينات يمكن إقرارها على هذا الصعيد لم تتخذها الأندية الكبرى بعد رغم جهودها الحثيثة لتحقيق مكاسب هامشية في مواجهة منافسيها على أصعدة أخرى.
وربما يتمثل عامل آخر في حدوث تغيير في التوجه التكتيكي لبعض الأندية إزاء الدفاع عن الزوايا الركنية. خلال العقد الماضي، كان هناك توجه متنامٍ نحو عدم الدفع بلاعبين في كلا المركزين، مع تفضيل بدلاً عن ذلك ترك أحدهما أو كلاهما دون تغطية. وكان من بين الأسباب الدافعة إلى الاعتماد على هذا الأسلوب، الرغبة في استخدام الضربة الركنية منصة انطلاق لشن هجوم مرتد.
وكان كل من المدربين أندريه فيلاش بواش وبريندان روجرز، اللذين اشتهرا بإقدامهما على التجارب الجريئة (بدرجات متباينة من النجاح)، من أوائل من اعتمدوا على هذا الأسلوب في الدوري الممتاز. ويأتي هذا بناءً على قناعة بأن الفريق الخصم يكون في أضعف حالاته عند تسديده ضربة ركنية. وبالفعل، هناك مؤشرات توحي بأن هذا الرأي صائب. جدير بالذكر أن هذا الموسم، اقتحمت شباك ليفربول أهداف في الكثير من المباريات مباشرة في أعقاب تسديد لاعبيه ضربة ركنية. لهذا؛ ليس من المثير للدهشة أن نجد الكثير من الفرق في الوقت الحاضر مترددة إزاء التكدس داخل منطقة مرمى الخصم على النحو الذي كان سائداً فيما مضى؛ وذلك بغية تقليل فرص تسجيل الخصم هدفاً مباغتاً.
بيد أن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك مناسبات بدا اللاعبون عاجزين تماماً أمام الضربات الركنية، وبخاصة في ضوء الجهود الكوميديا التي بذلها كل من واين روني وإياغو أسباس في السنوات الأخيرة. حقيقة الأمر، أن تسديد ضربة ركنية جيدة ليس بالمهمة الأصعب في الحياة، لكنها في الوقت ذاته ليست بالسهولة التي يفترضه الكثيرون من متابعي مباريات كرة القدم. وعليه، فإنه ربما علينا التريث أكثر قبل التحسر على تردي أداء اللاعبين في تصويب الضربات الركنية، مع إبداء في الوقت ذاته مزيداً من التقدير للضربات الركنية الجيدة عما نبديه في الوقت الراهن.
لماذا تفشل غالبية النجوم الكبار في تصويب الركلات الركنية؟
3 % فقط منها تثمر أهدافاً... والتصدي لها ليس بالسهولة التي يظنها الكثيرون
لماذا تفشل غالبية النجوم الكبار في تصويب الركلات الركنية؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة